خبر : حماس في تسع سنين ...محمد حجازي

الأربعاء 15 يونيو 2016 03:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس في تسع سنين ...محمد حجازي



يعيش الوضع الفلسطيني أزمات متعددة و متشابكة , فبعد أكثر من أربعة عقود على تأسيسه يعيش المشروع الوطني مأزقا حقيقيا بل تهديدا مصيريا ، ليس فقط بفعل طبيعة الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي و جوهر حركته الصهيونية و أهدافها , بل بسبب تحديات من داخل الحالة السياسية الفلسطينية ومن داخل المشروع الوطني ذاته . أن يأتي الخطر والتهديد من إسرائيل وسياستها الاستعمارية والاستيطانية أمر مفهوم لان إسرائيل تدرك بأن إنجاز المشروع الوطني على أرض فلسطين سيكون على حساب المشروع الصهيوني وتطلعاته التوسعية , لكن ما لا يقل خطورة عن ذلك هو التدمير الذاتي للمشروع الوطني الذي تمارسه حركة حماس.
تسع سنوات مرت على حكم حماس في قطاع غزة , شهدت خلالها الحالة الفلسطينية تحديات كبيرة سواء في الأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية أو في أداء كل فصائل العمل الوطني , توتر في العلاقات الداخلية وتراجع العمل الجماعي التشاركي الذي ميز العمل الوطني لسنوات طويلة مضت ولكن ما يفوق خطر هذا التراجع , هو المتغير الكبير الذي حدث في الحياة السياسية الفلسطينية , عندما خرجت حركة حماس عن أصول اللعبة وقامت بالسيطرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة تاريخ 14 حزيران 2007 , وخلقت لنفسها سلطة ودولة تمت صناعتها برعاية حركة الإخوان المسلمين ودولتي قطر وتركيا , تتحدى فيها م ت ف و السلطة الفلسطينية على جبهة التمثيل السياسي للفلسطينيين . مرت السنوات التسع في مشهد يعجز الإنسان عن وصفه , حيث كانت النتائج كارثية فتم خدش صورة الفلسطيني الذي كان يشكل أيقونة نضالية ناصعة لكل الشعوب العربية و العالمية , فتم تحويله من شعب مكافح ومناضل إلى شعب يعيش فقط على الإغاثة الدولية بدون مضامين سياسية تتعلق بالحرية و الإستقلال , لا أريد أن أتحدث عن نتائج الإنقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة , فلقد كتب الكثير من المقالات و الدراسات وكان لي إسهامات متواضعة في هذا الشأن , بل عن ما آلت إليه حماس في حكمها وشكل هذا الحكم , لايختلف أحد عن أن إسرائيل هي من شجعت الإنقسام بل ورعته ومهدت الطريق أمام حماس للسيطرة على القطاع بهدف إخراج قطاع غزة من غلافها كما قالت مرارا وتكرارا , إلى جانب شق وحدة الفلسطينيين و المس بتمثيلهم السياسي كجماعة سياسية واحدة وصولا إلى ضرب و تخريب حل الدولة الفلسطينية الذي داست عليه الجرافات الإسرائيلية في عمليات التوسع الإستطاني في الضفة الغربية و مدينة القدس المعزولة تماما عن محيطها الفلسطيني , هذا المشهد استكمل في صناعة دولة غزة , جرت محاولات عديدة لجعل الإنقسام هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية , " دولة في غزة وحكم ذاتي محدود الصلاحيات للسكان فقط وليس للأرض في الضفة الغربية بدون القدس , يكون فيه الحكم للبلديات و الإدارت المحلية " , هكذا رسمت إسرائيل مستقبل الفلسطينيين .
تلقت حماس دعما ماليا و سياسيا من حلفائها في المنطقة , للحفاظ على حكمها في قطاع غزة باعتباره أول تجربة لحكم الإخوان في المنطقة " درة التاج " , فأعادت تشكيل الوزارات و المؤسسات الرسمية الفلسطينية و أنشأت جهازا إداريا وماليا شديد الإنضباط , وأجهزة أمنية قوية , و وظفت لذلك عشرات الآلاف من أعضائها و مقربيها لإدارة القطاع في مختلف المجالات , الأرقام الرسمية تقول بأن الرقم وصل إلى حوالي أربعين ألف موظفا . إلى جانب أن الحركة قامت بدعوة أعضائها في التشريعي , وشكلوا مجلسا حمساويا خالصا , أصدر العديد من القوانين التشريعية التي كان يصادق عليها رئيس مجلس الوزراء السابق السيد إسماعيل هنية بإعتباره أيضا المسؤول الأول عن الحركة في القطاع و هو نائب رئيس المكتب السياسي , هناك أيضا أعضاء المجلس الشورى للحركة في القطاع الذين جرى إنتخابهم من خلال المؤتمرات الحزبية . وهو بمثابة المجلس الذي يتخذ القرارات الكبرى وخاصة في مجال السياسة , أما الجهاز الذي تعول عليه الحركة بشكل كبير هو جهاز الضرائب أو الجباية المالية , فقد أنشات الحركة جهازا إداريا و ماليا شديد الفعالية و التنظيم ونجح هذا الجهاز في إبتكار العديد من طرق الجباية بحيث وصل إلى مرحلة لم يعد في القطاع شيء إلا وعليه ضريبة .
