خبر : محمد دحلان .. ماذا تريد ؟ بقلم : محمد يوسف الوحيدي

السبت 31 أكتوبر 2015 06:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
محمد دحلان .. ماذا تريد ؟ بقلم : محمد يوسف الوحيدي




لفترات طويلة ، إستغرقت في التفكير و محاولة فهم المعادلة ، و ما هي أصول الحكاية و علام الخلاف ، و لماذا كل هذا الشحن و المشاحنة و الشد و الجذب ؟ و علي بهذا أشبه كثيرا من ابناء شعبي الفلسطيني ، و بعضا لا بأس به من المتابعين للشأن الفلسطيني أو أولئك القلة المهمومين و المهتمين به .
الحقيقة أنني سألت نفسي ، لو أنني رايت محمد دحلان ، ماذا عساي أن أساله ، و ما هو السؤال الأول الذي قد أبادره به ..و هنا تذكرت لقاءً تم بيني و بينه في مكتبه في غزة نهاية التسعينات أو بداية الألفينات ، و أعتقد أن زميلا صحفياً كان مَن رتّب اللقاء ، و أتذكر يومها أنني سالته ذات السؤال الذي عنَّ على بالي الآن ، أخ أبو فادي .. ماذا تريد ؟ هل تريد أن تصبح رئيسا لفلسطين ؟ و حينها ضحك وهو يجيب بكل بساطة : أبدًا .. أنا إنسان فلسطيني ، وطني ، يريد أن " يعدل المايلة " ، و " مش خايف إلا من إللي خلقني " .. تبسمت بدوري و سألته كرَّة أخرى " جيد ، و ماذا تريد ؟ " فسألني بدوره ، ماذا تقصد ؟ فقلت له هل تريد أن نكتب عنك قريباً و نُقرن إسمك بلقب " السيد الرئيس " ؟ قال لي أبداً ، ليس هدفي و إن كان حقي ، و في الجملة التالية ، و التالية مباشرة ، غير الموضوع ، بدءاً من ماذا تشرب إلى أمور تاهت من ذاكرتي الآن ، و تلاشت ، لا لشئ إلا لأنها لم تكن ذات معنى و لا قيمة ، و لكني شعرت ، و قد يكون شعوري حينها خاطئ ، و قد يكون مصيبا ، بأن الرجل .. أراد أن ينهي اللقاء .. و قد كان .. و على راي كوكب الشرق ، دارت ألأيام ، و مرت الأيام ، ما بين بعاد و فراق ، و قابلته ، و نسيت إني خاصمته ، بالطبع في خلال سنوات قابلته عشرات المرات ، ولكن كلها كانت لقاءات مرحبا مع السلامة ، إلى أن كُلفت بأمر تلفزيون فلسطين ، فكان اللقاء الثاني ، و الأهم ، حين أُبلغت بأن القائد أبو فادي ، وصل إلى مبنى التلفزيون بغزة ، و بالطبع ، و كما هي مقتضيات المراسم ، قمت بإستقباله على باب التلفزيون ، مُرحباً ، و شاكراً له هذه الخطوة الكريمة ، فهو قائد ، ووزير ، وصانع قرار .. و تفضل بمرافقتي إلى مكتبي ، و في حركة كاريزمية قوية ، و الحق أقول ، أن الرجل يمتلك من الكاريزما ، و قوة الشخصية ما يجذب به إنتباه و إعجاب من يتابعه ، طلب من جميع مرافقيه أن يتركوه و إياي في مكتبي ، في لقاء " أربع عيون" كما يقال .. و هنا وجدت في الرجلِ من الدَماثة و الحِكمة و الأدب ، بل و السّحر في التعامل ما شحذ إعجابي ، و طمأَن سَريرَتي حول الهدف من الزيارة ، بحركة سريعة قام برفع فنجان القهوة الأول عن المنضدة الصغيرة أمامه ، و قدمه لي قبل أن يخدمَ هوَ نفسَه و يتناول فنجان قهوته ، و هنا بادرني بالقول : إنني هنا في خدمتك .. و اريدكَ أن تنجح ، و تشعرَ بقوة دعمي لك ، كل البلد ، من أصغر من فيها إلى أكبر من فيها ، لن تستطع التأثير عليك طلما أنا معك .. و أنا معك ..
وهنا ، و مرة ثانية ، شهادة للحق ، أنني بقدر ما أُعجبت بهذه الكلمات القوية ، و المؤثرة ، بقدر ما تسرب إلى نفسي الشك و إرتفع مؤشر الحيرة عندي مرة أخرى ، فسالته : لماذا ؟ ما هو المطلوب مني في المقابل ؟؟ و كأنَّ الرجل قد قرأني ، فهمَني ، عرف أن لافائدة مني ، فأنا كثير الحذر و التساؤل على ما يبدو ، و لا أحبُ أن أفْهمَها وهي " طايرة" .. فلم يجب بما يشفي الصدر ، أو حتى يقترب من ما يمكن لي أن أصفة بالإجابة .. و غادرَ المبنى معززاً مكرماً .. و تتالت بعدها اللقاءات ، و التي أصر خلالها أن يُظهرَ مدى حُبه و دعمه لي أمامَ الناس خاصةً في الإجتماعات الجماهيرية ، فكان يشبك يدي بيده ، و يسلم على طوابير الواقفين للتحية .. و يهمس في أذني يسأل عن الحال ، أو إلى أين أنت ذاهب بعد اللقاء ، و كلام بهذه البساطة ، و لكنَّه يثير فُضولَ الأَعيُن النَّهِمة حولنا لمعرفة ماذا يتهامسون ، و ماذا يا ترى يقول له ؟؟
