خبر : القفا ... محمد يوسف الوحيدي

الخميس 17 سبتمبر 2015 09:01 ص / بتوقيت القدس +2GMT
القفا ... محمد يوسف الوحيدي



المسجد الأقصى ، تتم مداهمته ، و تدنيسه ، منذ ثمانية و أربعين عاما ، و قفانا يُلسَع، و القفا ، تكتب بالألف الممدودة ، وتعني كما جاء في لسان العرب "مقصور مؤخر العُنق " أَلفها واو، والعرب تؤنثها ، والتذكير أَعم .. أقول قفانا يُقَمِّر العيش ، و هنا لابد من وقفة لغوية أخرى : فتقمير العيش في اللغة ، هو أن ينتفخ الخبيز جدا و يتحول لون العجين من الأبيض إلى البرتقالي ، بما يشبه القمر .. و قفانا هنا لا تنحصر بين الفلسطينيين ، بل بالأمة العربية ، أمد الله في ظلها ، و أدام عزها و سؤددها ..
منذ العام 1967 ، و نحن نتوعد ، و نزمجر كلما أكلنا على قفانا ، حتى أصبح ضربنا على قفانا لعبة ، يتسلى بها الأعداء ، و يعرفون مدى ردة فعلنا قياسا بزخم اللسعة و شدتها على قفانا .. فترى ردود أفعال غريبة عجيبة ، أكاد أقسم لو أنها ترجمت لمستر بين ، أو شارلي شابلن ، أو أي كوميديان عالمي ، لضمها إلى مجموع أعماله ، خذ مثلا .. إحدى " النطزات " بعد لسعة القفا الأولى ، كانت لبعض الظرفاء .. حيث إنشغلوا بالمسجد الأقصى بالبحث عن اسباب عدم أصطحاب السيد رئيس فلسطين ، لصائب عريقات معه في زيارته الأخيرة لمصر .. أي و الله ، تركوا القضية ، و إنشغلوا بعريقات .. على اساس أن ما لسع قفاهم ، كان هواء ، نسمة هواء ساخنة خماسينية ، و لم يعيروها إنتباها ، أو ربما لأن قفاهم تعود على اللسع ، الله أعلم ..
و تجد ردود أفعال أخرى ، أكثر لذة ، و ظرفا ، فتجد من يتفاعل مع أحداث إجتياح الأقصى ، بأسلوب رخيص ، يسمى باللغة الإنجليزية manipulation و تعني التلاعب ، و التحايل ، فتجده يربط بين الأقصى الشريف و إنقطاع التيار الكهربي عن الأهل في غزة ، ليلقي بالملامة على السلطة الوطنية ، و عندما يخرج الناس للإحتجاج ، يعايرهم ، بأنهم نسوا الأقصى ، و يتظاهرون من أجل دنيا زائلة ، و " شوية" كهربا لا تنفع ولا تشفع .. قطعتها السلطة الوطنية بالقصد و سابق الإصرار و الترصد ، من أجل إلهاء الناس عن قضية الأقصى .. و المهم ، أنه هو لا يفعل شئ للأقصى سوى الردح للسلطة ، و لمن يخرج ليطالب بالكهرباء ، كل هذا ، و إسرائيل مستمرة باللسع على القفا ، هذه قوية ، و هذه خفيفة ، هذه ستترك علامات ، و هذه لن تترك بصمات ..
أو ترى ردود أفعال ، أكثر عمقا ، و ذكاء ، من مثل ، العلاقة بين الأقصى ، و القدس ، و المبلغ الشهري المدفوع لمصففة الشعر و فريقها في تلفزيون فلسطين ، و جدل ، و نقاش ، و كر و فر ، بصراحة ، يشفق الواحد منا على العدو الصهيوني من كثرة الهجمات و تركزها في مناطق حساسة جراء هذا التحدي الفظيع .. أو تجد مجموعات ضاربة ، ساحقة ماحقة أخرى ، تفرش بساط المعايرة ، و تلصق أحداث وقعت في جنين أو غيرها بين الشرطة و بعض المتحدين للقانون ، بأنهم كانوا يدافعون عن الأقصى ، ممكن ، و لم لا .. الدفاع بالريموت كنترول ، بالتحكم عن بعد .. كل شئ جائز ...
أما على المستوى القومي ، فحدث و لا حرج ، حيث إجتمعت مع بعض الأصدقاء ، و بلغت القلوب الحناجر ، و نحن نراقب الإجتماع الوزاري العربي ، الذي إجتمع في جامعة الدول العربية ، و لمن لا يعرف فجامعة الدول العربية تضم 22 دولة عربية ، تمثل ما يقرب من 608 مليون نسمة ، يعني أكثر من نصف مليار إنسان عربي ، أقول ، أن كل هؤلاء إجتمعوا و لم يهمهم اي شئ ، بصراحة ، و قرروا ، أن الأقصى في خطر ..
الحقيقة أنني و أصدقائي المتابعين ، ذهلنا ، كيف إستطاع هؤلاء العظماء ، التوصل إلى هذه الحقيقة ، و النتيجة بهذه السرعة ؟؟ و في ظل حيرتنا ، إنبرى من بيننا صديق جهبذ ، قائلاً ، هل نسيتم يا سادة ، أن جامعة الدول العربية أساسا ، كانت فكرة بريطانية ؟ في 29 مايو 1941 ألقى أنتونى إيدن وزير خارجية بريطانيا خطاباً ذكر فيه "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة". وفي 24 فبراير 1943 صرح إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين "العطف" إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.
بعد عام تقريباً من خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها". وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح!!
طبعا ، أنا لن أتحدث عن الإعلام العربي ، الحقيقة أن الأخ القائد نيشان ، و الأخت المناضلة مايا ، و طبعا الزعيم مفجر الثورة ، كاشف المجهول توفيق عكاشة ، كلهم ، حقيقة ، وقفوا وقفات أكثر من رائعة ، و هنا لابد أن لا ننسى ، أن الأقصى له قناة تلفزيونية ، حولت مظاهرات الكهرباء ، إلى مظاهرات ضد الرئيس و رئيس الوزراء و السلطة ، لا تسالوني كيف ، حيث يبدو ، أن بعض الجلود بلغت من السماكة و الغلظة ، قدرا لا يمكن أن تشعر بالإهاتة و اللسع على القفا ..