خبر : تل ابيب : محاولة الانقلاب في تركيا تشكل دفعة للعلاقات الإيرانية التركية

الخميس 28 يوليو 2016 12:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
تل ابيب : محاولة الانقلاب في تركيا تشكل دفعة للعلاقات الإيرانية التركية




بقلم: سيما شاين وغاليا ليندنشتراوس

القدس المحتلة ترجمة اطلس للدراسات محاولة الانقلاب في تركيا أثارت لفترة قصيرة تخوفًا عميقًا لدى إيران، ولذلك ليس مجرد صدفة ان طهران سارعت للوقوف إلى جانب أردوغان بعد عدة ساعات من بدء الأحداث، وكانت أول من أبدى تأييده.

إيران وتركيا تتقاسمان حدودًا مشتركة طويلة، والعلاقات بينهما شهدت ارتفاعًا وانخفاضًا في العقود التي انقضت منذ الثورة الإسلامية في إيران، ولقد طرأت توترات بين البلدين بين الفينة والأخرى إلى ان اعتلى أردوغان وحزبه سدة الحكم، سواء على خلفية عضوية تركيا في الناتو وعلاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر" في أعين النظام الإيراني أو على خلفية العلاقات الاستثنائية مع إسرائيل والتعاون العسكري الوثيق الذي نشأ بين الدولتين. التحسن التدريجي الذي بدأ مع صعود أردوغان سدة الحكم أسهم في نمو التجارة بين إيران وتركيا، وسيما في السنوات التي اشتدت فيها العقوبات التي فرضها الغرب على إيران بسبب برنامجها النووي، في هذه السنوات كانت تركيا ضرورة ملحة بالنسبة لإيران التي استخدمت الحدود المشتركة لتتجاوز العقوبات في إطار الصفقات المعروفة والموصوف بـ "الذهب مقابل النفط"، نجحت إيران في تحويل الليرة التركية التي كانت تدفع لقاء الغاز والنفط الذي اشترته تركيا - ولم تستطع أن تدفع بالدولار - إلى الذهب الذي بيع في تركيا ونقل إلى إيران؛ بهذه الطريقة في الواقع ساعدت المنظومة المصرفية التركية إيران على تجاوز القيود المفروضة عليها باستخدام المنظومة المصرفية العالمية ومنظومة المقاصة خاصة.

أضف إلى هذا في العام 2010 كانت تركيا وأردوغان شخصيًا شريكًا مع البرازيل في محاولة صياغة مقترح في المجال النووي، والذي كان من شأنه ان يكبح تشديد العقوبات؛ في هذا الإطار اقترحت تركيا ان تخزن على أراضيها حوالي نصف المادة المخصبة على مستوى منخفض في إيران، وفي المقابل وخلال حوالي عام كان من المفترض ان تزود المنظومة الدولية إيران باحتياجاتها من المادة المخصبة على مستوى متوسط للاحتياجات الطبية، غير ان الصفقة فشلت، ولكن المقترح التركي بالتوسط أيضًا في المجال النووي أدى إلى تقارب آخر في العلاقات الإيرانية التركية. وفي ذات الوقت ومع تدهور العلاقات بيت تركيا وإسرائيل وتوطيد حكم أردوغان؛ استمرت منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستخباراتية بين تركيا وإيران وتعمقت.

ولكن في السنوات الأخيرة، وفيما يخص الحرب الأهلية الدائرة في سوريا؛ تقف كل من إيران وتركيا متواجهتين على جانبي المتراس، إيران ترى ان استمرار وجود نظام الأسد ضرورة لدفع سياساتها وتحصين مكانتها الإقليمية، وعليه فقد تجندت بانضمام قوات حزب الله إلى جانب الجيش السوري، وتركيا من ناحيتها طلبت في البداية من الأسد إجراء حوار مع الثوار، وبعد فشل محاولات الإقناع وضعت طلبًا قاطعًا بطرد الأسد، وسمحت في الواقع بممر حر لتيار مقاتلي الجهاد المتدفق إلى سوريا، حتى انها زودت بعض هؤلاء بالأدوات القتالية.

في مارس 2015 انتقد أردوغان بشدة السياسة الإيرانية في اليمن والعراق، واتهمها بتوجهها للسيطرة على المنطقة. رغم الخلافات الجوهرية حول الملف السوري والتي بلغت في بعض الأحيان حد الهجوم الإيراني الصريح لأردوغان شخصيًا؛ فقد استمرت العلاقات في المجال الاقتصادي على مستوى التجارة نسبيًا ومن دون إزعاج، بل لقد تحدث الرئيسان أردوغان وحسن روحاني إلى بعضهما مؤخرًا وأبديا اهتمامًا متبادلًا بتوسيع حجم التجارة بين البلدين، والذي بلغ اليوم حوالي 10 مليار دولار ليبلغ حد الـ 30 مليار دولار؛ هذا الأمر يعكس مصلحة واضحة للبلدين الجارين اللذين يران إمكانية حدوث تطور كبير في أعقاب رفع العقوبات عن إيران، ذلك رغم ان رفع العقوبات في الواقع قلل ارتباط إيران بالعلاقات الاقتصادية مع تركيا، حجم التجارة الحالي بين الدولتين يشهد انخفاضًا حادًا أقل من المستوى الذي بلغته في العام 2012 (22 مليار دولار: مبلغ يعكس ذروة الصفقات "الذهب مقابل النفط" في تلك الفترة).

