خبر : "ينبغي علينا أن نتعلم من الطفلة بتول" ..بيير كرهينبول

الإثنين 23 مايو 2016 12:57 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"ينبغي علينا أن نتعلم من الطفلة بتول" ..بيير كرهينبول



من ساحة أرض المعركة في الشرق الأوسط تخرج إلينا قصصا مثالية من الشجاعة والتصميم ينبغي علينا جميعا أن نستمع إليها وأن نتعلم منها.

لم تعرف بتول، وهي لاجئة من فلسطين تبلغ من العمر 14 عاما، سوى النزاع والحروب في أغلب سنين عمرها. وخلال هروبها مع عائلتها من سورية، قتل والده وشقيقها. وعندما التقيت بها في مخيم عين الحلوة في لبنان كانت الكلكات تعجز عن وصف التأثر الذي أحسست به. فعلى الرغم من الصدمة التي مرت بها، إلا أنها كانت الطالبة الأعلى تحصيلا في مدرستها. ومن رحم المأساة التي تعيشها، فقد حافظت بتول على كرامتها واستمدت الطاقة من اليأس. وهي تعبر عن هذا بالقول: "إن التعليم هو من يمدني بالأمل".

تجسد بتول القيمة العميقة التي يوليها الفلسطينيون للتعليم ولتنمية المهارات، بالرغم من كافة الصعاب في كثير من الأحيان، وسعيهم من أجل إعادة البناء بعد الخسارة الفادحة.

وفي الوقت الذي تبدأ فيه أعمال القمة الإنسانية العالمية في إسطنبول، فإن هتالك العديد من الدروس التي يمكن للقادة وللمشاركين أن يستخلصوها من قصة بتول. وليس هنالك قصة أكثر أهمية من منح فرصة جديدة للحياة لعمل سياسي يهدف إلى حل النزاعات المسلحة. وما من شيء باستطاعته أن يحدث فرقا عظيما لبتول وللاجئي فلسطين – ناهيك عن الملايين من المدنيين الآخرين – أكثر من إيجاد حلول سياسية لإنهاء محنتهم.

كما أن تجربة بتول تسلط الضوء على القيمة الكبيرة للاستثمار في الإنسانية. وستعمل القمة على التأكيد على أهمية عدم نسيان أي شخص، وهي مع ذلك ستبذل كل جهد لضمان أن كافة الأطفال يعلمون جيدا حقهم في التعليم، حتى في حالات النزاع والأزمات.

وبوصفنا عاملون على أرض الواقع، فإننا ندرك تماما جسامة التحديات. إن الأونروا تقدم التعليم لما مجموعه 500,000 صبي وفتاة فلسطينيين في 692 مدرسة في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، والأردن ولبنان وسورية. إن قصة بتول هي أيضا قصة الخبراء والمعلمين ومديري المدارس الذين يقفون عند الخطوط الأمامية لتوفير التعليم الذي تقدره بتول.

وإنني أكن الاحترام العميق لتصميمهم وتفانيهم. إنهم يعملون في بعض من أكثر البيئات المفعمة بالتحديات والتي يمكن للمرء أن يتخيلها، وقد فقدنا في الأونروا العديد من الزملاء في السنوات الماضية: فلقد خسرنا 16 زميلا لنا في سورية منذ بدء النزاع فيما لا يزال 28 زميلا آخر لنا في عداد المفقودين. وفقدنا أيضا أحد عشر موظفا في غزة خلال حرب عام 2014.

وفي قمة إسطنبول، ستقوم الأونروا بإطلاق تقرير جديد يتضمن مخرجات تدعو للقلق البالغ. إن دراستنا المعنونة "المدارس عند خطوط المواجهة" تظهر أن 44% من مدارس الأونروا البالغ عددها 692 مدرسة في مختلف مناطق الشرق الأوسط – أي ما يعني 302 مدرسة – قد تأثرت بشكل مباشر جراء النزاع والعنف في السنوات الخمس الماضية.

وفي سورية، فإن ما لا يقل عن 70% من مدارس الأونروا البالغ عددها 118 مدرسة قد أصبحت غير قابلة للعمل في مرحلة ما من مراحل الحرب، إما لأنها قد تأثرت جراء العنف أو لأننا قمنا باستخدامها كمراكز لإيواء النازحين.

وبدرجة متساوية، فإن تقريرنا قاتم حيال أثر النزاع على مدارس الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث أن هنالك 83 مبنى مدرسي تابع للأونروا قد أصيب بأضرار خلال النزاع في غزة في عام 2014. كما أن 90 مبنى مدرسي تابع للأونروا قد تم استخدامهم كمراكز طوارئ مخصصة لإيواء ما يقارب من 300,000 فلسطيني مشرد اشتملوا على ما لا يقل عن 150,000 طفل. كما أن ستة من تلك المباني المدرسية قد أصيبت بقذائف مدفعية أو بغيرها من الذخائر تسببت في ثلاث حالات بوقوع قتلى وإصابات. وعلاوة على ذلك فقد قامت الجماعات المسلحة بوضع قطع أسلحة في ثلاث مدارس أخرى.

