خبر : كتاب سعوديون ...نقد الافكار ام نقض الاسوار ...اسماعيل مهره

الخميس 18 أغسطس 2016 02:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
كتاب سعوديون ...نقد الافكار ام نقض الاسوار ...اسماعيل مهره




ليس طبيعيًا في ظل ما تعيشه الأمة العربية من صراع على جبهات خارجية وداخلية متعددة، بما فيها على الجبهات الفكرية والدينية والسياسية وما تشهده من سجالات؛ أن ينأى كتاب أعمدة الرأي السعوديين على وجه التحديد عن محاولات قراءة ونقد وتفكيك ما يتعلق بالحركة الصهيونية وكيانها المادي والعلاقة بينها وبين اليهودية واليهود والموروث الديني و الثقافي الإسلامي تجاه اليهود، وليس مرد هذا النأي سوى تسلط الاستبداد على كل أشكاله ومستوياته، استبداد يحجر على العقول ويقدس الموروث ويخاف من التجديد، وهو في النهاية لا يخلق سوى مجتمع هش ضعيف غير محصن، يعيش خلف أسوار، قابل للانكسار السريع إذا ما تحطمت تلك الأسوار.
لكن من جهة أخرى فهل من الطبيعي ان يقوم ثلاثة من كتاب الأعمدة في صحيفتي الرياض والجزيرة السعوديتين، في نفس الأسبوع الذي تم فيه الكشف عن زيارة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي لإسرائيل، بتخصيص عدد من مقالاتهم لنقد الموروث الديني والثقافي عن اليهودية وعن الصهيونية، والحث على الإعجاب بالتجربة الإسرائيلية والاستلهام منها؟ أم ان الأمر ليس محض صدفة ويتنافى مع السياق الطبيعي، وأن ثمة من وجه وشجع ومنح الضوء الأخضر وفرد عليهم عباءته؟ وهو تساؤل مشروع تمامًا، ومن حق القراء والرأي العام العربي أن يسأله.
في إسرائيل على الأقل يعتقدون ان الأمر ليس صدفة، وأن ثمة يد عليا موجهة، في محاولة لجس النبض أو للتمهيد لخطوات أكثر جرأة وعلنية على مستوى العلاقات الرسمية التي - وحسب مصادر إسرائيلية - تطورت وتعمقت كثيرًا في الخفاء.
معلق الشؤون العربية في القناة الثانية ايهود يعاري أظهر حماسة كبيرة للمقالات ولوزن الكتاب وأهميتهم ولأهمية الصحف التي كتبوا بها مقالاتهم، واعتبر الأمر غير مسبوق، واعتبره مؤشرًا يترجم عمق التغير الذي يجري على المجتمع العربي، والخليجي خاصة.
موقع "ميمري" الذي يتخصص برصد الصحافة العربية، والذي يشبه إلى حد كبير ذراعًا أمنية لدراسة التغيرات على النخب العربية ورصد كل اشكال ما يسمى بالتحريض؛ أفرد تقريرًا كبيرًا لاقتباس أهم ما جاء في المقالات وقام بتحليل مضمونها، متفقًا مع يعاري انها تنطوي على توجهات وإعراب نوايا.
الغريب إسرائيليًا ان كلًا من يعاري وموقع "ميمري" ينتمون إلى اليمين ويتبنون سياسات نتنياهو، وهم الذين يتجاهلون عمدًا وعن قصد خطاب "الاعتدال" الفلسطيني، ويسلطون الضوء على ما يعتبر تحريضًا، ساعين دومًا لتعزيز مقولة اللاشريك؛ هم أنفسهم من يحتفل بشذرات تغير خطاب بعض الكتاب، ومرد ذلك يعود بتقديرنا إلى دعم منهجية وأجندة نتنياهو والتبشير بنجاحها، نجاح الأجندة التي تقوم على أن علاقة العرب بإسرائيل لا يجب ان ترتهن بالحل أولًا مع الفلسطينيين، وبالتالي دحض أحد أهم مبررات مشجعي التسوية، حيث يربطون ما بين التسوية مع الفلسطينيين وبين الجزرة الكبيرة المتمثلة بالعلاقة مع العرب، وكل انفتاح عربي على إسرائيل في ظل التهويد والاستيطان والتشدد الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين يعتبر خدمة كبيرة لليمين المتشدد، وهو الأمر الذي يجعل الإعلام اليميني في إسرائيل يبالغ في قراءته لمغزى مثل هذه المقالات.