عبر التسع سنوات نجحت حماس في الوصول إلى مرحلة التكيف في فاتورة مصروفاتها الشهرية و مقدار الجباية المالية " هناك أرقام غير دقيقة يتم ترديدها تتحدث عن بضعة عشرات من الملايين بالدولار " المهم في هذا أن التكيف في الموازنات المالية هو أحد أهم الأسباب لتلكؤ الحركة بإتجاه إنهاء الإنقسام , وإستعادة الحياة الديمقراطية , أي أن هناك دائما سعي لدى الحركة للوصول إلى الإكتفاء الذاتي في الجانب المالي , بدون أي مراعات لحاجات للناس ومدى سوء أوضاعهم , هناك سخط جماهيري واسع من سياسة الضرائب التي تتبعها حماس , مع التنويه أن سكان القطاع تفرض عليهم الضرائب من جهتين حماس و السلطة الوطنية . ويشار في هذا المجال بأن موازنات الحركة المالية التي تحصل عليها من الضرائب لا تخضع للمسائلة والمحاسبة المالية و في أغلب الأحيان غير معلومة للجمهور , وهي مخصصة بالإجمال للمصاريف التشغيلية و رواتب الحركة , بدون تقديم أي موازنات للصحة أو التعليم أو البلديات , أو في البنية التحتية و الماء و الكهرباء .
في التسع سنوات الماضية تصدت الحركة لأي نشاط يتحدى سلطتها في القطاع , ليس فقط النشاطات الجماهيرية لأنهاء الإنقسام بل تعدى ذلك أيضا إلى خصومهم الذين ينتمون إلى نفس المدرسة الفكرية الفصائل السلفية في القطاع , ولكن يسجل للحركة بأنها نجحت في تقويض كل النشاطات و التحركات الفصائلية و الشبابية التي كانت تهدف لإنهاء الإنقسام , سواء بإستخدام العنف أو الإعتقال الأمني , أو التضليل السياسي و الخطاب التمويهي الذي يتحدث بإستمرار عن أهمية المصالحة و إنهاء الإنقسام , والوعود المستمرة , وهنا أيضا نستطيع القول بأن حماس تكيفت مع منسوب ومستوى المطالبات المستمرة لإنهاء الإنقسام وضغط السلفيين . ولا ننسى في هذا الإطار محاولات الحركة من فرض رؤيتها الإجتماعية على الفلسطينيين في القطاع بالقوة حيث عززت ذلك بتعديل الكثير من القوانيين , في مخالفة واضحة للقانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة الإستقلال .
و إذا كانت حماس قد نجحت في بناء و إدارة دولة غزة في الجانب الوظيفي و الإداري و المالي , فأنها فشلت في , أن تكون بديلا تمثيليا لمنظمة التحرير , وفشلت في فك الحصار وبقيت معزولة في الإقليم , لا أحد يعترف فيها كممثل للفلسطينيين , تركيا وقطر تتعاملان معها كفصيل سياسي فقط , حاولت الحركة اللعب على تناقضات الإقليم ولكنها فشلت و النتائج كانت كارثية , إلى درجت أنها سمحت لدول بالتدخل بالشأن الداخلي الفلسطيني بشك غير مسبوق .
حاول حلفاء حماس من إختزال القضية الفلسطينية بقطاع غزة واستخدموا عبارات مثل شعب غزة , إلى أن وصل الأمر بحماس أن أصبح خطابها السياسي يغلب عليه قضايا فك الحصار و إنشاء الميناء و المطار , في غياب واضح لطبيعة الصراع الحقيقي للفلسطينيين في هذه المرحلة التحررية خاصة في القدس و الضفة الغربية اللتان تتعرضان و بشكل يومي لجرائم الإحتلال ومستوطنيه و مصادرة الأراض لبناء مزيدا من المستوطنات , بيهدف إلى خلق واقع على الارض يقوض حل الدولتين .
تعرض قطاع غزة لثلاثة حروب إسرائيلية ألاف الشهداء وعشرات الآلاف من البيوت والورش و الأراضي الزراعية دمرت , كانت حرب إباده , بدون أدنى شك إن كتائب القسام و الكتائب المسلحة لمختلف الفصائل , قاتلت بشكل بطولي وكان هناك الكثير من المآثر البطولية خلال الحرب , بالرغم من التفوق الإسرائيلي الهائل الذي لايمكن مقارنته بإمكانيات المقاومة المتاحة , نجحت المقاومة كأداء وفعل ولكن في المستوى السياسي فشلنا في إستثمار هذا الصمود بتنائج سياسية معقولة وفرض شروط المقاومة كما سميت في حينها .
على صعيد آخر , فشلت حماس أيضا في إغاثة منكوبي الحرب و المهجرين , لم تضع في حسبانها توفير الحد الأدني لحاجات الناس الأساسية في وقت الحرب ولولا وكالة الغوث لكان الوضع أكثر مأساويا , حتى في مجال إعادة الإعمار كانت مطالبات المانحين و شرطهم للتمويل هو أن تتخلي حماس عن سيطرتها على القطاع و تسلم المعابر و السماح لحكومة الوفاق الوطني من بسط سيطرتها على القطاع , الأمر الذي لم يحدث إلى الآن .
في التسع سنوات العجاف التي مرت , يقف الفلسطينيون على أعتاب مرحلة جديدة شديدة الإلتباس و الخطورة , في ظل إنعدام أي أفق ومستقبل للقضية الفلسطينية , يبقى الخيار الوحيد و المدخل لتصويب نضالنا هو بوحدتنا السياسية كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية و بناء الدولة الفلسطينية , بدون ذلك لن ننجح جميعنا إذا كنا مشتتين , فمازلنا شعب يرزح تحت الإحتلال فلنتوحد لحماية مشروعنا التحرري , وبإنتظار أن تقوم حركة حماس بمراجعة سياسية عامة لمجمل سياساتها سواء من الوطنية الفلسطينية أو من مبدأ الشراكة السياسية , وقبل ذلك من طبيعة المجتمع الذي نسعى جميعا لبناءه .

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني - غزة