وفي الضفة الغربية، فإن تقديم الأونروا للخدمات التعليمية بعد ما يقارب من نصف قرن من الاحتلال الإسرائيلي قد أصبح يواجه تحديات متزايدة في سياق اتسم بعمليات لقوى الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك الاستخدام المتكرر لقنابل الغاز وتأخير الطلبة على نقاط التفتيش وعمليات إغلاق المدارس. وقد تفاقم هذا الوضع مع تصاعد وتيرة العنف منذ تشرين الأول الماضي. وإنني أضم صوتي إلى صوت الأمين العام بالتنديد بعمليات الهجوم على المدنيين.

أما بالنسبة للبنان، فإن الاندلاع الدوري لأعمال العنف قد أجبر 36 مدرسة تابعة للأونروا على تعليق الحصص الدراسية لفترة وصلت إلى أسبوع كامل في مناسبات مختلفة. إن أكثر من 50% من كافة مدارسنا في البلاد قد تأثرت في مناسبة أو أخرى.

ومع ذلك، فإننا لا نزال مصممين. وخلال رحلتي التي قمت بها إلى سورية قبل عشرة أيام، التقيت بطلبة وهم يغادرون منطقة اليرموك المدمرة من أجل تقديم امتحاناتهم الوطنية. كما قمت أيضا بزيارة مدرسة نعكف على إعادة بنائها في حي السيدة زينب المجاور. وبشكل مشابه كثيرا عما هو حال بتول، فإننا ببساطة لا نستسلم.

وفي سورية، فإننا لا نزال قادرين على تقديم حصص يومية لحوالي 45,000 طالب وطالبة، العديد منهم يحققون نتائج أعلى من المعدلات الوطنية. ومن خلال برنامجنا المبتكر "التعليم في حالات الطوارئ"، فإننا نقوم بإعطاء الحصص الدراسية لأكثر من 50,000 طفل في سورية ولبنان والأردن من خلال بث تلفزيون الأونروا ووحدات التعليم عن بعد التفاعلية.

أما في غزة، فإن غالبية مدارسنا التي تقدم التعليم لربع مليون طفل قد أعيد افتتاحها خلال أسابيع من انتهاء حرب عام 2014. وكما هو الحال في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية، فإن المئات من المرشدين النفسيين الاجتماعيين المدربين خصيصا يعملون مع الأطفال الذين تعرضوا لصدمات عنيفة بهدف التعافي والمضي قدما في حياتهم.

وخلال القمة، سنقوم بتسليط الضوء على استثمار الأونروا الرئيس في الكرامة والتنمية البشرية وتحقيق قدر من الاستقرار للاجئي فلسطين الذين يمثلون 40% من اللاجئين الذين طال أمد لجوئهم في العالم.

إن العمل التنموي والمساعدات الطارئة، واللذان من المتوقع أن يكونا موضوعا كبيرا خلال القمة، يعيشان جنبا إلى جنب تحت سقف واحد في الأونروا. لقد أصبح معلمونا مدراء ملاجئ خلال أوقات الأزمات ثم عادوا في وقت لاحق لممارسة عملهم كمعلمين. إن دمج الإغاثة والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم يتيح للأونروا أن تنظر إلى بتول الصغيرة ليس كضحية لغياب العدل والعنف بل كلاعب أساسي في تقرير مصيرها ولديها إسهامات لتقدمها في الحياة.

وخلال القمة، سننضم إلى مبادرات مثل مبادرة "الصفقة الكبرى" حول التمويل الإنساني بين الجهات الإنسانية الفاعلة والمانحين وذلك ضمن جهد جماعي للعمل سويا وبشكل أكثر فاعلية وفعالية ولتعميق قاعدة الموارد للعمل الإنساني، بما في ذلك من أجل لاجئي فلسطين. إن هنالك ضرورة لأن يتم حشد السبل من أجل صون وتحسين استثماراتها في التعليم لمئات الآلاف من أطفال لاجئي فلسطين. إن مستقبلهم وإنسانيتهم هي التي على المحك هنا، وكما عمل تقرير الأمين العام على تذكيرنا به، فإنه ليس هنالك سوى إنسانية واحدة

لقد كانت بتول شجاعة لأن تعمل؛ ويجب علينا أن نعمل بتصميم مساو لمساعدتها ومساعدة مئات الآلاف من طلبة الأونروا على تحقيق الحلم الذي يعملون بجد من أجل المحافظة على بقائه حيا.

المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"