"الغد" الأردنية: أبناء غزة.. معاملة لا تليق بأشقاء

الثلاثاء 01 نوفمبر 2016 08:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
"الغد" الأردنية: أبناء غزة.. معاملة لا تليق بأشقاء



عمان - كتب فهد الخيطان*: في سعيها لتنظيم سوق العمل والإقامة، وإنصاف الأردنيين بما لهم من حقوق، صادرت الجهات الحكومية مكاسب تاريخية لأبناء قطاع غزة في الأردن؛ كحق تملك الأراضي لغايات السكن، والتنافس الحر على القبول الجامعي. والأسوأ أنها، في الآونة الأخيرة، ساوت في المعاملة بين أبناء غزة الذين لجأوا إلى الأردن قبل نحو خمسين عاما بعد أن شردهم الاحتلال من أرضهم، وبين عمال وافدين قدموا بمحض إرادتهم قبل أعوام لغايات العمل لبضع سنوات ومن ثم العودة إلى ديارهم معززين مكرمين.

لقد حوّلت الفرمانات الحكومية المتواترة بهذا الخصوص حياة الغزيين إلى جحيم، وحكمت على عشرات الآلاف منهم بالوقوع قسرا في دائرة الفقر والعوز، وطلب معونة لا يجدونها أصلا.

آخر الفرمانات حرمان ما يزيد على 800 شخص من فرص العمل في قطاع التعليم الخاص (الخاص وليس الحكومي)، وتجريدهم من وظائفهم ومصدر رزقهم، بدعوى أنهم فئة تنطبق عليها تعليمات العمال الوافدين.

قبل ذلك، كانت التعليمات المجحفة فيما يخص العمل ببعض المهن، تجبرهم على مخالفة القانون والقبول بالعمل بغير تخصصاتهم، من دون تصاريح عمل.

ليس ثمة سبب يمنع معاملة أبناء قطاع غزة معاملة اللاجئين الفلسطينيين ممن لا يتمتعون بحقوق سياسية؛ المنافسة على فرص العمل في السوق، والمقاعد الجامعية، وحق تملك العقارات والأراضي. إن من يدقق في حال سوق العمل سيكتشف أن للاجئين السوريين حقوقا مضمونة دوليا في الأردن، أكثر من أبناء قطاع غزة المتواجدين بيننا منذ نصف قرن.

هذا ليس عدلا أبدا، ولا يعقل أن ننتهك حقوق فئة واسعة في مجتمعنا لمجرد أنها لا تحوز على حقوق المواطنة الكاملة.

كيف نمنح طالباً من أبناء قطاع غزة مكرمة ملكية لدراسة الصيدلة في جامعاتنا، وبعد التخرج نمنعه من العمل؟ أي منطق في هذا السلوك المتناقض؟ ولماذا نحرم مؤسساتنا الصحية من أطباء أكفاء، فقط لأنهم غزيون، ونقبل بسد النقص بأطباء من الأشقاء العراقيين وسواهم؟

هذه معاملة جائرة، وغير لائقة بحق أشقاء قضوا كل حياتهم معنا على أمل العودة يوما إلى وطنهم التاريخي.

إنه لأمر يبعث على الحيرة حقا؛ فالأردن كان وما يزال أول من يمد يد العون للغزيين الصامدين على أرضهم. المستشفيات الميدانية الأردنية في قطاع غزة هي ملاذ الأهل هناك منذ سنوات طويلة. نقدم الخدمات لهم هناك كواجب حمله الهاشميون على أكتافهم تجاه أشقاء، في مواجهة الحصار الإسرائيلي، وهنا نحاصرهم في لقمة عيشهم، ونصادر أبسط حقوقهم الحياتية، ونعاملهم، بعد عِشرة السنين الطويلة، معاملة العامل الوافد إلينا من بنغلادش وسريلانكا.

