خبر : ابتسام عازم تكشف ما وراء «اختفاء» الفلسطينيين وحـكـايـات الجـدة اليـافـاويـة وأســمـاء الـشـوارع !

السبت 23 يناير 2016 08:37 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ابتسام عازم تكشف ما وراء «اختفاء» الفلسطينيين وحـكـايـات الجـدة اليـافـاويـة وأســمـاء الـشـوارع !



رام اللهسماعبّرت الروائية الفلسطينية ابتسام عازم عن سعادتها الغامرة في أول استضافة لها في بلدها فلسطين، في تلك الأمسية التي أدارتها الزميلة بديعة زيدان، حول مجمل تجربتها الروائية والإبداعية، مع تسليط الضوء على روايتها الأحدث والأشهر "سفر الاختفاء" الصادرة عن منشورات الجمل، في حديث كان أشبه إلى البوح، احتضنه متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء السبت الماضي، هي التي سبق استضافتها حول ذات التجربة في العديد من مدن وعواصم العالم.
وبعد أن عرفت بها وتحدثت عن روايتيها "سارق النوم: غريب حيفاوي"، و"سر الاختفاء" باقتضاب إلى حد ما، أجابت عازم عن انشغالها بوجع غربة الفلسطيني في الأراضي المحتلة العام 1948 داخل وطنه، بقولها: عند الحديث عن الفلسطينيين في الداخل، فإننا نتحدث عن أناس يعيشون تحت استعمار استيطاني يتواصل منذ أكثر من مائة عام، يواصل العمل خلالها على تغيير ملامح التاريخ والجغرافيا والهوية وكل شيء ... عندما كنت أعيش في طيبة المثلث، كانت "ستّي" اليافاوية التي تهجرت داخل الأراضي المحتلة العام 1948 تحدثني عن عالم لم أكن أراه، عن يافا التي لا أعرفها، بسبب الاستيلاء عليها، وتغيير الكثير الكثير من ملامحها التي لم تكن تفارق مخيلة جدتي وذاكرتها، في محاولة للسيطرة على ذاكرتنا .. هذه الغربة كنت أشعر بها وأنا في طيبة المثلث، وحين عشت في القدس لثلاثة أعوام، قبل الانتقال إلى ألمانيا للدراسة والعمل.
وحول إذا ما كانت جدتها هي ذاتها جدة "علاء" الشخصية المحورية في رواية "سفر الاختفاء"، اعترفت عازم: هناك أشياء مأخوذة منها بطبيعة الحال، وأخرى مؤسسة على شخصيتها، وهناك ما هو مبني في شخصيتها وحكاياتها على حكايات يافاويات ويافاويين بقوا في يافا ما بعد احتلالها، وبالتالي هي خليط ما بين هذا وذاك، وما بين هو متخيّل أيضاً.
وبخصوص ذلك التشابه ما بين شخصيتي "علاء" في "سفر الاختفاء"، و"غريب" في "سارق النوم: غريب حيفاوي"، وإذا ما كان يمكن اعتبار الثانية جزءاً مكمّلاً للأولى، أجابت: أعتقد أنه وبمجرد الانتهاء من أي عمل إبداعي، تنتهي علاقة مبدعه فيه إلى درجة كبيرة، ويصبح ملكاً للجمهور أو المتلقي، لكني لا أرى أن هذا التوصيف قد يكون دقيقاً بشكل كامل ... نعم، هناك تقاطعات في العديد من الأمور، سواء بالشخوص أو غيرها من عناصر الرواية، لكن هناك أيضاً اختلافات، فأنا أرى أن "سفر الاختفاء" تبرز بشكل أوضح، بل وتفضح مدينة تل أبيب، تلك المدينة الكاذبة المبنية على تدمير شعب كامل في مختلف الاتجاهات.