المحاولة الانقلابية وضعت أمام إيران الاحتمال المقلق الذي قد يحدث في الدولة الجارة الكبيرة والمهمة بالنسبة لها بأن تقع صراعات عنيفة داخلية، والتي ربما تستغل من قبل الأكراد، وربما يمتد شعاعها إلى الأقليات العرقية في إيران أيضًا، بمن فيهم الأكراد هناك، التخوف من سقوط نظام إسلامي - حتى وإن كان سنيًا - اعتبر في طهران سابقة خطيرة بالنسبة للنظام الإيراني؛ هذا النظام يراقب بقلق بالغ إمكانية ثورة داخلية، وسيما على خلفية صدمته من احتجاجات الجمهور الإيراني على ما اعتبره تزييفًا لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت العام 2009، من حينها ما يزال النظام الإيراني يطارد كل من يظن انه مؤيد لمطالب الشعب، كما أُعرب عنها خلال المظاهرات في ذلك الوقت، وكذلك فرض الاقامة الجبرية على قادة الاحتجاجات مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

على هذه الخلفية تبدو خصائص ردة الفعل الإيرانية على محاولة الانقلاب في تركيا مثيرة للاهتمام؛ أولًا: الإيرانيون أكدوا دعمهم لنظام أردوغان القائم والمنتخب، وسارعوا إلى إجراء مقارنة بينه وبين نظام بشار الأسد السوري "المنتخب" كقاعدة لمطالبتهم باستمرار حكمه ومن ثم إجراء انتخابات (على افتراض واضح ان النظام السوري عرف كيف يضمن استمرار سيطرته أيضًا حسب نتائج الانتخابات)، ذلك عبر الاعتماد على الإشارات التي وصلت في الأيام السابقة للمحاولة الانقلابية بأنه من المحتمل ان يطرأ تغيير على موقف أنقرة في كل ما يخص بمطلبها بطرد الأسد، وكذلك إلى حد كبير بعد الفهم إلى أي حد لم تقبل هذه المقارنة بالترحيب في أنقرة. بالإضافة إلى ان إعلان الاستنكار الأول للمحاولة الانقلابية كانت قد ألمحت إيران فيه إلى إمكانية حدوث تدخل خارجي في الأحداث، وضمنيًا محاولة خلق التوتر بين تركيا والغرب عامة والولايات المتحدة خاصة؛ هذا الربط لهذا التدخل يتناسب والاتهامات الإيرانية التي نسمعها منذ وقت طويل بأن الولايات المتحدة تحاول التدخل في الشؤون الإيرانية الداخلية، وأنها فرصة في الوقت الحالي لاحت للإيرانيين لاستغلال التشكك في أنقرة لتقليص حرية تحرك الطائرات الحربية الأمريكية التي تخرج من قاعدة "انغر ليك" للعمل في سوريا ربما.

إذًا فالتطورات على المسار الإيراني - التركي تتجاوز الشأن الثنائي، ومن بين الكثير من الأمور يجب التوقع ان العربية السعودية لن تتنازل بسهولة عن منظومة العلاقات القريبة مع تركيا التي طورتها منذ اعتلاء الملك سلمان سدة الحكم في مايو 2015. التعبير عن رغبة العربية السعودية باستمرار العلاقات الدافئة مع أنقرة يمكن أن تراه بالاستجابة السعودية الفورية للطلب التركي بوقف الملحق العسكري التركي في الكويت في المطار للاشتباه بتورطه في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

إيران من جهتها تسعى إلى استغلال حاجة النظام في تركيا إلى تقديم إنجازات في سياسته الإقليمية، وكذلك الحاجة التركية للتقدم على الساحة الداخلية لتدفع باتجاه مصلحها في المنطقة، وفي نفس الوقت تعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا؛ رغم ذلك سيكون على البلدين حل الخلافات العالقة والمواقف المتباينة بينهما، على سبيل المثال بخصوص سعر الغاز الطبيعي الذي أخذته إيران من تركيا في السنوات 2011 - 2015، وكذلك فيما يخص السعر الذي ستحصل إيران عليه في الصفقات المستقبلية. التحكيم الدولي حكم لصالح تركيا في موضوع الثمن الإيراني الفاحش، غير ان حكم التحكيم ما يزال محط خلاف بين البلدين.

انعكاسات محاولة الانقلاب الفاشل المختلفة تنضم إلى سلسلة طويلة من التغيرات التي مرت بها المنطقة في السنوات الأخيرة، قد وقع بعضها بالفعل وأخرى قد تقع عاجلًا، مشتقاتها يتوقع أن تكون ذات أهمية لنسيج القوى في الساحة الإقليمية، وسيما لميزان القوى بين المعسكر السني الذي تحاول السعودية بلورته وبين المعسكر الشيعي بقيادة إيران؛ بهذا الخصوص فإن التطورات على الساحة السورية على خلفية تفاهمات التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك احتمال تليين مواقف تركيا بشأن الكفاح ضد نظام الأسد من شأنها ان تؤثر أيضًا على مصالح إسرائيل في الشأن الإيراني العام، بما في ذلك الساحة السورية. هناك من شأن النجاح الإيراني - الروسي في تأمين استمرار بقاء نظام بشار الأسد ان يمكّن إيران من ان تؤسس سياجًا واقيًا دائمًا في سوريا، وبالتالي خلق حدود أخرى بالإضافة للحدود اللبنانية مع إسرائيل؛ هذه التطورات تستدعي تعميق الحوار الأمريكي - الإسرائيلي في الموضوع، وسيما في ظل التعاون المتنامي بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يخص الساحة السورية.