صعود محمد دحلان... معركة بالوكالة من أجل الشرعية

الخميس 03 نوفمبر 2016 12:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صعود محمد دحلان... معركة بالوكالة من أجل الشرعية



غزة / ترجمة نتاليا نتيل / يقيم محمد دحلان على بعد ألف وثلاث مائة ميل من أشقائه الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. يمتلك بيت واسعا سقفه مقبب تزينه الثريات يحيطه من الخلف بركة سباحة تنتهي بممر مائي في امارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

مرت خمس سنوات منذ أن بدأ دحلان البالغ من العمر 55 عاما نشاطه في الأراضي الفلسطينية بصفتها دولة مستقبلية للشعب الفلسطيني. الا أن هذا الرجل القوي المتآمر الذي أصبح ثريا يمتلك الملايين في المنفى هو محور دسيسة في المنطقة العربية في الوقت الذي يسعى فيه القادة العرب إلى فرض تغييرات على الأرض على الرغم من مواقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعارضة.

يوما بعد يوم يشهد الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة حالة صراع داخلي متزايد في الوقت الذي بلغ في الرئيس عباس سن الثمانون عاما واصابته بأزمة قلبية مع عدم ترشيح اي خليفة له، والهجوم الذي يشن ضد من يتضح انه يدعم دحلان.

اعتقالات وحملات واحتجاجات وحتى إطلاق النار هي معركة يقودها الحرس القديم من أجل الشرعية ضد جيل جديد يسعى القيادة.

"أعلم أن أبو مازن وغيره يهابون عودة دحلان،" يقول دحلان ملقبا الرئيس محمود عباس بأبو مازن. يتساءل مستغربا "لماذا يهاب أبو مازن؟ ومجيبا على تساؤله "لأنه يعرف جيدا بما قام به خلال السنوات العشر الاخيرة، و لأنه يعلم بكل ما أعلمه عنه."

من الجدير بالذكر أن دحلان ذاته سبق وأن اتهم باستخدام سياسة القمع عندما تولى قيادة الاجهزة الأمنية في غزة كما القى الفلسطينيون باللائمة عليه لفقدان السيطرة على الاجهزة الامنية حينما استولت حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، فيما ينظر اليه البعض على انه أداة لإسرائيل.

الا أنه أصبح في السنوات الأخيرة المرجح لدى الرباعية العربية المكونة من مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة - الدولة التي تمارس الضغط على عباس للسماح لدحلان العودة إلى قطاع غزة.

خرج دحلان بشعره الداكن وابتسامته الخفيفة وجسمه الذي يبدو لائقا وقويا حيث يمارس دحلان يوميا ولمدة 90 دقيقة الرياضة، مرحبا بي لإجراء مقابلة معه هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي حديثه لي نفى ما تردد حول قسوته حينما شغل منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي سابق - حيث وصف بالشخص الذي لا يرحم - متسائلا "هل أبدو خطيرا؟" - الا انه يبدو شديد القسوة في إدانة منافسه.

وتابع دحلان قائلا لقد تفشت البطالة وترددت الشكاوى في الشارع الفلسطيني كما أن المدارس والمستشفيات في حالة يائسة بائسة في حين يزدهر الفساد. لقد فشل عباس في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مضيفا: وتزداد ديكتاتوريته لإسكات الأصوات المعارضة.

"إنها مؤشرات على فرض عباس لنظام شبيه بنظام الأسد أو صدام حسين"، يقول دحلان، في إشارة إلى بشار الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. "ما قام به أبو مازن هو تحويل ما تبقى من السلطة إلى أجهزة أمنية."

ادراك القادة العرب المؤيدين لدحلان سمعته وماضيه بغزة يجعل من الصعب له كسب التأييد الشعبي في الضفة الغربية، لذا يعمل هؤلاء القادة على بسط الطريق والترتيب لتقسيم السلطة بهدوء. فشخصية أخرى، مثل ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، قد يكون الرئيس المقبل، إلى جانب شخصيات أخرى مع دحلان وغيرهم كجزء من فريق قيادته. كما أن هناك احتمال آخر مروان البرغوثي، وهو يحظى بتأييد شعبي ويقبع في سجن اسرائيلي بتهمة القتل يقول دحلان أنه سيدعمه.

"أنا لا أسعى لخوض الانتخابات الرئاسية .. هل اتضح لك ما أقوله؟"

لكنه أضاف: "أنا على استعداد أن أكون جزءا من أي فريق في القيادة الفلسطينية حتى لو جنديا. أنا مستعد أن أكون أي شيء ولكن مع رؤية وخطط وقيادة حقيقية.

وتابع دحلان قائلا: "هذا لا يعني أن ناصر القدوة أو شخصية مماثلة سيقبل صفقة كهذه".

وفي مقابلة منفصلة مع ناصر القدوة، الذي شغل العديد من المناصب الدبلوماسية بما في ذلك وزيرا للخارجية الفلسطينية، ومؤخرا نائبا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص في سوريا، استبعد عودة دحلان.

مضيفا  "اعتقد أن امكانية عودة دحلان للقيادة ضعيفة، على الأقل في المرحلة الحالية"، وقال "عندما تهدم الجسور، من الصعب إعادة بناؤها".

وتابع القدوة "في الوقت الراهن، لن يكون هناك انتخابات رئاسية حتى يرشح دحلان نفسه فيها وحتى الانتخابات البلدية تم تأجيلها."

ولتخفيف الضغط الذي تمارسه الرباعية العربية على الرئيس عباس، اجرى الاخير مؤخرا زيارة الى عدة دول إقليمية داعمة له كتركيا وقطر. كما التقى بقيادات حماس في الخارج في مواجهة تنامي تحركات دحلان.

