خبر : عن النظام السياسي الفلسطيني... وحديث المأزق ... صادق الشافعي

السبت 12 ديسمبر 2015 04:37 م / بتوقيت القدس +2GMT



المقصود بتعبير النظام السياسي الفلسطيني هو المجموع المكوّن من منظمة التحرير الفلسطينية وكل ما ينبثق نظامياً وقانونياً عنها: مجلس مركزي وسلطة وطنية واتحادات نقابية وشعبية، إضافة الى كل التنظيمات السياسية الفلسطينية.
يكثر الحديث من جهات وشخصيات متعددة ومختلفة المنابع والاتجاهات ان النظام السياسي الفلسطيني في مأزق. بعض هذا الحديث جدي وموضوعي بغض النظر عن مدى دقته وصحته، وبعضه عفوي يصدر عن رد فعل على أحداث او مواقف وممارسات معينة، ولكن هناك بعضا ثالثا يصدر حكمُه عن هوى وقصد سياسي.
دون التوقف أمام دقة الوصف، ودون تبني تعبير المأزق، فان النظام السياسي الفلسطيني يتسم بعدد من السمات الأساسية على درجة كبيرة من التأثير المتبادل، نعرض لأربعة منها.
السمة الأولى، ان هذا النظام بكل مكوناته، وبغض النظر عن فروقات محدودة، يعيش ومنذ سنوات، حالة شيخوخة.
ان حالة الشيخوخة هنا تعني أولا وبالدرجة الأولى المؤسسات والهيئات والبرامج واللوائح والنظم الداخلية وطرائق العمل.
ولا يعني هذا القول أي شخصنة، ولا يعني الانتقاص من التقدير والاحترام لدور ونضالات من تقدم بهم السن.
السمة الثانية، هي ضعف حيوية الحياة الداخلية الديمقراطية في النظام.
وهذه السمة لا تقتصر على غياب الانتخابات العامة لأهم مؤسسات النظام السياسي الرسمية ( المجلس الوطني، المجلس التشريعي.....). وفي هذا الغياب تعدٍ على حق المواطن بانتخاب هيئاته القيادية، وإقرار البرامج والسياسات والتشريعات والقوانين والمراقبة عبر من ينتخبهم.
هذه السمة تتعلق أيضا بالتنظيمات السياسية، فإلى جانب التأخر الطويل في عقد مؤتمراتها الوطنية دون مبرر حقيقي في معظم الحالات، فان هذه المؤتمرات لا تحدث التغيير والتجديد المطلوبين والضروريين في هيئات التنظيم القيادية وبرامجه.
ينتج عن هذا الأمر وينسجم معه ضعف في حيوية الحياة الداخلية والجدل الداخلي في التنظيم وغياب الى درجة كبيرة المنابر والأُطر المنظمة اللازمة لهما. وينتج عنه أيضا، ضعف في الهيئات الوسيطة والكادرية لصالح مركزية الهيئة القيادية الأولى.
وتتعلق هذه السمة ايضا، بوضع الاتحادات النقابية والشعبية، وتتجاوز الضعف الى حالة من الموت السريري يقترب من انعدام الوجود وانتفاء الدور، ودونما اي سبب مبرر ومقنع باي شكل ومستوى.( الاستثناء المشكور يأتي من مجالس الطلبة في الجامعات والمعاهد التي تواصل التزامها بانتخابات دورية وديمقراطية).
السمتان الأولى والثانية، كان لا بد ان تؤديا الى أمرين هامين ومتلازمين:
الأول، هو غياب التجديد والتغيير بالشكل الكافي والضروري في مجمل النظام السياسي الفلسطيني. فالى جانب ان التجديد والتغيير سنة من سنن الحياة واستمرارها وتقدمها، فان غيابهما لا بد ان يترك تأثيرات شديدة السلبية على كل مناحي النضال والتعبئة والقيادة السياسية والتنظيمية والإدارة.
اما الثاني، فهو البعد عن الجماهير وتلمس نبضها ومشاعرها والتجاوب مع اتجاه حركتها الرئيسية ومع مطالبها، بل والتعدي على بعض حقوقها.
وبالنسبة للتنظيمات السياسية بالتحديد، فان السمتين قادتا الى ضعف حضور معظمها لدى الجماهير وتراجع كبير في نفوذها لديهم. وكانت المبرر وراء تقاعد نسبة عالية من الكادر صاحب التجربة والإمكانيات فيها وهجرته الى الوظيفة العامة، وفي الغالب الى المنظمات غير الحكومية.
وبالنتيجة اقتصر دور معظمها، في إطار الجدل داخل النظام السياسي الفلسطيني تحديدا، اما على التأكيد على ضرورة ان تقوم السلطة بكذا وكذا، او نقدها لأنها تقاعست عن القيام بكذا وكذا، او إدانتها على تفردها او على اتخاذها هذا الموقف او قيامها بتلك الممارسة، دون التفات الى دواخلها وحجم ونسبة مسؤوليتها في الوصول الى الحال الذي يستدعي التأكيد والنقد والإدانة.
السمة الثالثة، هي غياب البرنامج الوطني الشامل الذي يجمع الكل الفلسطيني تحت رايته.
لقد طال الزمن كثيرا على البرنامج الذي تم إقراره قبل سنوات طويلة دون إدخال اية تعديلات عليه تجعله قابلا للاستجابة الى المتغيرات الكثيرة التي حصلت سواء تلك المتعلقة بالوضع والنضال الوطني الفلسطيني، أوالمتعلقة بالأوضاع في دولة العدو، او بالأوضاع العربية والإقليمية والدولية.
ليس ما يعيق إقرار برنامج جديد يقتصر فقط على عدم انعقاد المجلس الوطني لحوالي عشرين سنة، وإنما أيضا وأساسا لعدم القدرة على الاتفاق على محتواه وبنوده نتيجة الخلافات التي تعمقت في السنوات الأخيرة، وربما بنتيجة تكرس طموحات سلطوية انقسامية لدى البعض.
أما السمة الرابعة، فتبقى الانقسام اللعين الذي تتعمق جذوره في ارض الوطن وأهله، ويتخذ في كل يوم تعبيرا جديدا اكثر فظاظة وأذى، وكأنه يستطيل ويستعصي على الحل بانتظار الوقت والظرف المناسبين ليتحول الى انقسام كياني كارثي.
ان السمات المذكورة وغيرها تفعل فعلها في النظام الفلسطيني في ظل ظرف موضوعي شديد التعقيد والصعوبة على كل المستويات. عنصرا هذا الوضع الأساسيان:
وضع عربي وإقليمي ودولي مستغرق بكليته في الحرب مع الإرهاب، ودرجة عالية من الانسجام والتوافق بين حكومة دولة الاحتلال وأجهزتها مع أغلبية حاسمة من مجتمعها وقواه السياسية والمجتمعية على مشروع متوحش احتلالي استيطاني عنصري يستعجل الاستفادة من الظرف الموضوعي المذكور لتحقيق اكبر وأوسع مكتسبات على ارض الواقع لتثبيت احتلاله ودفن حل الدولتين نهائيا وإسراع السير باتجاه دولة التمييز العنصري.
كان المفروض والمطلوب أن يدفع هذا الظرف الموضوعي النظام السياسي الفلسطيني باتجاه الخروج من الحال الذي يوصف بالمأزق وتعزيز وتقوية الوضع الداخلي الفلسطيني ورفع درجة الاعتماد على الذات وتماسكها.
ولا يزال هذا المفرض المطلوب قائما، فمن سيحمل راية المبادرة الى تحقيقه؟