خبر : دولة اسرائيل ضد الفيس بوك ... بقلم : اسماعيل مهره

الخميس 21 يوليو 2016 08:04 م / بتوقيت القدس +2GMT
دولة اسرائيل ضد الفيس بوك ... بقلم : اسماعيل مهره




للتحريض على الإرهاب، ليس هذا فحسب، بل وفي هجومه الجنوني على اليهودي زوكربيرغ، مؤسس الموقع، قال أردان "إن دم ضحايا الإرهاب يلطخ أيدي زوكربيرغ"، وكان هذا التصريح أذانًا لحملة إرهابية عنيفة واسعة النطاق ضد موقع التصفح الاجتماعي المعروف باسم "فيسبوك"، حملة قانونية وتشريعية ودعاوية وشعبية وإعلامية على كل المستويات في هجوم غير مسبوق وخارج عن اللياقة السياسية؛ اتهم وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان صفحات الفيسبوك بأنها منصة الرسمية والشعبية من داخل إسرائيل، ومن أصدقاؤهم في الخارج، يهود ومنظمات ومؤسسات متعاطفة معهم، مستغلين في حملتهم هذه ما تقوم به "داعش" من نشر لفكرها وتحريضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ في محاولة من إسرائيل لتجنيد أوسع جبهة عالمية ضد ما يسمي "التحريض على الإرهاب" بغض النظر عن كونه إرهابًا أو مقاومة وعن دوافعه وعن أهدافه وعن طبيعة المستهدفين.
الحملة الاسرائيلية ضد المحرضين وضد التحريض في الفضاء الإعلامي، سواء كان عبر التلفزيون أو وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها أو في مقدمتها الفيسبوك، انطلقت مع بدايات الهبة الشعبية في سبتمبر من العام الماضي، وتزعمها نتنياهو شخصيًا عندما اتهم الرئيس عباس والتلفزيون الفلسطيني والمنهاج التعليمي الفلسطيني بالتحريض.
إسرائيل كدولة تتمسك بالاحتلال والاستبداد بالفلسطينيين يهولها أي رد فعل مهما كان بسيطًا ومتواضعًا، وكأن الطبيعي هو صمت الشعوب على احتلالها وكتم آلامها واغتصاب الابتسامة في وجه المحتل، ودون ذلك فإن ثمة لابدّ من متهم مسؤول يجب محاسبته وردعه والتخلص منه، فوقاحة إسرائيل في استنكارها لصراخ الضحية أمر لا يشبهه شيء عبر التاريخ، وقد لخصته غولدا مائير بقولها للفلسطينيين "لن نسامحكم لأنكم تضطرون شبابنا الصغار لأن يقوموا بأعمال القتل وهم صغار".
وإسرائيل التي تتمسك باستمرار الاحتلال وبالقضاء على مشروع الدولة اخترعت عن قصد عدوًا يحررها من أي مسؤولية ومن أي اضطرار لتسوية سياسية، عدو اسمه "المحرض" وشخصت وسائله وأدواته بدءًا من الفضاءات الإعلامية المختلفة، وانتهاءً بالتصريحات والمبادرات السياسية التي ترى فيها تحريضًا للفلسطينيين على التمسك بمطالبهم وبنهج المقاومة. وفي الوقت الذي تتهم فيه كل شيء وأي شيء بالتحريض؛ تتجاهل عن قصد دور الاحتلال بكل ما يعنيه من سلب للحرية وقتل وتنكيل واستيطان كالمحرض الأكبر على الثورة بكل ما أوتي الشعب من وسائل عنيفة وناعمة تكفل شرعيتها كل القوانين والأعراف الإنسانية والديانات السماوية.
وعلى الرغم من ان ثمة شبة إجماع لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية بأن الردع الأمني لوحده لن يقضي على المقاومة وأن مهمة أجهزة الأمن هي توفير الوقت الضروري للسياسيين والبيئة الملائمة للتوصل إلى حل سياسي؛ فإن أجهزة الأمن - وبعد أن شخصت ان الدور الكبير لصفحات التواصل الاجتماعي في التحريض على المقاومة - قامت بتوظيف طاقات هائلة تقنية وبشرية ووظفت الأموال وافتتحت أقسامًا جديدة بهدف التغلب على ما تسميه بموجة التحريض الإعلامية، وفي مقدمة ذلك الوصول الى منفذي العمليات المحتملين قبل تنفيذهم للعمليات عبر التعرف عليهم من خلال منشوراتهم على صفحات الفيسبوك، حيث يدور في الإعلام الاسرائيلي سجال كبير ينطوي على تحميل المسؤولية لأجهزة الأمن بالفشل في تشخيص المنفذين، رغم ما يقولونه من ان "العنوان كان مكتوبًا على الحائط"، مستندين في اتهامهم لأجهزة الأمن على معطيات إحصائية لها علاقة ببروفيل المقاومين، وبأن الكثير منهم أفصح عبر صفحته عن نيته في تنفيذ عملية استشهادية. وما أثار جنون أردان والإعلام الإسرائيلي ضد الفيسبوك هو ما كتبه الشهيد محمد طرايرة على حسابة الشخصي قبل تنفيذه للعملية، حيث كتب "الموت حق وأنا أطالب بحقي".
