خبر : القلب طوق النجاة وسبب الوفاة

الإثنين 23 نوفمبر 2015 10:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
القلب طوق النجاة وسبب الوفاة



رام الله / سما / عند زيارة الطبيب، أول خطوات الفحص هي وضع السماعة على الصدر والظهر للاستماع إلى ضربات القلب، بعدها يبدأ وضع الاحتمالات، فالقلب يقع على قمة الأعضاء التي تخبر الطبيب عن العلة ومكانها وطبيعتها، وهو أول الأعضاء التي تحتاج إلى الفحص للوقوف على حالة المريض بصرف النظر عن شكواه.

وعلى الرغم من تطور العلم الحديث وأدوات الطب بما يكفي لفهم المنظومة الجسدية على الأقل بصورة مبدئية، إلا أن بعض أجهزة الجسم لا تزال تثير حيرة العلماء وإعجابهم في الوقت نفسه، ومن بينها القلب، فهم يرون فيه مضخة صغيرة الحجم عملاقة الأثر تعمل بلا توقف وبلا راحة لمدد تتراوح من لحظات قصيرة إلى ما يزيد على مئة عام، لا يحتاج إلى أي نوع من الصيانة إلا إذا أهمل صاحبه في رعايته، ولا يحتاج إلى إجراءات علاجية إلا إذا أساء صاحبه استغلاله.

يقع القلب في منتصف القفص الصدري للجسم، يميل قليلاً إلى جهة اليسار، حجمه لا يزيد على قبضة اليد الواحدة عند إحكام إغلاقها، يتسم نسيجه بالقوة والعضلية، يتغذى بالدم عن طريق شريان رئيسي ومجموعة من الشرايين الفرعية، يتكون من أربع غرف مستقلة تتصل كل غرفتين ببعضهما عن طريق صمام يفتح من غرفة إلى أخرى ليسمح بمرور الدم في اتجاه واحد ولا يسمح بعودته، يطلق على الغرفة العلوية «أذين» والسفلية «بطين» ويحتوي القلب على أذين أيمن وآخر أيسر وكذلك بطينين أحدهما أيمن والآخر أيسر.

يتربع القلب على عرش الأجهزة ذات الوظائف السيادية في الجسم، فلا يستطيع أحد الأعضاء أن يحل محله وظيفياً، حيث يقوم بضخ الدم النقي إلى سائر الأعضاء طوال الوقت، مستخدماً الشرايين، فيما يعرف بالدورة الدموية الكبرى، كما يتفرد بجمع الدم غير النقي من خلال الأوردة ويقوم بإرسالها إلى الرئتين للتنقية وحمل الأوكسجين، فيما يعرف بالدورة الدموية الصغرى.

من أهم غرائب القلب قدرته على التكيف في حال إصابة الشرايين التي تغذيه بأي عطب أو انسداد، فمن الطبيعي أن يتغذى من خلال 6 فروع للشرايين، أما في حالة انسداد 5 منها فإن القلب يقوم كذلك بوظيفته، صحيح أنه يتأثر نسبياً، ولكنه لا يتوقف عن الخفقان إلا في حالة الانسداد الشرياني التام لكل الفروع، أو في حالة صدور أمر عصبي من المخ يتعلق بذلك نتيجة إصابة في الدماغ أو نزف يسبب صدمة عصبية.

أطلق كثر على القلب مصطلحات تشير إلى دوره العاطفي، بينما تؤكد كل الدراسات على اختلاف ذلك الدور عما يتصور العامة وأصحاب الحس المرهف، فالقلب ينبض بقوة عند المواقف العاطفية نتيجة تدفق الأدرينالين من الغدة فوق الكلوية (الغدة الكظرية) وانطلاقه في مجرى الدم، وهي ليست الحالة الوحيدة التي يخفق فيها بقوة، هناك 3 حالات يتكرر فيها ذلك، فعلاوة على المواقف العاطفية يخفق القلب عند الخوف وعند الغضب لنفس السبب السابق، ولا علاقة له باختيار الشريك أو تدفق العواطف أو مشاعر الكراهية أو المواقف السلوكية الغريزية.