على طاولة كبار المسؤولين في الدولة والحكومة حاليا، عريضة مفصلة، تشرح هموم الأشقاء، وتقترح جملة من الإجراءات الملحة لإنصافهم، نأمل من رئيس الوزراء، صاحب الولاية، أن ينظر فيها سريعا. لكن أهم خطوة ينبغي اتخاذها، لوقف مسلسل المعاناة، هي استثناء الغزيين من تعليمات تنظيم الأجانب والعمال الوافدين، وإعادة العاملين في قطاع التعليم الخاص إلى عملهم على الفور.

وكانت صحيفة الغد ايضا نشرت امس تقريرا حول معاملة الغزيين في الاردن وفيما يلي نص التقرير:-

" صدمة واسعة عبر عنها أهالي مخيم جرش (مخيم غزة) وغزيون، يقيمون إقامة دائمة في المملكة منذ عقود، بعد تطبيق قرار سابق لوزارة التربية والتعليم بعدم السماح لمئات المعلمين الغزيين من العمل في التدريس والإدارة بالمدارس الخاصة، باعتبار هذه المهن “مغلقة” على الأردنيين فقط، فيما نفت الوزارة أن تكون أصدرت قرارا بعدم قبول الطلبة الغزيين في المدارس الحكومية كما هو معمول به. 

قرار وزارة التربية كان صدر في 28 آب (اغسطس) الماضي، وتقول الوزارة انه جاء بناء على قرار وزارة العمل بضرورة عدم تشغيل غير الأردنيين في مهنة التعليم بالمدارس الخاصة، الا ان مئات الغزيين ممن تضرروا من القرار اعتبروه “مجحفا”، ويمس حقوقهم حيث يعملون في التدريس بالمدارس الخاصة منذ سنوات.

وقال الستيني أبو يوسف الغزي من مخيم جرش لـ”الغد” امس، إن أبناء المخيم “محرومون من كافة حقوقهم، سيما وأنهم لا يحملون أي إثبات رسمي، سوى جوازات سفر مؤقتة لمدة عامين، ويتم تجديدها دوريا”.  

وأكد أن الغزيين “غير قادرين على الحصول على أي وظيفة حكومية أو العمل في أي قطاع، سوى الاعتماد على أنفسهم في الأعمال الحرة والخاصة، ومعظم الفتيات من مخيم غزة يقمن بالعمل في المدارس الخاصة كمعلمات بعد مواجهة مئات العثرات في إكمال تعليمهن رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لأسرهن”.

ولفت إلى أن معلمات من المخيم يعملن في المدارس الخاصة منذ أكثر من 15 عاما، دون توفر أدنى حقوق مهنية. مؤكدا أن أغلب المعلمين والمعلمات المتضررين من القرار يعدون المعيلين الوحيدين لأسرهم، فيما لا توجد أي فرص عمل بديلة لهم الآن”.

فيما تقول المتضررة من القرار فاطمة الغزي إنه طلب منها إحضار تصريح عمل، وقامت بكافة الإجراءات اللازمة لذلك، وأحضرت كافة الأوراق التي تثبت أنها المعيلة لعائلتها، وعندما طلبت منها وزارة العمل إحضار كتاب من التربية فوجئت بأن إدارة التعليم الخاص ترفض طلبها، نظرا لقرار منع عمل غير الأردنيين في المدارس الخاصة، مشيرة إلى أنها تعمل منذ 12 عاما في هذه المهنة، حالها كحال العديد من زميلاتها اللواتي لا تقل خدمتهن عن 10 سنوات.

وكان المخيم أقيم كمعسكر طارئ العام 1968 لاستيعاب 11500 من اللاجئين الفلسطينيين، الذين غادروا قطاع غزة بعد نكسة 1967، ولا يحمل معظم سكانه أي إثبات للشخصية، وينطبق ذلك على جيل الأبناء والأحفاد، وهم يحملون جوازات سفر مؤقتة (دون الجنسية) لمدة عامين.
وتصل البطالة بين الرجال في المخيم إلى 39 %، فيما تبلغ بين النساء 81 %، وهي مرتفعة بالمقارنة بـ39 % للاجئات الفلسطينيات في الأردن، وفق دراسة سابقة أعدتها وكالة الغوث الدولية بتمويل من الاتحاد الأوروبي العام 2007.