أسماء الشوارع
وحول انشغالها بتغيير أسماء الشوارع، التي وردت في الروايتين، وعلى لسان الجدة اليافاوية في "سفر الاختفاء"، شددت عازم على أنها حين كانت في المدرسة، كانت ممنوعة كطالبة في مدرسة تعتمد المناهج الإسرائيلية من التعرف أو دراسة تاريخ فلسطين، لكني كنت أستقي تاريخ فلسطين من جدتي التي هي بالأصل من "حي المنشية" في يافا، الذي هدمت أجزاء كبيرة منه .. هي بقيت، لكن أقاربها وأصدقاءها وجيرانها تهجر غالبيتهم إلى الضفة الغربية والأردن، وكثير من أهل يافا تهجروا إلى قطاع غزة .. كانت تحدثني عن تاريخ فلسطين غير المتاح في المدارس، الذي يتطلب منا النجاح في مادة التاريخ أن نجيب في الاختبارات بما يتنافى مع قناعاتنا وروايتنا .. كم هو أمر مؤلم أن تتحدث عما يصفونه بـ"أرض الميعاد" لتضمن النجاح في المدرسة، كونه جزءا من المنهاج المفروض على الطلاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948، وهذا يخلق نوعاً من الهوس.
وتابعت: أتذكر أن جدتي، وقبل وفاتها قبل خمس إلى ست سنوات، وكانت حينها في منتصف الثمانينيات من عمرها، ولكن ذاكرتها كانت لا تزال شابة ومتقدة، وخلال جولة مشتركة في يافا، وبالتحديد إلى حي "المنشية"، وبدأت تشرح لي: هنا كان بيت فلان، وهناك بيت علان، وهنا كان الشارع هذا، وهناك الشارع ذاك، وسكان المنزل الذي كان في هذا المكان هاجروا إلى الأردن، أما سكان ذاك المنزل الذي كان في ذاك المكان فهاجروا إلى لبنان .. كانت أسماء الشوارع في ذاكرتها غير تلك التي باتت تحمل أسماء ورموزاً إسرائيلية .. أدركت وقتها أن ثمة خريطتين واحدة داخلنا نعيشها ونعايشها، وواحدة على أرض الواقع خطها المستعمر، وتحمل بعض أسماء شوارعها أسماء من قتلوا وذبحوا وهجّروا آلاف الفلسطينيين، وهم بالنسبة للمستعمر "أبطالاً" !
تقنيات وحكاية "اختفاء الفلسطينيين"
وبخصوص اعتمادها تقنية الفصول في روايتيها، وإذا ما كان هذا نابعا من كونها كتبت القصة القصيرة قبل الرواية، أو لغيرها من الأسباب، أجابت صاحبة "سر الاختفاء" محاورتها: اتفق وأختلف معك، صحيح أن في الروايتين فصولاً مغلقة، لكني أعتقد أن هناك اختلافا حتى في توظيف تقنية الفصول ما بين الروايتين .. في "سارق النوم" كنت أقل نضوجاً من الناحية الإبداعية، وكي أتمكن من الخروج برواية، والرواية تحتاج إلى نفس طويل بطبيعة الحال، اتكأت على تقنية الفصول المغلقة، بمعنى عشرة فصول قصيرة كل فصل يروي حكاية وينهيها، ولكنها في ذات الوقت مرتبطة عبر غريب الشخصية المحورية فيها، والذي يروي حكايات كثيرة حصلت معه، في إطار الحديث عن الهجرة داخل الأراضي المحتلة العام 1948، من مدينة إلى أخرى، أو من مدينة إلى بلدة، أو من بلدة إلى أخرى، وهكذا، لكن الأمر مغاير في "سفر الاختفاء" فالفصول المغلقة اقتصرت على الحديث عن جزئيات معينة في مرحلة ما بعد اختفاء الفلسطينيين، في حين اعتمد على رواة ثلاثة وفصول غير مغلقة بالأساس، مع قناعتي بأن تقنية الفصول فيها راحة للكاتب والقارئ.
وحول فكرة "اختفاء الفلسطينيين"، أضافت عازم: هناك العديد من الجذور التي أفضت إلى هذه الفكرة، فحين كنت أدرس في الجامعة العبرية مررت بالعديد من المواقف التي كان يتحدث فيها الإسرائيلي عن الفلسطيني في فلسطين المحتلة العام 1948 وكأننا غير موجودين لنتحدث عن أنفسنا، وكنت أفكر بأننا هل بالفعل نحن غير مرئيين بالنسبة لهم، كما كنت أتساءل على الدوام عن الدوافع التي يتجاهل فيها سكان بيوتنا التي هجرنا منها عنوة وجود سكان أصليين لهذه المنازل، وإذا ما كانوا لا يرونهم أساساً، أو لا يريدون ذلك، ومن الأمور التي أوحت لي بذلك استضافة لرئيس بلدية القدس الإسرائيلية في لندن أو نيويورك، وحديثه عن القدس والخدمات التي يقدمونها لأهلها، متجاهلاً وجود الفلسطينيين فيها، واصفاً إياهم بالإرهابيين، وكذلك تصريحات رابين عن أمنيته بأن يتبلع البحر غزة، وغير ذلك، ففكرت بكتابة مقال، لكني قررت أخيراً أن أعبر عن الفكرة في رواية، فكانت رواية "سفر الاختفاء".

