خبر : حظر التكفير أولاً ! مهند عبد الحميد

الثلاثاء 02 أغسطس 2016 09:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT




قتل الكاهن جاك هامل ذبحا، في عملية احتجاز رهائن نفذها رجلان في كنيسة شمال غرب فرنسا، وتبناها تنظيم «داعش». هجوم بالسلاح الأبيض شنه رجل في العشرينات من العمر على مركز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في ساغاميهارا في اليابان، أسفر عن مقتل 19 شخصا وإصابة 25 آخرين بجروح. طالب لجوء أفغانيّ ينفذ هجوما على قطارٍ في مقاطعة بافاريا الألمانية، وتبنّاه تنظيم «داعش». هجوم على مركز تجاري مزدحم في مدينة ميونيخ، قتل فيه تسعة أشخاص. قتل 84 شخصا على الأقل وأصيب العشرات بينهم 18 في حالة حرجة عندما اقتحم شخص يقود شاحنة حشدا في مدينة نيس جنوب فرنسا. 105 مدنيين سوريين بينهم عشرات الاطفال والنساء في سورية خلال 3 أيام جراء القصف الجوي والقاء البراميل المتفجرة بالمروحيات.
متوالية من القتل، قتل يتلوه قتل، فما أن ينشغل العالم في عملية قتل بشعة حتى يضاف إليها عملية قتل وحشية أخرى. إرهاب معولم الأسباب والحصاد. لا فرق بين قتل وقتل في شرعة حقوق الانسان فكل الفظاعات هي جرائم بحق الإنسانية جمعا، ويندى لها الجبين. ولكن هناك فرق بين دم ودم وقتل وقتل في شرعة النظام الدولي. هناك بشر يموتون يوميا وبشر يشردون ويتحولون إلى أرقام - سورية كمثال ناصع وفي فلسطين والعراق واليمن وليبيا - يموتون تحت سمع وبصر العالم بلا ضجيج ولا رحمة، والأسوأ بلا تدخل جدي لوقف نزيف الدم والمعاناة الشديدة. وثمة تمييز آخر بين جماعة إرهابية وأشخاص إرهابيون وبين دول إرهابية أو تمارس إرهاب الدولة. فالدول العظمى تمارس إرهاب الدولة والدول التي تسير في فلك الدول العظمى تمارس إرهاب الدولة وكل هذا النوع من الدول يحظى بغطاء النظام الدولي العتيد. وتمييز آخر في رؤية اسباب الارهاب وكيفية معالجة تلك الاسباب التي تنتج الارهاب وويلاته. دول الغرب تتبنى السبب الخارجي للارهاب ( الاسلام المتشدد وأيديولوجيته التكفيرية) فقط لا غير مغفلة الأسباب الداخلية للإرهاب. ودول وتنظيمات وثقافة الشرق تتبنى السبب الخارجي في صيغة «المؤامرة» وتغفل الأسباب الداخلية المنتجة للإرهاب.
يوميات ووقائع الارهاب التي وقعت اليوم وسابقا تنفذ بأيدي قتلة من الدول العربية والإسلامية وأمريكا واليابان والنرويج وفرنسا، كلها تؤكد أن الإرهاب معولم، وله أسبابه الاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية والسياسية والنفسية. وإذا سلمنا بهذه الفرضية فإن النظر للظاهرة الارهابية ولأسبابها ولأشكال معالجتها يختلف. وهذا يطرح ضرورة إعادة النظر في العقل والايديولوجيا والخطاب والحاضنات وسياسة النهب والتجويع التي تنتج هذا النوع من التوحش. لا يعني هذا تعويم الارهاب والمساواة في المسؤولية، ما أعنيه هناك أسباب ترجح كفة الكبار وأتباعهم من الانظمة، وهناك اسباب لصيقة بالضحايا.
