خبر : تاريخ بلدية غزة كبرى البلديات الفلسطينية في العهد العثماني.. الحلقة الأولى.. بقلم / د. ناصر الصوير

الأحد 04 سبتمبر 2016 05:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
تاريخ بلدية غزة  كبرى البلديات الفلسطينية في العهد العثماني.. الحلقة الأولى.. بقلم / د. ناصر الصوير



تأسست بلدية غزة وأنشئ أول مجلس بلدي في مدينة غزة في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديداً عام1893م ، وترأس الحاج مصطفى محمد العلمي وهو حفيد وفاء أفندي العلمي نقيب السادة الأشراف في القدس في أوائل القرن التاسع عشر، وتولى أحياناً في الفترة نفسها نظارة أوقاف الحرمين الشريفين (القدسي والخليل). توطن مصطفى العلمي في غزة بعد أن أرسله قاضي القدس قاضياً في مدينة غزة 1849م ، وبقى في وظيفته حتى 1864م. 

ثم تولى رئاسة أول مجلس بلدي لمدينة غزة ، وبقى في منصبه حتى توفى وقد ناهز الثمانين من العمر ودفن بساحة جامع الشيخ علي بن مروان ، وهو الذي أنشأ فرعا عائلة العلمي المنتشرة في مدن فلسطين وسوريا في غزة ، وقد رزق بعدة أولاد تولوا وظائف القضاء والعلم والإدارة أول مجلس بلدي لمدينة غزة منذ تأسيسه وحتى العام 1898، ثم خلفه في رئاسة المجلس عام 1898 ابنه أحمد مصطفى العلمي، ثم تولى علي خليل الشوا الذي كان مديراً لناحية الفالوجة قبل أن يعين رئيساً لبلدية غزة ، وكان يكنى بأبي عمر وهو نجل خليل الشوا أحد كبار ملاك الأراضي في غزة وقطاعها الرئاسة واستمر في منصبه ستة أعوام حتى العام 1906م.

 ثم خلفه الشيخ عبد الله العلمي هو عبد الله بن محمد بن صلاح العلمي الشافعي وترأس البلدية لسنتين فقط ، وهو عالم أزهري ومفسر وفقيه ومشارك في بعض العلوم الأخرى ، درَّس في جامع غزة الكبير، ترك مهنة التدريس وعمل بالتجارة وتركها راحلاً إلى مصر ثم إلى بيروت حيث عين هناك مدرساً للعلوم الحديثة في مكتب الصنائع، واشتهر فضله هناك، عاد إلى غزة، وعين مأمور إجراء لشهور قليلة، ثم رفع منها وعين مفتشاً على مدارس قرى غزة، ثم أضيفت له وظيفة تحصيل أموال المعارف، وعين قبل ذلك رئيساً لمجلس بلدية غزة بالوكالة لكنه لم يكمل عامه الأول وعزل منها، وفي أيام الحرب العالمية الأولى هاجر من غزة إلى نابلس، ومنها إلى دمشق عام 1918 حيث توطن فيها، وعين واعظاً في الجامع الأموي ومعلماً للبنات، واختير عضواً في المؤتمر السوري الأول، ظل مثابراً رغم مرضه على المطالعة والكتابة والتأليف، توفى يوم الأحد الموافق 26/7/1936م، 

 ثم تولاها خليل بسيسو لعام واحد ، وهو ابن الحاج أحمد بسيسو ولد في غزة عام 1860م،اشتغل أولاً في التجارة والزراعة مثل والده ، وتملك أراضٍ واسعة، ثم عين رئيساً لمجلس البلدية مدة عام واحد تقريباً عام 1906م،عمل في فرع "جمعية الاتحاد والترقي" في غزة بعد الانقلاب العثماني وكان أحد قادة هذا الفرع مع أحمد عارف الحسيني والحاج سعيد الشوا والشيخ محي الدين عبد الشافي، وفي عام 1913م ،أختير خليل بسيسو ممثلاً لغزة وبئر السبع في مجلس عموم القدس، وبعد الاحتلال البريطاني عين قاضياً في محكمة البلدية نظراً لمكانته، وبقى أحد أعيان غزة البارزين حتى وفاته عام1939م . 

ثم ترأس البلدية عام 1907 الحاج سعيد الشوا آخر رئيس لبلدية غزة في العهد العثماني وبقى فيها عشر أعوام ، وهو سعيد بن محمد أبو علي بن خليل الشوا، ولد بغزة عام 1868م، أحد أعيان غزة ووجهائها المعدودين، اجتهد في تكوين ثروة خاصة لنفسه، ونجح في ذلك مثل جده "خليل"، عين عام 1904م عضواً في مجلس الإدارة مكان والده، ثم عين رئيساً لمجلس بلدية غزة وبقى فيها حتى احتلال بريطانيا لغزة، كان مقرباً من جمال باشا السفاح خلال الحرب العالمية الأولى، لما أسداه للجيش العثماني من خدمات كثيرة عند تراجع الجيش عن قناة السويس، وبسبب تلك العلاقة نجح في إنقاذ ابنه "رشدي" وقريبه "عاصم بسيسو" من الإعدام في بيروت عام 1915، كما حاز من جمال باشا على نياشين عثمانية تقديراً لمساعدته للجيش العثماني وهو رئيس البلدية، وقبل الحرب العالمية الأولى كان سعيد أفندي عضواً في جمعية الاتحاد والترقي في غزة مع أحمد عارف الحسيني وخليل بسيسو والشيخ محي الدين عبد الشافي وغيرهم، ولما دخل الإنجليز البلد اعتقلوه وسجنوه مدة بسبب علاقاته بالأتراك وخدماته لهم، ولم تطل مدة سجنه، وصدر العفو عنه في تموز عام 1919، فاشترك في الحركة الوطنية، وحضر المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول، ومؤتمرات أخرى تلته، ثم أختير عضواً في اللجنة التحضيرية للبحث في شئون الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية عام 1921 ، ولما جرت الانتخابات لاختيار المجلس الإسلامي الأعلى ، أختير عضواً بأغلبية الأصوات مع مفتي القدس ، ومفتي حيفا ، وغيرهما ، وأعيد انتخابه عضواً في المجلس ثانية ، وثالثة وبقى كذلك حتى توفى عام 1930م ، وللحاج سعيد خمسة من الأبناء هم: رشدي وعادل وعز الدين وسعدي ورشاد، وقد اهتم بتعليمهم تعليماً خاصاً