نائب جرش هدى العتوم اعتبرت القرار “مجحفا” بحق أبناء مخيم غزة، الذي تستضيفه محافظة جرش منذ أكثر من 40 عاما “وأبناؤهم شركاء في التنمية والتطوير، ومعظمهم من مواليد محافظة جرش، ويعملون رغم صعوبة الظروف في المدارس الخاصة بأجور لا تغطي سوى جزء بسيط من نفقات أسرهم الممتدة في كثير من الأحيان”.

وأضاف العتوم لـ”الغد” أن هذا العمل يعد مصدر رزق رئيسيا للأسر، “ويجب أن يتم إعادة النظر بهذا القرار ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها. 

من جهتها، قالت وزارة التربية إن قرار منع غير الأردنيين من العمل بالمدارس الخاصة “يأتي بناء على قرار وزارة العمل مؤخرا، والذي جعل مهنة التعليم من المهن المغلقة أمام الوافدين بحيث تكون للأردنيين فقط”.

وقال مصدر مطلع في الوزارة، فضل عدم نشر اسمه لـ”الغد”، إن الوزارة طلبت من المؤسسات التعليمية الخاصة بعد صدور هذا القرار قبل بداية العام الدراسي الحالي عدم تجديد عقود العمل للمعلمين من غير الأردنيين، إلا في حالة واحدة فقط، وهي عدم توفر مخزون من التخصص في ديوان الخدمة المدنية فيمكن الاستعانة بالمعلمين غير الأردنيين.

وبين أن هناك نحو 350 معلما ومعلمة من غير الأردنيين كانوا يعملون في مهنة التدريس، لافتا إلى أن هذا القرار لا يقتصر على المعلمين العاملين في مهنة التدريس، وإنما يشمل أيضا السائقين والإداريين والمراسلين والحراس.

وفي سياق متصل، أوضحت مديرة إدارة التعليم العام في الوزارة خولة أبو الهيجاء لـ”الغد” أنه لم يصدر قرار من قبل الوزارة يقضي بتحويل الطلبة الذين يحملون جواز سفر أردنيا مؤقتا، إلى الفترات المسائية في المدارس الحكومية.

وأشارت إلى أن الطلبة من أبناء  قطاع غزة يقبلون في المدارس الحكومية، لافتة إلى أن الوزارة لم ترفض أي طالب من أبناء الأردنيات فهم يقبلون في المدارس الحكومية في الفترات الصباحية، وتعطى لهم فرصة لتصويب أوضاعهم لمدة 6 أسابيع، فهم يعاملون معاملة الأردنيين في التعليم والصحة.

وأضافت أن الفترة المسائية محصورة فقط بالطلبة الذين يمتلكون وثائق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولا يمتلكون الوثائق الرسمية على غرار السوريين واليمنين والصوماليين.

وكان عدد من أبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن وجهوا مؤخرا رسالة إلى الجهات الرسمية، تحت عنوان “احتياجات أبناء غزة الأكثر إلحاحا”.

وطالبوا بالحصول على إعفاءات خاصة بالأمراض المستعصية والخطيرة، واستثناء أبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن إقامة دائمة، من أي قرارات تصدر عن مجلس رئاسة الوزراء، والتي تخص الوافدين والأجانب.

كما ناشدوا بإلغاء تصاريح العمل لأبناء قطاع غزة وشمولهم بالمهن المغلقة، اضافة الى زيادة عدد المقاعد في الجامعات الحكومية لأبناء غزة، وشمول القاطنين منهم خارج حدود المخيم بالمكرمة الملكية السامية، واعادة السماح لأبناء غزة بالتقديم للجامعات الحكومية على التنافس كما كان سابقا.

كما وطالبوا بالسماح للأطباء في كافة التخصصات والصيادلة والممرضين والمختبرات الطبية والمحامين من ابناء غزة  بالحصول على شهادة مزاولة مهنة والسماح لهم بالعمل.