يطلق على الغرفة العلوية من جهة اليسار الأذين الأيسر، ودورها استقبال الدم النقي المقبل من الرئتين وضخه إلى البطين اليسر الذي يقع أسفل الأذين الأيسر تماماً، ويقوم الصمام الذي يقع بين الغرفتين بمنع عودة الدم في الاتجاه المعاكس، وعند وصول الدم النقي إلى البطين يقوم بضخه إلى أعضاء الجسم المختلفة عبر شريان رئيسي يسمى الأورطي (أو الأبهر) الذي يعتبر أضخم الشرايين من حيث القطر، ويتفرع ذلك الشريان إلى فروع صغيرة كلما ابتعد على القلب، ما يعمل على توفير التروية الدموية إلى آخر أعضاء الجسم وأبعدها، لتقوم بدورها في توفير الأوكسجين للخلايا والأنسجة التي تنتظره كسبب لاستمرار حياتها، وفي الوقت ذاته تقوم شبكة من الأوردة بجمع الدم غير النقي من كل أنحاء الجسم وتضعه في الأذين الأيمن، ومن ثم يضخه إلى البطين الأيمن، الذي يتولى إرساله إلى الرئتين ليتم تحميله بالأوكسجين مرة أخرى، ليعود إلى الأذين الأيسر لتبدأ الرحلة ذاتها في شوط جديد.

ومن اللافت في التكوين التشريحي للقلب سماكة جدران البطينين أكثر من الأذينين، ولذلك تفسير علمي بسيط، فالأذين يضخ الدم إلى مسافة قصيرة لا تتجاوز سنتيمترات قليلة، بينما البطينين يضخ أحدهما الدم إلى كل أجزاء الجسم بينما يضخ الآخر الدم إلى الرئتين، ما يستلزم استخدام عزم أكبر لضمان وصول الدم إلى وجهته، كما يعتبر التناغم الموسيقي في أداء عضلة القلب من أوضح معجزات تلك المضخة الرائعة، ويستنتج الطبيب وجود خلل عند اضطراب ذلك الأداء الموسيقي المتناغم.

وباعتبار القلب عضلة، يجب التعامل معها بحذر ووضعها في الاعتبار عند التشخيص وعند وصف العلاج، وعندما يحذر الأطباء من تناول الأدوية بلا استشارة طبية يريدون بنا الابتعاد عن المغامرات الدوائية التي يمكن أن تهدد القلب وربما توقفه عن الخفقان إلى الأبد، فالأدوية المهدئة على سبيل المثال لا يمكن تناولها من دون استشارة طبية ومن دون وصفة، لأسباب متنوعة منها مثلاً أن القلب باعتباره عضلة ربما يرتخي من تأثير العقاقير المهدئة، فلا يقوم بوظيفته وبالتالي لا يصل الدم إلى المخ، فتحدث الوفاة، وربما على العكس، تؤذيه كذلك العقاقير المنبهة، فتؤدي إلى رفع مستوى النبض إلى درجة لا يتحملها القلب فيتوقف كذلك عن العمل، وأيضاً يشكل ذلك خطراً على حياة مستخدم الدواء.

ويتعرض القلب كشأن سائر أعضاء الجسم إلى أمراض ومشكلات صحية، بعضها وراثي وأغلبها ناتج عن سوء التعامل من جانب الإنسان، ومن أهم مشكلات القلب الذبحة الصدرية التي أصبحت تشكل رعباً لدى الجميع وتعني آلاماً بمنتصف الصدر خلف عظمة القص مباشرة، تظهر مع المجهود الجسماني وربما تمتد إلى الذراع الأيسر وتزول بعد دقائق من التوقف عن المجهود، وتختلف آلام الذبحة عن غيرها من الآلام التي تصيب الصدر بموقعها في منتصف الصدر وظهورها مع المجهود الجسماني، وتتوقف مع توقفه، أي خلال لحظات أو دقائق، في حين تظهر آلام الضغوط والمضايقات النفسية في المنطقة اليسرى من الصدر حول الثدي الأيسر، وتحدث مع التوتر والقلق لا مع الحركة الجسمانية، وتستمر مدة أطول ربما ساعات أو أيام، ولها تأثير مؤلم يشبه النغز أو الطعن بآلة حادة.

