خبر : الحرب على الرأي العام ..اسرائيلية تعتق النساء من سبي داعش ..بقلم: إسماعيل مهرة

الإثنين 25 يوليو 2016 11:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحرب على الرأي العام ..اسرائيلية تعتق النساء من سبي داعش ..بقلم: إسماعيل مهرة




بحسب إسرائيل؛ فإن "داعش" تمثل الوجه الحقيقي للعرب والمسلمين الغارقين في حالة من الهمجية والبربرية، وبالمقابل فإن اليهودية نور وهدى للبشرية، وإسرائيل ليس فقط منارة العالم المتحضر؛ بل ورأس حربته وسوره الذي يحميه من همجية المسلمين، هذا تقريبًا جوهر الرسالة الإعلامية والثقافية الإسرائيلية التي تعمل على نشرها إسرائيل كدولة ومؤسسات وأفراد ومعظم يهود العالم، بتعاضد قوي ومثير للدهشة بين مجموع مكوناتها، وقد ازداد نشاطها كمًا وتنوعًا وتوسعًا في السنوات الأخيرة. إنها الحرب على كسب الرأي العام بهدف تأليبه وتحريضه على العرب والمسلمين، لكي يسهل اقناعهم بالرواية الإسرائيلية أن ليس هناك أي أسباب سياسية "للإرهاب"، وبالتالي لا تسويات سياسية ممكنة معه، ولا بدّ من التجند دوليًا لمحاربته، واعتبار إسرائيل مكونًا أساسيًا في هذه الجبهة العالمية.
كثيرة هي أشكال التحريض الإسرائيلي ضد المسلمين، لكن أكثرها ترويجًا هو ما تنتجه التلفزة الإسرائيلية من تقارير وأفلام وثائقية، آخرها كان تقريرًا متلفزًا للقناة الثانية بعنوان "الإسرائيلية الملاك بطلة العراقيات".
جوهر التقرير يروج لمستوطنة إسرائيلية تدعي ليسلي ميارا، تعيش في القدس المحتلة، كانت سابقًا تعمل في مجال البحث الأكاديمي، ثم انتقلت للعمل في القطاع الخاص، وقد هاجرت إلى إسرائيل من بريطانيا قبل 40 عامًا، وهي تقول ان "الإرهاب" الفلسطيني الذي طال أحد أبنائها هو الذي غير حياتها، حيث تصف ذلك قائلة "أنت الإرهاب تجرأت أن تصل إلى بيتي، لقد وصلت إلى البيت الخطأ"، وتواصل "لقد غير ذلك مجرى حياتي، فقررت أن أتطوع للعمل الخيري". التقرير يحاول أن يركز على الدوافع الضميرية لعملها "الإنساني"، حيث تقوم بجمع الأموال والمخاطرة بنفسها بالذهاب للعراق بهدف تحرير السبايا لدى "داعش" عبر شرائهن بالمال، وتنشأ لهذا الغرض مؤسسة، ويساعدها في الأمر عراقيين وأكراد ويزيديين. في بداية التقرير تظهر بعض النسوة اليزيديات وهن يعانقن ليسلي ممتنات وشاكرات لها على إنقاذها لهن من الجحيم الداعشي، ويتحلق حولها الكثير من الأطفال فرحين بحضورها وهداياها، جميلة فتاة يزيدية أنقذتها ليسلي من السبي تقول "لا أعرف إسرائيل، ولكننا نعتبر ليسلي أختنا".
جحيم السبي
في مشهد آخر يعرض التقرير فيديو يوثق سوقًا للنخاسة، تباع فيه الفتيات والنساء من قبل مالكيهن ومن قبل بعض التجار، ثم يجري مقابلات مع يزيديات كنّ ضحايا للسبي، ولا ينسى ان يزج باسم "أبو مالك الفلسطيني" عبر شهادة إحدى اليزيديات التي اشتراها أبو مالك مع ابنتها الصغيرة، وتستعرض أشكال العنف الجسدي والجنسي التي تعرضت له وكيف كان يهددها بابنتها الصغيرة، إلى أن باعها إلى آخر، ثم وصل إليها المتعاونون مع ليسلي وقاموا بشرائها لتحريرها. إيمان يزيدية ثانية تعرضت للسبي وعاشت ظروفًا قاسية تسرد قصتها مع السبي، ويزيدية ثالثة ورابعة، يسردن قصصهن، مما يبني مشهدًا مأساويًا يعرض لحجم الويلات التي تعرضن لها في السبي، ثم ينتقل مرة أخرى لمخيم اليزيديين في شمال العراق ليعرض حجم الرعاية التي يحظون بها داخل المخيم.