الليبرالية الجديدة فرضت نظام الخصصة الذي أحدث تمركزا هائلا للمال والثروة ووضعها في قبضة فئة احتكارية قليلة سرعان ما تحولت إلى قليلة جدا، وفرضت نظاما جشعا للديون التي تحولت الى مصدر رئيس للاستغلال والاستنزاف ورهن حياة المدنيين وتحويل حياتهم الى جحيم أو قذفهم إلى قارعة الطريق. لقد «دمرت الليبرالية الجديدة نظام التعليم الحكومي لمصلحة التعليم الخاص عالي التكلفة، وشملت الخصخصة قطاعات الصحة وغيرها. أصبح المال أداة للاستعباد ولتغيير بنية المجتمعات» كما يقول المفكر الايطالي «فرانكو بيفو بيرادي». وكانت رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر ومعها المحافظون الجدد قد دشنوا نظام الخصخصة في ثمانينات القرن العشرين. حينذاك قالت تاتشر « لا يوجد مجتمع في بريطانيا. ومع ارتفاع وتائر الخصخصة حدث التوحش الاقتصادي الذي أتى على قيم النظام الرأسمالي (العدالة والحرية وحقوق الانسان، حق الشعوب في تقرير مصيرها)، تلك الشعارات التي طرحها النظام الرأسمالي في سياق صراعه مع النظام السوفييتي، وبهذا فقد بدأت المجتمعات تتحول الى «لا « مجتمعات كما قالت تاتشر.العولمة المتوحشة من جهة أخرى دفعت الى الواجهة «ترامب» في الولايات المتحدة ولوبان في فرنسا، وقوى واحزاب عنصرية في العديد من البلدان الاوروبية، وانعكس ذلك على فشل الدول في دمج المهاجرين في مجتمعات تتحول الى «لا» مجتمعات. فازدادت نسبة البطالة وتحولت تلك الجاليات الى غيتوات مغلقة في محيط المدن الكبيرة والتي شكلت بيئة خصبة للاتجار بالمخدرات وتنظيم جرائم السطو وتعاطي الإدمان وصولا للارهاب. ملخص الفكرة، لقد اصبح العالم وجها لوجه أمام توحش اقتصادي، لا مجتمع، وعنصرية وهي جميعا تشكل روافع للعنف والإرهاب والحروب.
مقابل ذلك، فإن الانظمة العربية والاسلامية المستبدة التي أنتجت البطالة والفقر وسوء توزيع الثروات والقمع وخنق الحريات وممارسة الفساد واستخدام الدين كأداة سيطرة، وتحول الدولة الى سلطة أمنية، وتحويل المجتمع إلى رعية، وحرمان المواطن من ابسط حقوق المواطنة، كل هذا البناء شكل حاضنات روافع قوية وراسخة للانفجارات الشعبية وللارهاب. إن الثقافة الدينية السائدة التي تنتمي الى مدرسة النقل النقيضة لمدرسة العقل، والتي تستند الى سلاحي التكفير والارهاب الفكري، والتي من أهم تجلياتها تكفير منتسبي الديانات الاخرى، وتكفير الشيعة والدروز والعلمانيين والتنويريين واليسار. ثقافة التكفير تبرر القتل وتؤدي بأفراد من معتنقيها الى ترجمة هذه الثقافة بالقتل. المؤسسة الدينية الرسمية وخطابها الديني والمناهج المدرسية، في العالم العربي بما في ذلك فلسطين، تتعاطى هذه الثقافة بشكل أو بآخر. من يدقق في خطاب وممارسات « هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر» السلطة الدينية الموازية للسلطة السياسية في المملكة العربية السعودية، تقدم خطابا تكفيريا، وتنطبق عليها معايير أن تكون خارج القانون. لكنها محمية داخليا وخارجيا. وفي مصر يقدم خطاب ديني مزدوج يتعايش مع التكفير ويحمي رموزه، اكبر دليل على ذلك، محاكمة المفكر المصري إسلام بحيري، وتقديم الكاتبة فاطمة ناعوت لانها طالبت بالتعامل مع الاضاحي بأسلوب مختلف. غير أن المشكلة الأكبر تتمركز في مؤسسة الازهر، تقول سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الازهر يجوز لقائد الجيش العسكري أو الجندي المسلم الاستمتاع بغير المسلمات كما يستمتع بزوجته لإذلالهن. هل يختلف هذا الافتاء من مرجعية أزهرية عن إفتاء أبو بكر البغدادي، في استباحة الغير بهدف الإذلال. إن القطع مع ثقافة التكفير لا يكون بغير حظر التكفير أولا وقبل كل شيء، وإعادة النظر في الخطاب الديني والثقافة الدينية المعتمدة من قبل المؤسسة السياسية الرسمية. وإعادة النظر في مناهج التعليم -بما في ذلك المنهج الفلسطيني -التي تكفر الاخر وتكرس التعصب الديني الذي يقود الى الارهاب.
Mohanned_t@yahoo.com