و أنا أسترجع هذه اللمحات ، و غيرها ليس هنا مجالها ، أتساءَل ، و بجد ، أو ربما بسذاجة ، فربما أنا أبسط من أن أغوص في تفاصيل التفاصيل ، و لكني بقدر معرفتي ، أتساءل : ما هو سبب الخلاف بين الرجل و رجال فتح و قيادتها ؟ و على قدر " سذاجتي " و على إعتبار أنني " لا أفهم في السياسة" كيف لي أن أفسر ، بدون تعجل و لا إستقبال للحديث بشكله المرسل كما ورد في صحيفة اليوم السابع المصرية في عددها الصادر في الفاتح من سبتمبر هذا العام ، حيث قال ألأخ دحلان : " عباس وصائب عريقات أدمنا المفاوضات.. ومفاوضاتنا السابقة كانت عبقرية لأن جهاز الأمن كان رافعة للمفاوضين وليس الاحتلال " إنتهى الإقتباس ، وزاد عندي – على الأقل – الإلتباس ، أي مفاوضات أو فرق بين هذه و تلك ؟ و أي إدمان هذا ؟
و في ذات اللقاء ، إذا اردت أن تتمعن في الحديث ، و حاولت أن تستوعب ، فأنا أبشرك من الآن بأنك ستصاب بحالة " لخبطة و حول عقلي " إن جاز التعبير ، خذ مثلاً :
يقول الأخ محمد دحلان نصاً " وللعلم فإن الخلاف مع أبومازن بدأ منذ توليه السلطة، حيث كان يعتقد أنه لن يكون رئيساً فعلياً إلا إذا تخلص منى، فتمت إقالتى رغم كونى عضواً منتخبا فى اللجنة المركزية لحركة «فتح» " .
وفي نفس ذات اللقاء ، على نفس الصحيفة ، يقول الأخ محمد دحلان : " لو كنت أريد منصب أبومازن لما ساعدته فى أن يعود إلى البلاد حيث كان يمكث فى تونس، وقد سهلت له العودة واحتضنه وانضممت للحملة الانتخابية من أجله، إضافة لخلافى مع أبوعمار كى يكون أبومازن أمين سر اللجنة التنفيذية، فأنا أحب أن أرى نظاما سياسيا جيدا وقويا، متماسكا، مبدعا." .
كيف كان الخلاف مع أبو مازن منذ بداية توليه ومن ثم إنضمام الأخ دحلان إلى الوزارة ، بل و قيادة فتح ، و مفوضا عاما للإعلام فيها و ناطقاً بإسمها في ظل رئاسة أبو مازن ، الذي كان دحلان اساساً في حملته الإنتخابية ، بل و حارب و إختلف مع أبو عمار – ياسر عرفات من فرط حب و تاييد أبو مازن ، و الإيمان بأنه قويٌ متماسكٌ مبدعٌ كما وصف في نفس اللقاء الصحفي ؟؟
بصراحة ، أنا في حيرة ، هل أقبل بهذا الكلام المرسل ؟ أم أحترم عقلي ، وأقف عنده أم ماذا أفعل ، فأنا يا جماعة ، أريد أن افهم ..
في نقلة أخرى ، يقول الأخ محمد دحلان .. " لماذا يعطينا نتنياهو حقوقنا فى ظل عدم رغبة أبومازن فى اندلاع انتفاضة أو العودة للمفاوضات، ولا يرغب فى تظاهرات، ولا يريد الذهاب للأمم المتحدة، إضافة لعدم رغبته فى مقاضاة إسرائيل فى الجنائية الدولية ". و هنا أسال .. من يا ترى الذي لا يقبل بكل هذا ؟ من الذي خطب مرات ومرات في الأمم المتحدة ، و من الذي سعى و يسعى لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة ؟ من رفع علم فلسطين لأول مرة في التاريخ على الأمم المتحدة كعلم دولة رسمي ؟ كيف دخلت فلسطين إلى كافة المحافل الدولية مثل الأونسكو و غيرها ، و من يرفع القضايا حتى الأمس القريب ضد إسرائيل و يقدم الملفات و الوثائق لتجريمها و محاكمتها أمام الجنائية الدولية؟
من هذا الذي يمنع المظاهرات ضد الإحتلال ؟ و هل إستشهاد الوزير زياد أبو عين ، حتى قبل أحداث الأقصى ، بل ، و تكليفه من قبل القيادة و الرئيس برئاسة هيئة المقاومة الشعبية للجدار و الفصل ، يدل على أن القيادة و الرئيس ترفض التظاهر و المقاومة؟ اي مقاومة ، ربما يريد الأخ محمد دحلان المقاومة المسلحة ، دعونا نقرأ المزيد من تصريحاته ، و نرى إجابته المباشرة حول سؤال إن كان يريد العودة للكفاح المسلح حيث قال " أنا مع المقاومة، فالمفاوضات التى تمت خلال السنوات الماضية لم تكن مفاوضات جادة، ولم تعط النتائج الجيدة لسبب بسيط هو أن المفاوضات تحتاج إلى عناصر داعمة." حسناً ، أي مقاومة ، لماذا تنركها هكذا عائمة ، تعالوا لنقرأ و نحاول أن نفهم من كلامه ، عن اي مقاومة يتحدث ، فيقول في ذات نفس اللقاء المذكور : " تجربة المقاومة وفق مفهوم حماس أيضا فاشلة لأن السنوات العشر الأخيرة من المفاوضات لم تؤت بنتائج مقارنة بسابقتها، فقد تمكنا فيما مضى من الإفراج عن 9500 أسير فلسطينى بالمفاوضات " ..إنتهى الإقتباس ..