المنقذة الملائكية
ينتقل التقرير ليستعرض حجم المخاطر التي تحيط بمهمة ليسلي، حيث تتجول بسيارتها برفقة المصور على الطريق الموصل بين داهوك والموصل، ليس بعيدًا عن قوات "داعش"، ويصفها بالمنقذة الملائكية، وفي ردها على استغراب عن حجم المخاطر التي تعرض نفسها لها تقول "أنا اشعر هنا أنني في بيتي وليس لديّ تفسير لذلك، لكنني حريصة بشكل كافٍ بالمحافظة على سلامتي الشخصية، فقد وعدت ابني بأن أعود إليه سالمة، وأنا هنا أعرف كيف أكون حذرة ومع من أتواصل وممّن أطلب المساعدة".
ظهور الدوافع السياسية
رغم ان التقرير في البداية يركز على دوافعها الإنسانية؛ إلا انه يعرض في آخر التقرير توثيقًا للاحتفال الخيري الكبير الذي تنظمه ليسلي لعدد من عارضات الأزياء العالميات مع بعض اليزيديات، وأمام حضور عدد كبير من السياسيين، ومن بينهم ممثلي حكومة العراق، وتقول ليسلي في خطابها "سأكشف لكم اليوم عمّن أكون، أنا ابنة الديانة اليهودية التي أمرتنا ان نكون نورًا وهدى، أنا ابنة الشعب الذي ذاق الويلات على مر التاريخ ...".
لا أحد يستطيع أن ينكر الدوافع الضميرية عن ليسلي فقط لأنها يهودية، فهذا أمر منافٍ لمنطق الطبيعة البشرية، فحب عمل الخير وزرع القيم ليس حكرًا على شعب أو ديانة دون أخرى، لكن الأمر هنا مختلف؛ فثمة شواهد كبيرة وتساؤلات كثيرة تؤكد بدون أدنى شك ان الأمر لا تربطه أدنى علاقة بالعمل الانساني الصرف، بل استغلال للمأساة ولجرائم "داعش"، وتوظيف العمل الإنساني لخدمة تبييض وجه إسرائيل وإساءة وجه العرب والمسلمين. فالضمير الإنساني لا يقبل التجزئة أو الانتقائية، فكيف لمن ينام ضميره عن قتل الأطفال الفلسطينيين، بل ويرسل أبناءه لقتلهم وحرقهم والتنكيل بهم ويتجاهل صراخهم وشكواهم، كيف لضميره ان يختار الشعور بالألم على معاناة اليزيديين؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك الكثير من التساؤلات التي لها علاقة بالجوانب الأمنية والسياسية والمالية، فالتقرير أظهر وكأن التمويل تم من خلال جمع التبرعات، لكنه أخفى مصادر التبرعات، حتى ان التقرير لم يعرض اسم لمؤسسة ليسلي، عرضها كفرد وحيد يركز على كل النشاطات.
ثم من المعروف ان إسرائيل تحظر على مواطنيها السفر إلى دول تعتبر معادية، وتجرمهم وتسجنهم إن خالفوا الحظر، والعراق يعتبر واحدًا ممن ينطبق عليه الحظر، ومن الواضح انها حصلت على تصريح استثنائي من وزارة الخارجية ومن جهاز "الموساد"، فكيف لمستوطنة في القدس المحتلة أن تفكر فجأة بالذهاب إلى بلد تطحنه الحروب ولا تعرف أحدًا فيه؟ فمن الذي سهل المهمة وسلحها بإحداثيات المخيمات والمناطق والحدود والشوارع والأماكن الخطرة؟ ومن الذي عرفها مع من تتواصل؟ وبمن تثق؟ تساؤلات مشروعة ولا يمكن لأيّ عاقل ان يقتنع انه لم يكن "للموساد" يد طولى في الأمر، يد حارسة وموجهة.
سبق وأن قال عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات السابق ورئيس معهد دراسات الأمن القومي، أن "الربيع العربي ينطوي على الكثير من الفرص، وعلى إسرائيل أن تعرف كيف تستثمرها"، وهذه واحدة من فرص استثمار إسرائيل لانفلات العبثية في العالم العربي، والفرص الناشئة كثيرة وكبيرة، وإسرائيل لا تفلت أيًا منها، وكل يوم نسمع ونكتشف المزيد من الاستثمار الإسرائيلي لحالة التدمير الذاتي العربية