"عباس يحكم بقبضة من حديد عجز أي من منافسيه أن يقف ضده في الوقت الراهن"، يقول غرانت رامبلي، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، ومؤلف كتاب سيرة حياة الرئيس محمود عباس. "ها هو عباس في السنوات الأخيرة من حكمه، وهو أكثر السياسيين مكرا في المنطقة العربية عند مواجهة خصومه في هذا الوقت على الأقل حيث بإمكانه تكسير ركب المعارضين.

وقام عباس في الأسابيع الأخيرة بطرد خصومه من حركة فتح واعتقال آخرين. وفي يوم الثلاثاء، أعلن عن عقد مؤتمر لحركة فتح في وقت لاحق من هذا الشهر في خطوة فسرت على أنها محاولة لمواجهة حلفاء دحلان.

وفي أوقات أخرى تحول التوتر بين أنصار الرئيس عباس وأنصار خصمه دحلان إلى اشتباك عنيف.

ففي شهر أكتوبر /تشرين الأول الماضي، أطلق مسلحون مجهولون النار على منزل عائلة فادي السلامين، الذي اعتاد على توجيه انتقادا للرئيس عباس ، حيث أصابت حوالي 60 رصاصة منزله بالضفة الغربية.

وقال السلامين، الذي يمتلك ويدير صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك يوجه من خلالها انتقادات شديدة اللهجة للرئيس عباس انه "عمل مع دحلان على اطلاق مبادرة دولية ، الا انه نفى أي صلة له بما يقوم به دحلان.

"أنا لست جزءا من فريق عمل دحلان في فلسطين على الإطلاق"، يقول السلامين. بل أن محمود عباس "يعتبر كل من يعارضه مؤيدا ل"دحلان".

هذا لا يعني أن دحلان يستطيع حشد مؤيدين له ، يقول يوسف منير ، المدير التنفيذي للحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين، ليست لدى دحلان إلا قليل من المؤيدين بين الفلسطينيين.

"هذا الرجل مشبوه جندته حكومات دول أخرى للقيام بأعمال قذرة بهدوء، كان في كثير من الأحيان على استعداد لتنفيذ أوامر تلك الحكومات".

إلا أن مارتن إنديك، نائب رئيس مؤسسة بروكينغز والذي عمل دبلوماسيا إبان عهد بيل كلينتون، كشف عن لعب دحلان دور في تهميش الرئيس عباس.

واضاف " دحلان شخصية يتمتع بكاريزما، ذكي ومراوغ ، كما ويشكل تهديدا واضحا للحرس القديم في فتح في رام الله" على حد تعبيره.

في غزة، قاد دحلان قوات أمنية مكونة من  آلاف العناصر المتهمين بتعذيب المعتقلين وإقامة ما يسمى باقليم "دحلانستان".

وعندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة كان دحلان في الخارج مما حدا بالبعض إلى القول انه تخلى عن الأجهزة الأمنية. 

انتقل دحلان بعدها إلى الضفة الغربية، وشغل منصب وزير الداخلية  حتى عام 2011 (أي في عهد الرئيس عباس) ، حينها تبادل الجانبان (عباس ودحلان) الاتهامات بالفساد قبل أن ينتقل دحلان إلى أبو ظبي.

وأصبح دحلان من المقربين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، ساهم في سحق جماعة الاخوان المسلمين كما شارك في المفاوضات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا والسودان حول مشروع سد نهر النيل. كما اقام دحلان علاقة بناءة مع الإسرائيليين، بمن فيهم وزير الدفاع المتشدد افيغدور ليبرمان.

ويرفض المسؤولون الإسرائيليون الحديث عن دحلان وذلك بسبب ادراكهم انه أي تصريحات ايجابية بحقه قد تسيء إليه بل ستشوه  سمعته بين الفلسطينيين.

إلا ان عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، قال ان الحكومة تراقب تحركات دحلان ونشاطاته.

وقال يدلين "نحن نمعن النظر في الفترة ما بعد أبو مازن الذي يعتبر ذو أهمية لنا ليس لذاته ولكن بسبب علاقاته الجيدة جدا بالعالم العربي". 

أما دحلان الذي أخبرني بأنه يقرأ كتابا لهنري كاسنجر (دبلوماسي أمريكي وحائز على جائزة نوب)"، قال لي "لم التقي ابدا بافيغدور ليبرمان وارفض الاتهامات بالفساد." إلا أنه لم ينفي استخدامه لأساليب وحشية إبان توليه الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.

وقال دحلان "هناك حقيقتان لا انفيها وهي أنني ثري وانني قوي، هاتان الحقيقتان لن انفيها ولن انكرها. ماذا عساي أن أقول؟ هل عليا أن أقول أنني ضعيف؟ أو أنني لست ثريا؟ هل عليا أن أقول أنني فقير أو انني جائع؟ - أنا أعمل جاهدا لرفع مستواي المعيشي.

قام دحلان باستغلال بعض من امواله  واموال من صناديق مؤسسات عربية لتمويل أنشطة خيرية في  قطاع غزة والضفة الغربية.

اثناء اجراء الحوار مع دحلان في أبو ظبي، كانت زوجته جليلة في قطاع غزة تشرف على مشاريع إنسانية وعرس جماعي. وقد شاع استخدم  هاشتاغ #Dahlan على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في اوساط الغزيين مطالبين المساعدة من عقيلة دحلان لأقاربهم المرضى الذين هم بحاجة للعلاج.

كأب لأربعة أبناء، يصف دحلان نفسه بالمخلص لعمله حيث لا يخرج في عطلات.

دعاني لمشاهدة حديقة الفناء الخلفي لمنزله، وقال لي انه لا يقضي فيها وقتا لإنشغاله.

وقال دحلان " أحب الإنجاز"، "ادمن على تحقيق الانجازات في للعمل."