خبر : الفلسطينيون: الدولة والدولتان! ...د.أحمد جميل عزم

الجمعة 27 نوفمبر 2015 05:03 م / بتوقيت القدس +2GMT





استمعت هذا الأسبوع، من دون تخطيط، إلى محاضرة في رام الله عن فكرة "الوطن الواحد" أو الدولة الواحدة التي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين. كما حضرت، من دون تخطيط أيضاً، نقاشات لمجموعات تعمل على تجميع طاقات، وحشد أفكار، ونشر كتب تدعم فكرة الدولة الواحدة في فلسطين، والتي تجمع اليهود والعرب الفلسطينيين. وهو نقاش برأيي يحتاج تمهلا، من زاوية؛ هل هذا هو وقت النقاش؟ ليس فقط حول حل الدولة، بل وأيضا حول حل الدولتين.
باعتقادي أنّه حتى مجرد النقاش لا معنى عمليا له الآن؛ لأنّه ببساطة يكاد لا يكون هناك جهة تمتلك الشرعية حاليا لاتخاذ القرار بشأن ما يريده الشعب الفلسطيني. وبالتالي، فإن أهمية أي نقاش هي نظرية.
تم اعتماد حل الدولتين، بقرارات مجالس وطنية فلسطينية. ومن اعترض على تقسيم فلسطين، كان اعتراضه من باب أنّه لا يجوز حتى للأغلبية أن تقرر مثل هذا القرار، وأنّ وحدانية الأرض الفلسطينية موضوع يسمو على الديمقراطية ورأي الأغلبية.
الآن، هناك رأي متزايد من قوى مختلفة عالميا، بما في ذلك شخصيات في الإدارة الأميركية، عبرت عن رأيها مؤخرا، بأنّ واقع الاستيطان يجعل حل الدولتين صعباً أو متعذرا، وتحذير بأنّ حل الدولة الواحدة يقضي على الفكرة الصهيونية واليهودية.
من ناحية المبدأ، لا يمكن تخوين أو رفض من ينادي بحل الدولة الواحدة. فإذا كان من قال بحل الدولتين، والاكتفاء بـ22 % من أرض فلسطين فضلا عن حق العودة، لم يجر تخوينه، إلا في نطاقات محدودة للغاية، فلا يمكن أن يخوّن أو يرفض كلياً من يقول بالدولة الواحدة. بل حتى من يقول بتحرير كل فلسطين هو في النهاية يدعو لدولة واحدة. ولا يوجد تقريباً أي قوة فلسطينية كبيرة تدعو لطرد اليهود أو التخلص منهم، ويصبح الجدل هو بشأن اسم الدولة، وطبيعة نظامها، وتفاصيل أخرى.
هناك مشكلتان في نقاش موضوع الدولة الواحدة حالياً. الأولى، مشكلة تواجه حتى نقاش حل الدولتين، مع الحديث المتزايد عن أن حل الدولتين يصبح متعذرا بسبب السياسات الإسرائيلية، لا يصبح شرعيا إلا إعادة اجتماع الممثل الشرعي والوحيد وتقرير ماذا سيحدث لاحقاً. وبالتالي يصبح مقبولا الحديث عن حل الدولة أو ما شابه، وغيرها من الحلول، كجزء من تمرين أكاديمي، وكجزء من نقاش مجتمعي، يتعلق بأمر مستقبلي. أمّا حاليا، فإن ترميم الحركة السياسية الفلسطينية، ومؤسساتها وهيئاتها التمثيلية، وصيانة آليات التعبير عن الرأي وعن الموقف بالنسبة للفلسطينيين، ولرأيهم العام، هو الأولوية التي لا يمكن تجاوزها.
مشكلة ثانية قد تعترض فكرة الدولة الواحدة في بعض طروحاتها، هي أنّ يأتي تداول الفكرة ليس من قبل البنى الفوقية للمجتمع، أي البنى السياسية الرسمية والقيادية، ولكن من خلال حركة ميدانية، تبدأ من القاعدة إلى الأعلى، أي على أساس "نضال" يهودي-عربي موحد، وإن بأطر منفصلة أحياناً، كاقتراح قيام كتل انتخابية بخوض انتخابات الكنيست بالدعوة لهذه الفكرة، بل ويدافع من يطرح هذه الفكرة عنها، بالقول إنّ مناداة غالبية القوى السياسية في الأراضي المحتلة العام 1948 بفكرة تحول "إسرائيل" من دولة صهيونية إلى دولة لكل مواطنيها، بدل الحديث عن "دولة يهودية"، هو تجسيد لفكر الدولة الواحدة، والنضال المشترك مع "إسرائيليين يهود" لهذا الهدف أمر بديهي، مقابل ذلك قد يتحرك أناس في الضفة الغربية للهدف ذاته. الواقع أنّ هناك محذورا في مثل هذه الفكرة، قوامه الانجرار للتطبيع، وأن يتم مثلا تقسيم الهدف النهائي للدولة غير الصهيونية، لبرامج عمل مشتركة يهودية-عربية، تتحول لنوع من التعايش والتطبيع قبل الحسم السياسي، والحديث عن عدم التمييز في كل مجال على حدة، مثل الاقتصاد والسياسة وغيرها.
إنّ الفراغ السياسي الراهن، وعدم وجود مشروع سياسي عملي يفتح الباب لكل أنواع المشاريع والأفكار، التي لا يوجد أي مبرر للحجر عليها، طالما تنبع من القلق الحقيقي على المستقبل الفلسطيني. ولكن ربما تكون الأولوية الحقيقية هي ترميم مؤسسات القرار الفلسطيني، لتناقش كل الأفكار، وتتخذ ما يريده الشعب حينها، وإن كانت فكرة أن التنازل عن أي جزء من فلسطين أمر لا يحق حتى للأغلبية التقرير به، فكرة تستحق التأمل.
عن الغد الاردنية