وبالعودة إلى المقالات عينها التي كتبها ثلاثة كتاب سعوديون هم: سهام القحطاني التي كتبت "إسرائيل والأصولية العربية" و"العرب وإسرائيل وأزمة الاعتراف"، والكاتب د. ابراهيم المطرودي "النهضة وتجارب الآخرين"، والكاتب ياسر حجازي "بقايا عنصرية في خطابنا ضد اليهودية 1 و2"؛ فإنهم لم يقولوا أو يكتبوا شيئًا مستنكرًا ولم يجروا أية مقاربات سياسية، وما قالته الكاتبة سهام تلميحًا في السياسة عندما تحدثت عن قوة الأمر الواقع لم يكسر طابو سياسي ولم يخرج عن كتابات مألوفة ومعروفة في هذا السياق من قبل كتاب عرب وفلسطينيين، وثلاثتهم ركزوا كتاباتهم لانتقاد ما يعتبر في الثقافة العربية تأصيلًا دينيًا لكراهية اليهود باعتبارهم قتلة أنبياء ويقفون خلف كل شر، أي ركزوا على انتقاد الموروث بطريقة تفنيدية تستند إلى النقد العقلي المتحرر من الخوف والساعي إلى إنارة العقول وتحريرها من قيود فرضها من احتكر تفسير النص القرآني دونما تسلح بالبصيرة ودون القدرة على التفريق بين الصفات المرتبطة بظرف زماني وبين الصفات الدائمة، ويمكن لمن يريد ان يرى ان الكتاب أخذوا من انتقادهم للموروث الديني العربي ضد الشخصية اليهودية مدخلًا وظيفيًا لتعزيز شرعية انتقاد الكثير من الموروث الديني في إطار مواجهة الفكر السلفي ونقد أساساته.
لكن وفي كل الأحوال، لا يمكن في ظل العامل الظرفي لنشر هذه المقالات وتكثيفها للهجوم على ما يتعلق بالموروث ضد اليهود ودعوتها للتعلم من التجربة الصهيونية؛ إلا أن نتحوط لما يمكن ان يكون محتملًا من أهدافها ودوافعها، حيث من المحتمل أنها وظفت النقد لنقض الأسوار النفسية والثقافية والدينية التي لا زالت تشكل سدًا يحول دون أي تقارب رسمي علني سياسي مع إسرائيل.
الشارع السعودي عبر عن غضبه من زيارة عشقي، وامتلأت شبكات التواصل بهاشتاق (#سعوديون_ضد_التطبيع)، كما ان موظفين كبار في الخارجية السعودية كتبوا في صحف شبه رسمية "المدينة" و"الوطن " ضد التطبيع والمطبعين، وأعادوا تأكيد موقف المملكة من القضية الفلسطينية ومركزيتها، والتأكيد على دور إسرائيل المعادي للأمة العربية.
بيد ان ما كتب في "المدينة" و"الوطن" بتشجيع ربما من الجهات الرسمية لا يعني بالضرورة دحضًا مطلقًا لاحتمال وجود توجهات شبة رسمية شجعت الكتاب الثلاثة، وقبلها شجعت الزيارة، في محاولة لجس النبض وتهيئة الأجواء، ولاحتواء غضب الشارع كان لابدّ من إظهار التنصل الرسمي.
من الواضح ان تداعيات زلزال الربيع العربي على مستوى السياسيات الإقليمية لا زالت في بداياتها، وما نشاهده ونسمعه عن العلاقات الخليجية - الإسرائيلية التي تزدهر سرًا في الفترة الأخيرة، والتي لم تعد سرًا يخفى على المتابعين، مرشحه للمزيد والمزيد من العلنية، وسنقرأ ونشاهد ما يثير استنكارنا ولن يثير استغرابنا.