بصراحة ، و أنا اقرأ هذه المواقف و الإجابات ، أستغرب .. يتنامي عندي شعور بأنني تحولت إلى يونس شلبي في مسرحية مدرسة المشاغبين " ما بجمعش" ، و تزداد عندي الرغبة في الوصول إلى إجابة لسؤالي التاريخي ..
- هل هناك إختلاف في الرؤى السياسية مثلا؟ هل القيادة و السلطة و الرئيس يريدون دولة في حدود 67 و هو يريدها من الماء إلى الماء ، أو العكس ؟ ، هل هناك خلافات في المنهج و التطبيق ؟ لا أعتقد ، بل أجزم أنه من أوائل الذين وضعوا هذا المنهج ، و أيدوه ، و هنا اقصد منهج المفاوضات .. و الكفاح بأدوات جديدة غير السلاح مثل القانون و الديبلوماسية و المقاومة الشعبية السلمية و غيرها ..

- هل هناك خلافات تتعلق بتعريفات اساسية جوهرية في الوطنية و المبادئ و الثوابت ؟ الإجابة مرة ثانية لا أعتقد ، و إلا لماذا إستمر في مراكز قيادية على المستويين التنظيمي و الحكومي حتى اليوم ألأخير ؟

- هل هناك خلافات على المستوى الإداري و المالي و التنفيذي ؟ لا أعتقد ، فمن واقع ما أرى و أسمع و أقرأ ، يمكنني أن أؤكد أن الملاحظات السلبية ، و الأخطاء ، و الإعتراضات على بعض الشخصيات ، التي تدير العمل التنفيذي للجهات التنظيمية و الحكومية و المؤسسة الرسمية ، هي ذاتها و بنفس الملاحظات السلبية و الإعتراضات و الأخطاء التي يمكن أن تنطبق ، بل تتماهى في كثير من الأحيان ، على الأشخاص التنفيذيين الذي يحيطون بدحلان . فلا تعايرني و لا أعايرك ، الهَم " طايلني و طايلك " !!

- هل رفع قضية في محكمة هو الإشكال ؟ إذن ، فلماذا لا يرفع ألأخ محمد دحلان أيضاً قضايا على الطرف الآخر ؟ بكل التهم ، و المُساءلات و الإحتجاجات و الإدعاءات و الإثباتات التي لديه ..أليست أوفر و اقل تكلفة من المساهمات في محطات تلفزيونية و صحف و مواقع و مؤسسات و مرتبات و جوازات سفر و إقامات و إسكان ، و مدارس و بدلات وعلاقات ؟

إذن ، بالله عليكم ، ما هو المشكل ؟ أخرجوا لي " الفروقات " ، تماما مثل لعبة " الأخطاء الخمسة أو السبعة أو أي رقم تريدون " .. المسألة ابسط من كل هذه التعقيدات ... سواء قبل الأخ محمد دحلان بفرضية أنه يريد أن يكون رئيساً ، أو رفض ، فالحل بسيط ، الإنتخابات .. و أصوات الناس هي التي تقرر ، لا أعتقد أن هناك من يمنع ترشحه أو ترشح أي فلسطيني لهذا الموقع .. أو غيره .. بالتالي ، ما زال السؤال يحيرني منذ أكثر من عشرين سنة ، يا أخ أبو فادي ،يا إبن بلدي ، يا محمد يوسف دحلان ، ماذا تريد ؟