ومن جهة أخرى فإن إسرائيل التي تدير ماكينة قوية جدًا ضد ما تسميه بالتحريض عبر منصة الفيسبوك تتجاهل التحريض الإسرائيلي عبر نفس المنصة وكيف يستخدمها الإسرائيليون للتحريض على قتل الفلسطينيين وعلى التنكيل بهم وعلى كراهيتهم ونبذهم، بما في ذلك بعض ما يكتبه نتنياهو شخصيًا أو ليبرمان وريغيف أو الحاخام العسكري الأكبر للجيش ايال كريم، الذي عين قبل أيام وكان قد أفتي بجواز اغتصاب نساء العدو وقت الحرب وبجواز الإجهاز على الأسرى المصابين.
وفي اختبار التحريض على شبكة الفيسبوك ثمة قصة تكشف بوضوح حضور الرادار الأمني على الشبكة ضد الفلسطينيين وغيابه الكامل عن التحريض الإسرائيلي، حيث طلب من فلسطيني من الـ 48 ومن يهودي ان يكتب كل منهما منشورًا تحريضيًا ويعلن فيه عن نيته تنفيذ عملية. شادي خليلية من سكان الناصرة، يبلغ من العمر 39 عامًا، كتب "كفى للاحتلال، كفى لإذلال الشعب الفلسطيني، كفى لقتل إخواننا وأخواتنا والتنكيل بهم، كم أنا مشتاق للشهادة، لعملية أكون فيها شهيدًا، فعذرًا لعائلتي إذا لم أرجع من واجبي المقدس"، أما دانيال ليفي من مستوطني القدس المحتلة، يبلغ من العمر 19 عامًا، فكتب "طفلة يهودية نامت في سريرها، فجاء مخرب حقير قتلها بدم بارد، لن أهدأ حتى انتقم لدمها".
الاختبار هو في ردود الفعل الشعبية والأمنية الرسمية، فبعد ساعات على نشر المنشورين جاءت المهاتفات والتعليقات لشادي تستوضح هل هو حقًا الذي نشر المنشور أم ان حسابه مخترق، وكتب آخرون "هل أصبت بالجنون؟"، وسريعًا وجد أفراد من جهاز "الشباك" يقتحمون بيته بهدف اعتقاله ومصادرة متعلقاته الشخصية. وبالمقابل فإن منشور دانيال ليفي الذي أعلن فيه عن رغبته بالانتقام لدم المستوطنة هيلل حظي بعد ساعات من نشره على عشرات الإعجابات والمشاركات، ومعظم التعليقات كانت تشجيعية "نحن نفتخر بك"، "بالتوفيق أخي"، "يباركك الرب"، ولم يتصل به أو يصل إليه أي من رجال الشرطة.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي تتنكر لأي تسوية ليس أمامها سوى الهجوم واتهام الآخرين وتوظيف كل ما يمكن توظيفه لخدمة قمع الفلسطينيين وتخليد الاستيطان والاحتلال، فهذه الدولة التي تؤمن انها لن تعيش إلا على حرابها إلى الأبد، و تراهن دومًا على انتصار القوة وانتصار الأقدر والأكثر كفاءة في استخدام القوة بكل مكوناتها ومختلف أوجهها، وهي تؤمن ان إدارة "فيسبوك" التي رفضت أكثر من مرة مطالبات إسرائيل بحجب عشرات المواقع الفلسطينية، مبررة ذلك بأن المواقع المطلوب حجبها تعمل في أراضٍ لا تتبع السيادة الإسرائيلية؛ سوف ترضخ ويمكن ابتزازها عبر الضغط الإسرائيلي والعالمي وعبر الابتزاز المالي، ويستندون في ذلك إلى ان "فيسبوك" اضطرت لحظر المنشورات الإباحية وطورت لذلك تقنية خاصة، فقط بعد ان هدد أحد أكبر المعلنين لديها انه سيتوقف عن تمويل إعلاناته لديهم إذا لم يحظروا المنشورات الإباحية، هذا الأمر استلهمته منظمة أمريكية مؤيدة لإسرائيل، فرفعت دعوى ضد شركة "فيسبوك" باسم عائلات أمريكية قتل بعض أبنائها في هجمات داخل إسرائيل، مدعية ان المقاومين تأثروا بالتحريض من المنشورات على الفيسبوك واستلهموا منها طرق العمل، وتطالب الشركة بتعويض مالي بأكثر من مليار دولار، ويقول عن ذلك أحد المدعين "ان الهدف ليس المال، بل الضغط على إدارة الشركة".
هذه الضغوط بدأت تؤثر على إدارة الشبكة، وباتت إسرائيل وشكاويها تتميز بأنها تحظى باهتمام كبير من قبل إدارة الموقع، مدراء كبار في الشركة زاروا إسرائيل أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة، واجتمعوا مع وزير الأمن ومع جهات أمنية إسرائيلية، ويعتبر الإسرائيليون الأكثر معرفة في استخدام منصة الشكاوى التي يتيحها الموقع، وهم الأكثر استخدامًا لها فيما يتعلق بالتحريض الفلسطيني، وحيث ثمة عمل منظم كبير يقف خلف ذلك تديره مؤسسات مدنية.