العمل الأول
وبخصوص العمل الأول، ومدى رضاها عنه، وما إذا كانت توافق على اعتبار العمل الأول شماعة مبررة لشيء ما من الإخفاق، أجابت عازم: بشكل عام أنا راضية عن عملي الأول، وبالنسبة لي تنقطع علاقتي بأي عمل بعد نشره، إلا إذا اضطررت إلى ذلك عند ترجمة هذا العمل أو أجزاء منه، وفي العودة إلى العمل ما هو جميل، وما هو غير ذلك .. حتى في الكتابة الصحافية، وبعد مرور الوقت، يمكن للكاتب أن يدقق "لو أنني فعلت هذا هنا، أو لو أنني لم أفعل"، وهذا ينطبق على العمل الإبداعي عموماً، فالإبداع عمل مستمر ومتطور.
وحول أهمية الترجمة، قالت صاحبة "سارق النوم": للأسف غالباً ما ينجذب كبار المترجمين أو أصحاب دور النشر الأجنبية، إلى من يعيد تكرار أو ترسيخ الآراء المسبقة حولنا في قضايا معينة، حول قضايا المرأة، أو ما تسمى الأقليات، وغيرها .. أرى أن كل مبدع يسعى للانتشار، وأن الترجمة هي وسيلة مثلى ومهمة لذلك، ولكني لست مستعدة للحصول على هذا الانتشار بأي ثمن .. ما يهمني أن أكتب دون تدقيق، ودون رقابة داخلية، وكأنني أكتب عملاً لن يقرأه أحد، ولن يرى نصيبه من النشر، وهذا حصل في "سارق النوم"، التي نشرتها دون أن أخبر أيا من عائلتي التي أحبها كثيراً، خشية أن يؤول البعض أن هذا أو ذاك هو واحد منهم .. أكتب دون أن أفكر بالمتلقي، أو بالمترجم، ولو لم أكن كذلك لكتبت بالإنكليزية أو الألمانية.

الجوائز
وحول ظاهرة الجوائز العربية للأدب عامة، وللرواية على وجه الخصوص، أجابت عازم: عامة، من المهم عدم تقييم أي مبدع أو أي إبداعات بناء على حصوله أو حصولها على الجوائز، التي تمكن أهميتها في تسليط الضوء على إبداعات البعض، لكن في مختلف صنوف الفنون والأدب، هناك من استحق الجوائز التي حصلت عليها، وهناك من لم يستحقها، لكن المشكلة هي في الأوساط الإعلامية المنشغلة بالثقافة، والتي تسلط الضوء على الأعمال التي تحصل على جوائز محلية أو إقليمية أو دولية وعلى أصحابها دون غير من الإبداعات التي هي في الكثير منها إبداعات حقيقية، والسؤال هنا يكمن في البحث عن طريقة ما للفت أنظار هؤلاء بتعريف الجمهور بإبداعات لم تجد لها متسعاً في قوائم هذه الجوائز الطويلة أو القصيرة.

في المنزل
وفي اختتام الأمسية التي تواصلت لأكثر من ساعة، تفاعلت فيها المتحاورتان بشكل حميم، وكذلك الجمهور، وقبل توقيع ابتسام عازم على روايتيها لمعجبيها، أجابت على سؤال للزميلة بديعة زيدان، حول علاقتها داخل المنزل بزوجها الروائي سنان أنطون، وإذا ما كان يستفزها أن يشار إليها بأنها زوجته، فقالت: لو سنان هو من يجلس مكاني لربما لم يشر أي أحد إلى أنه زوج ابتسام عازم، وبالتالي ما يستفزني هو نسبة المرأة لزوجها إذا ما كانا يعملان في المجال خاصة، وبصرف النظر عن طغيان شهرة أحدهما على الآخر ... بعض الأزواج ممن يعملون في ذات المجال يعانون كثيراً في علاقتهم الزوجية لاختلاف نظرتهم وتوجهاتهم نحو الأمور، لكن العلاقة بيننا متميزة، فرغم اختلاف طريقة الكتابة لكل منا، وكذلك عوالمنا أنا كصحافية وهو كأستاذ جامعي، لكن نظرتنا إلى الأمور متشابهة، وحتى في تقييمنا للنصوص الإبداعية هناك تشابه كبير في أغلب الأحيان، وهذا يخلق أساساً متيناً للحوار ولعلاقة ذات ديمومة وغنى وجمالاً.