على أن أكثر فئة تتعرض للإصابة بالذبحة الصدرية هي فئة المدخنين، تليها ذوي ضغط الدم المرتفع، ثم ذوي المعدلات العالية في الكوليسترول، إذ يحتاج المجهود البدني إلى المزيد من الدم المؤكسد لتغذية عضلة القلب، وظهور ألم الذبحة يعني قصور التروية الدموية إلى القلب إما بسبب نقص تدفق الدم أو إلى توقفه تماماً نتيجة انسداد الشرايين التي تغذيه، ونتيجة الحالة الأخيرة موت بعض أجزاء من القلب بعد امتناع وصول الدم النقي إليها، وهي حالة لا تقل في خطورتها عن الحالة الأولى ويطلق عليها الأطباء احتشاء عضلة القلب، ويتطلب التشخيص دقة وخبرة نظراً لتداخل أعراضها مع أعراض أخرى كثيرة منها مثلاً عسر الهضم، أو التسمم الغذائي، بينما تتميز آلام احتشاء القلب بوقوعها في أي وقت، أي لا يلزم أن يكون الجسم في حالة حركة أو مجهود.

وفي حالات الإصابات القلبية الوراثية ربما يصاب قلب الجنين داخل رحم الأم نتيجة لأسباب جينية أو مرض يصيب الأم أو ربما بسبب عقاقير لا تناسب الحوامل، تناولتها الأم خلال الشهور الأولى من الحمل، فيؤدي ذلك إلى نقص نمو الحاجز الأذيني أو البطيني لقلب الجنين، فيحدث ثقب في القلب بين الأذينين أو البطينين، ما يسبب تضيقاً يقلل من اندفاع الدم فيها أو اضطراباً في مساره، وفي تلك الحالة يحتاج الجنين إلى جراحة إصلاحية لإعادة إغلاق الثقب الأذيني أو البطيني لتفادي نوبات الازرقاق التي تصيب الطفل.

وتعتبر أمراض اللوزتين أحد مصادر مشكلات القلب، حيث يتكرر إصابة اللوزتين بالالتهاب، وتقوم خلايا الدم البيض بدورها في الدفاع عن الجسم ضد الميكروبات الضارة، وبعد انتهاء المعارك الدفاعية يخسر الجسم مجموعة من هذه الخلايا الدفاعية التي تموت خلال المعركة، وتتحول إلى صديد يبتلعه المريض ضمن حياته اليومية، إلى أن ذلك يمثل خطورة فيما بعد على المفاصل الرئيسية في الجهاز الحركي وعلى صمامات القلب أيضاً.

وفي سبيل الوقاية من أمراض القلب أصدرت جمعية القلب الأمريكية قائمة من سبع إجراءات لتقليل احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، شملت التوقف عن التدخين وممارسة الرياضة وتخفيف الوزن بالنسبة إلى البدناء والمحافظة على معدلات الكوليسترول في الدم وعلى ضغط الدم ضمن المستويات المقبولة، والمحافظة على معدل السكر في الدم وتناول الطعام الخالي من الدهون والكوليسترول.

وأكد العلماء من خلال دراساتهم للعادات الغذائية للعامة على أن القليل منهم فقط يستجيب للعادات الصحية بينما يهمل أغلب الناس رعاية القلب واتخاذ الإجراءات الضرورية لحمايته، وقال أحد الأطباء، إن رفع الملح والسكر فجأة من النظام الغذائي الحديث أمر مستحيل، قلة من الناس يأكلون بطريقة صحية، وأضاف أن الوقاية الصحية الناتجة عن الالتزام بكل الخطوات السبع السابق ذكرها أمر مذهل، وقال «من ينفذون التعليمات لا يصابون بنوبات قلبية قبل سن الـ65»، كما أن ثلثي البالغين في بريطانيا بدناء، و قال إن البريطانيين ينبغي أن ينسوا مشكلة الوزن الزائد كهدف في حد ذاته، ويركزوا على الإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة.

وأضاف خبير القلب: «كونك نشيطاً بدنياً مفيد لصحة قلبك»، وأضاف أن من بين البدناء من لديهم نفس محيط الخصر، فإن أولئك الذين كانوا نشطاء بدنياً كان لديهم احتمال الإصابة بمرض قلبي بمعدل النصف كأولئك الذين كانوا كثيري الجلوس، وقال: «مجرد الانتقال من حالة الخمول إلى النشاط يقلل التعرض لمخاطر الإصابة بأمراض القلب، حتى لو كان لديك دهون على البطن».

