خبر : عين على الإقليم: انتصار رجب طيب أردوغان ...حسين حجازي

السبت 07 نوفمبر 2015 08:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT




هل تلقينا عند هذه الذروة المتواصلة من انتفاضتنا الشعبية ومقاومتنا خبراً ساراً يأتي الينا من هذا الوضع في الإقليم البائس؟ وهذا الخبر على خصوصيته المحلية مع ذلك يبقى في دلالاته وإبعاده لأن يشفي صدور قوم مؤمنين، هم نحن الفلسطينيين عامة وليس «حماس» فقط. اذا كان هذا الخبر المشار اليه ازعج بنيامين نتنياهو أيما إزعاج، وازعج آخرين في الإقليم هم على قلب بنيامين نتنياهو في السر، وان كان يجب في معرض هذا الحديث تقديم اعتذار جانبي للسيد بشار الأسد، الذي هو أيضا بحكم واقع الحال ممن ازعجهم هذا النبأ السار.
وذلك لان المسألة بالأخير أوضح من كل هذا الخلط والتعقيد الذي يبدو عليه المشهد الإقليمي، اذا كان عودة هذا الرجل التركي رجب طيب أردوغان الذي يتمتع بكاريزما قوية في بلاد الترك ومسكون من رأسه حتى اخمص قدميه، باستعادة مجد آل عثمان الغابر هو موضع كراهية حكام إسرائيل . فمن الأولى والأمر كذلك ان يكون انتصاره وحزب العدالة والتنمية وانتصار احمد داوود اوغلو الذي جاء الى غزة في الحرب قبل الماضية، هو انتصار لنا وتعزيز لنقاط قوتنا .
كم جميل ورائع اذن انتصاركم أيها الصديق والحليف القوي للشعب الفلسطيني رجب طيب اردوغان خليفة السلطان سليمان القانوني وعبد الحميد، اذا كان الرهان السابق من لدن معسكر الأشرار ليس الإطاحة بكم ولكن لتقسيم تركيا وإعادة تفكيكها، تركيا هذه التي تبدو في تمددها الجغرافي المهول كما لو انها السهل الأوراسي العظيم الذي يصل آسيا بأوروبا، ومن يسيطر عليها هذه آسيا الصغرى يملك مفتاح السيطرة على هذا الجسر، والذي شكل عبر التاريخ جسر التلاقي او القطيعة في آن معا بين الحضارات والثقافات المزدهرة على ضفتي البحر المتوسط.
هنا على هذا التمدد الجغرافي لآسيا على المتوسط كعراضة تشبه لسانا ضخما من اليابسة، انما انشق الإمبراطور قسطنطين عن روما وتبنى هو وخلفاؤه المسيحية، وذلك بعد قرون طويلة من كتابة التاريخ لأقدم حرب حدثت على حوافها اليابسة، التقائها مع البحر بين الإغريق ومملكة طروادة، والتي خلد ذكراها ابد الدهر الشاعر اليوناني هوميروس في ملحمته الشهيرة «الإلياذة». والتي تحكي قصة هذه الحرب التي حدثت وقائعها على جانبي هذا البرزخ، الذي يفصل أوروبا عن آسيا.
كما هنا على عتباتها توقف الفتح العربي الإسلامي ابان عصره الأول، قبل ان يعاود هذه الكرة محمد الفاتح، الذي سيمنح تركيا هويتها الإسلامية الشرقية ويقوم خلفاء السلاطين العثمانيين فيما بعد بإعادة توحيد معظم هذا الشرق المحاذي للضفة الجنوبية من البحر المتوسط، في امبراطورية واحدة تحت حكم الخلافة الإسلامية . ويحافظ هؤلاء الخلفاء السلاطين على مدى أربعة قرون على هويتها الإسلامية العروبية، حتى انهيار هذه الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام، وبانهيار هذه الإمبراطورية ضياع فلسطين.
سوف نقف العام القادم 2016 الذي يصادف مرور مئة عام على عقد اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت بلاد الشام دويلات مجزأة كمحاصصة وغنائم حرب وأسلاب بين القوتين الاستعماريتين المتسيدتين على العالم في ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا. وقد مورس التضليل بتعليم الأولاد في الكتب المدرسية، عن ان أسباب التأخر العربي او التخلف كان سبب السيطرة العثمانية التي تميزت بالجمود الفكري والبعد عن الحداثة، وهذه كانت جزءا من دعاية الغرب الاستعماري لاحتلال البلاد.