 ولقد تولى منهم اثنان هما : رشدي ورشاد رئاسة البلدية ، فيما تولى عادل منصب نائب رئيس البلدية . وفي عهده بنى مقراً للبلدية ؛ وتم بناء المدرسة الأميرية " المبنى القديم بمدرسة هاشم بن عبد مناف الحالية ، وتم بناء المستشفى البلدي " مبنى البلدية الحالي، فوق تل السكن . مما سبق يلاحظ أن هناك توافق على تاريخ تأسيس بلدية غزة عام 1893م ، وتوافق على الأشخاص الذين تولوا رئاسة البلدية وتسلسل رئاستهم للبلدية ، وهم بالتتابع الحاج مصطفى العلمي ، ثم ابنه أحمد ، ثم علي الشوا، ثم الشيخ عبد الله العلمي ، ثم خليل بسيسو ، وأخيراً الحاج سعيد الشوا ؛ ولكن بعض المؤلفات التي تناولت بلدية غزة في العهد العثماني وقعت في بعض الأخطاء التي لابد من الإشارة إليها ، أولها أن النشرة التي أصدرتها البلدية عام 1981 بعنوان غزة هاشم "بيان موجز لأعمال البلدية" غفلت عن ذكر الرئيسين الأول والثاني للبلدية "مصطفى وأحمد العلمي" ، كما غفلت أيضاً عن ذكر الرئيس الرابع للبلدية الشيخ عبد الله العلمي، والرئيس الخامس للبلدية خليل بسيسو ، واكتفت بذكر علي خليل الشوا كأول رئيس للبلدية وأن سعيد الشوا تلاه في رئاسة البلدية حتى الاحتلال البريطاني لفلسطين أواخر عام 1917م، وفي هذا إغفال واضح لأربعة رؤساء لبلدية غزة ، ولا نستطيع أن نقرر إن كان هذا الإغفال متعمداً أم لا !!

 مع الإشارة إلى أن رئيس بلدية غزة عام 1981 وقت صدور هذه النشرة هو المرحوم رشاد سعيد الشوا ولابد من الإشارة إلى وجود القليل من الوثائق حول هذه الحقبة من تاريخ البلدية التي امتدت من عام 1893 إلى 1917م. 

والمتتبع لتراجم رؤساء بلدية غزة في العهد العثماني يرى أنهم جميعاً من أبناء العائلات المرموقة فلسطينياً وغزياً "العلمي ، الشوا ، بسيسو " وأنهم من أعيان المدينة المرموقين ومن ذوي الأملاك الطائلة فالحاج سعيد الشوا خلف ثروة طائلة من الأراضي في غزة وبئر السبع قدرت بنحو 50 ألف دونم . 

وهذا أيضاً شأن علي بسيسو ، وخليــل بسيسـو ، ومصطفى العلمي ونجله أحمد فقد كانوا من ذوي الأملاك والثروة .كما خاضت هذه الشخصيات غمار العمل السياسي فخليل بسيسو وسعيد الشوا عملا في فرع " الاتحاد والترقي " في غزة وكانا أحد قادة هذا الفرع مع آخرين .


أما مصطفى العلمي فقد كان حفيد نقيب الأشراف في القدس، ومن العلماء والأعيان ورجال القضاء والعلم المعدودين في عصره، وكذلك ابنه أحمد الذي خلفه في رئاسة البلدية،وهو الحال نفسه لعبد الله العلمي الذي كان من العلماء والفقهاء ورجال العلم حيث عين في مناصب تعليمية رفيعة أهمها مفتشاً للمعارف في القدس،كما شارك في الحلبة السياسية باختياره عضواً في المؤتمر السوري الأول. لقد كان هناك تنافس محموم بين الوجهاء على رئاسة البلدية وعضويتها لأنها تضمن الوجاهة والمنافع المتنوعة ؛ كما كان هناك تنافس مصلحي بين العائلات المتنفذة ولذلك أصبحت البلديات أداة مصلحة في يد العائلة أو تحالف العائلات التي تسيطر عليها ، فكانت تستغلها مركزاً لتأمين تغلغل نفوذها وضمان مصالحها ومن ذلك يمكن أن نستنتج أن البلدية كانت قبلة لعلماء وأعيان ووجهاء وإقطاعي غزة لإكمال منظومة نفوذهم وسطوتهم وليس غريباً أن تنهمك عائلات غزة المرموقة لعقود طويلة في تنافس محموم وصراعات خفية أحياناً وعلنية أحياناً أخرى للسيطرة على البلدية لأنها تعنى السيطرة الفعلية على زعامة المدينة.