وأشار الطبيب إلى أن عدم ممارسة الرياضة سبب وفيات أكثر من التدخين، كما أن دراسة أمريكية حديثة أشارت إلى أن التقيد بالخطوات السبع المذكورة أعلاه يمكن أن يقلل احتمالات الإصابة بالسرطان إلى النصف. توصل الباحثون في جامعة نورثويسترن فى شيكاغو إلى استنتاجاتهم بعد متابعة صحة أكثر من 13 ألف شخص على مدى ربع قرن، وتبين أن أولئك الذين تقيدوا بستة أو سبعة معايير كانت فرصتهم أقل بنسبة 51% للإصابة بالسرطان من أولئك الذين لم ينفذوا التعليمات السبعة. ومن خلال الدراسات الحديثة أيضاً ظهرت نتائج كثيرة تعزز التوعية بأمراض القلب وطرق الوقاية منها، حيث كشفت دراسة أمريكية عن أن ارتفاع استهلاك اللحوم الحمر المطبوخة والمصنعة يزيد من معدلات الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وجاء هذا في الوقت الذي تعد فيه اللحوم الحمر من الوجبات الأساسية التي لا يكاد يخلو منها بيت، إضافة إلى أنها خامة المطاعم ومحال تقديم الوجبات السريعة الرئيسية، وأكدت الدراسة على أن استبدال اللحوم الحمر بمصادر بروتين أخرى مثل الأسماك والدواجن والبقوليات له دور كبير في الحد من معدلات هذه الوفيات.

كذلك اكتشف باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة مينيسوتا، إنزيماً يمكنه التقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، في حالات وجود مستويات منخفـــضة من الكوليسترول مرتفع الكثافة (أو الكوليسترول الحميد) المعروف اختصاراً باسم «إتش دي إل» ويطلق عليه «جي بي إكس3» باعتباره أحد مضادات الأكسدة الطبيعية.

تغييرات بسيطة تعزز صحة القلب

وجد دراسة نشرت نتائجها بمجلة حوليات الطب السلوكي، أن إجراء تعديل بسيط على نمط الحياة اليومية، بإمكانه تحسين صحة القلب، ولكن هنالك معوق واحد ــ كما يعتقد الأطباء ــ وهو عدم ثقة الأطباء في مقدرة المرضى على فعل ذلك.

تشير الدراسة إلى أن العلاج السلوكي مثل الاستشارات الفردية، التدريبات الجماعية لتحسين العادات الغذائية أو للنشاطات البدنية، وحملات الإقلاع عن التدخين والمخدرات، كل ذلك جانب مهمل من قبل كثير من الأطباء لاعتقادهم أن المرضى يرون ذلك صعباً.

وجد تحليل للدراسات أجراه المعهد الوطني للصحة بأمريكا، أن 80% من التجارب السريرية العشوائية، والتي تتضمن التدخلات السلوكية أظهرت تحسناً بدرجة كبيرة في السلوك وفي التأثير النفسي الإيجابي الذي أدى إلى خسارة للوزن وتراجع في معدلات ضغط الدم؛ وكان التحسن ملحوظاً بصورة واضحة عندما كان التدخل يشمل سلوكين في آن واحد مثل التغذية والنشاط البدني، وتقترح الدراسة أن التدخلات السلوكية يجب أن تعطى اهتماماً أكبر من ذلك، لأن المرضى بإمكانهم تحقيق الأهداف التي توضع لهم إذا كانت تلك الأهداف واقعية، وبالتالي تتحسن حالة القلب والأوعية الدموية لديهم

ويقول د. رتشارد فليمنج خبير تغيير السلوك الصحي بجامعة ماساشوستس، إن هنالك برامج جديدة لتجميل أو تحسين السلوكيات الموجودة لدى الشخص مثل مراقبة الذات، ووضع الأهداف، والتعزيز الإيجابي، مع المقابلات التحفيزية، والدعم الاجتماعي، كل ذلك يؤدي إلى تحسين فعالية وكفاءة السلوكيات.

وترى د. جينيفر كودل مختص طب العائلة، أن على كل شخص تغيير سلوكه للأحسن والاتجاه إلى الخيارات الصحية، مع أن ذلك في الحقيقة لا يحدث بنسبة كبيرة، وتوجه نداء إلى الأطباء بعدم الاستسلام والإحباط من عدم استجابة مرضاهم، لأن المرضى لديهم الرغبة ونحن من واجبنا الوقوف إلى جانبهم ومساندتهم وتحفيزهم ومدهم بالنصائح فيما يتعلق بالنظام الغذائي وطرق خسارة الوزن، والإقلاع عن التدخين، وغيرها من السلوكيات غير الصحية.

وتضيف قائلة إنه يجب على الأطباء الإصرار على ذلك، وعدم الإحباط عند عدم تحقيق الأهداف في الوقت المحدد.