لعل الثأر لما حدث قبل مئة عام من تآمر الغرب الاستعماري مع حلفائه وذيوله من العلمانيين القوميين في تركيا نفسها، ليشكل هاجسه وتحديه الباطني والخفي هذا الذي ذهب الى الصلاة في مسجد أيوب، جريا على عادة السلاطين العثمانيين بعد انتصار حزبه الكاسح في الانتخابات، ليبعث برسالة رمزية الى العالم والأتراك من انه يسير على خطى المجد الغابر لتلك الثلة العظيمة من سلاطين بني عثمان، التي حكمت الشرق وجزءا من القارة الأوروبية .
وهو يبعث بهذه الإشارة في ذروة خصومته وتحدي تركيا لمروحة واسعة ومتعددة من المنافسين، لا تقتصر على الأعداء التقليديين مثل إيران وروسيا، ولكنها أيضا تشمل الأميركيين والأوربيين، وذلك بعد ان كاد حلمه وطموحاته تتحقق في إعادة هذا القوس او الحبل العثماني، الذي يمتد من تونس في الغرب مرورا بمصر وحتى غزة وصولا الى سورية، قبل ان يقطع هذا الحبل في مصر ثم يتراجع في تونس ثم تأتي النجدة لبشار الأسد أولا من حزب الله وبعد ذلك بقوة اكبر من روسيا وايران.
وفيما بدا الحلف السعودي الإماراتي مع نظام عبد الفتاح السيسي في أواخر عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كما لو انه جاء ليوجه الى طموحات اردوغان المتحالف مع قطر الضربة الأخيرة والقاتلة، خصوصا وان إسرائيل لم تكن تخفِ زهوها بهذا التحول، بل وتعتبر نفسها جزءا من هذا الحلف، فقد جاءت وفاة عبد الله وانتقال الحكم الى الملك سلمان بمثابة التدخل الإلهي الذي مد له وحليفه القطري حبل الإنقاذ. وهكذا نصل الآن الى فهم دلالة التجديد له وحزبه بالثقة من لدن شعبه، الذي يستعد اليوم لإحداث تغيير دستوري عميق يغير وجه طريقة الحكم من برلماني الى رئاسي.
باختصار علينا ان نفهم نحن الفلسطينيين بأن التوازن الإقليمي الوحيد الموجود اليوم في الإقليم، هو المثلث الذي يضم السعودية وتركيا وقطر، وهذا هو التوازن الذي يعكس او يمثل التجسيد المادي للمفهوم، الذي يقصد ان يكون مؤطرا لفاعلية وقوة ما يسمى العالم العربي والإسلامي تجاه أي من الأزمات والملفات المفتوحة في المنطقة، أي بمعنى آخر هذا هو العنوان اليوم.
فهذا هو الحلف او المثلث الذي يمثل المحاور الأكبر للاميركيين والغرب كما لروسيا خصما ومحاورا على حد سواء. وعلينا ان نتذكر ان ليس هذا هو حلف بنيامين نتنياهو السري، ولا هو الحلف الذي قصده البعض إشراكه بتوسيع التسوية لحل القضية الفلسطينية معه. ولكنه هو الممثل الحقيقي لملكية القرار الإقليمي في غياب العراق وسورية وآسف للقول أيضا مصر، اذا كان هذا هو المثلث الإقليمي الذي يمثل آخر مظهر وتجسيد لتوازن القوة في المنطقة، ولا يمكن تجاوزه في القرارات المصيرية المتعلقة بإعادة ترتيب أوضاعها.
فهل من مصلحتنا المشتركة أيضا لتسوية الانقسام الداخلي، اذا كان علينا ان نمضي قدما في هذا الصراع الشامل والمفتوح الى أبعد من إعادة فتح معبر رفح، ليكون العبور من بوابة صلاح الدين هو بعودة الرئيس الى غزة التجسيد الفعلي لاستعادة الوحدة، والرهان اليوم على توازن قوى جديد ولكن حقيقي في الإقليم، من اجل الربط بين الملفات جميعا في أي تسوية تنهي الصراع في المنطقة.

- See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1013828dy269714061Y1013828d#sthash.OoOxMpsa.dpuf