خبر : المغامرة التركية في سورية \ البروفيسور أيال زيسر\ يسرائيل هيوم

الأحد 28 أغسطس 2016 11:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تفرغ في الاسبوع الماضي، من الاضطرابات التي تحدث في بلاده ومن حملات التطهير والتصفيات السياسية في صفوف المعارضين والمنتقدين له منذ محاولة الانقلاب الفاشلة قبل حوالي شهر، وقام بإرسال جيشه الى سورية المجاورة. وهكذا، وبشكل متواز مع طي الاعلام وتسوية الازمة في العلاقات مع اسرائيل وروسيا، قرر اردوغان فتح جبهة قديمة – جديدة امام اعدائه في سورية.
لقد اطلق على العملية العسكرية اسم " درع الفرات" وهي تهدف، حسب أردوغان ورجاله، الى ضرب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي ارتكب مؤخرا سلسلة من الهجمات الارهابية الخطيرة على الاراضي التركية. قام في آخرها، قبل أسبوع، في مدينة غازي عنتاب في الجنوب، انتحاري عمره 13 عاما، بتفجير نفسه خلال حفل زفاف، مما أسفر عن مقتل العشرات من المحتفلين. جيد ان تنظيم داعش قائم من اجل الاستعانة به لتبرير التدخل العسكري في سورية. فبعد كل شيء، أعلن الروس والإيرانيون، ايضا، أنهم ارسلوا قواتهم الى سورية لمحاربته، ولكنهم في الواقع يقاتلون الجماعات المتمردة المعتدلة، التي تهدد نظام بشار الأسد، في حين يتركون داعش.
تنظيم داعش يعتبر فعلا عامل ازعاج متزايد بالنسبة لتركيا، لكن التهديد الاستراتيجي بالنسبة لتركيا على الحلبة السورية، يكمن بالذات في الأكراد. فهؤلاء يرسخون بمساعدة واشنطن وبغض الانظار من قبل موسكو، الحكم الذاتي المتكامل في شمال سورية وشرقها. مثل هذا الحكم الذاتي الذي يترافق بيقظة المشاعر القومية الكردية، يمكن، حسب تخوف انقرة، ان يتسلل الى الأقلية الكردية في تركيا نفسها. فبعد كل شيء، يخوض الجيش التركي مواجهة متصاعدة مع التنظيم الكردي السري ((PKK، الذي تنتمي اليه غالبية القوات الكردية الناشطة في سورية.
يبدو أن اردوغان يفهم بان الطريق لمنع تأسيس دولة كردية في سورية هي التدخل وربما الوجود العسكري التركي المتواصل على اراضي سورية. هكذا فقط يمكن للقوى العظمى ان تأخذه في الحسبان عندما ستتفرغ لصياغة ترتيب طويل الأمد للأزمة السورية، وهكذا فقط، سيكلف الامريكيون انفسهم تقييد نشاط الأكراد في سورية، الذين يحظون بدعمهم بل يدربونهم ويسلحونهم ليحاربوا داعش (وهو ما امتنعت تركيا عن عمله حتى الآن). وفي الواقع، يضطر الاكراد بدون مفر الى ابتلاع الحبة المريرة. انهم متعلقون بحسن نوايا واشنطن، وواشنطن تحتاج الى الأتراك.
لقد تم تركيز الحملة العسكرية التركية على مدينة جرابلس، التي ارسلت منها داعش المخربين الانتحاريين لتنفيذ العمليات في تركيا. لكن اهمية المدينة تكمن في كونها نقطة التواصل بين مناطق الأكراد في شرق وشمال سورية. وبمساعدة الدبابات التي ارسلها الى هناك يعتقد اردوغان انه يمكنه منع الاكراد من الربط بين المنطقتين الكرديتين في سورية، وانشاء الحكم الذاتي، وربما انشاء دولة مستقلة في المستقبل. كما يمكن لأردوغان ان يرسل من هذه المنطقة ذراعه الى مدينة حلب، التي تدور فيها حرب عالمية بين الروس والايرانيين وقوات حزب الله، وبين المتمردين السوريين الذين ينجحون في هذه الأثناء، بالصمود شبه المستحيل.
ومع هذا كله، فان المقصود خطوة محدودة تشارك فيها عدة مئات من الجنود وبضع عشرات في الدبابات. فالأتراك، وخاصة اردوغان، يثرثرون كثيرا – هكذا حدث ايضا مقابل اسرائيل – لكنهم يعرفون حدود القوة ويحذرون كثيرا في الاعمال. فهم، ايضا، لا يريدون الغوص في الوحل السوري.
تركيا انضمت الى اللعبة السورية، وفي واقع الأمر تقوم منذ فترة طويلة بمساعدة المتمردين السوريين. ولكن بين العديد من اللاعبين يبرز الآن، بعد تدخل تركيا في سورية، رابح واحد كبير مقابل معسكر الخاسرين.
الرابح الكبير طبعا هو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا يزال يجلس على كرسيه ويتمتع بمحاربة خصومه لبعضهم البعض. اما الخاسرين فيضمون ايضا عمران دكنيش، ذلك الطفل السوري ابن الخامسة، الذي هزت صورته للحظة قصيرة العالم كله بعد تسبب قنبلة، روسية كما يبدو، بتدمير منزله وقتل شقيقه الاكبر. هذا الطفل وامثاله هم الذين يدفعون الثمن، ثمن بقاء الاسد في السلطة، ثمن الهيبة الروسية ومن يقف على رأسها، وثمن عجز وغياب ادارة براك اوباما.