خبر : لماذا التصعيد الروسي الآن؟ ...خالد الدخيل

الأحد 13 سبتمبر 2015 01:02 م / بتوقيت القدس +2GMT



تساءلت يوم أمس، صحيفة الـ"واشنطن بوست" الأمريكية، عن السبب وراء التصعيد الروسي في سوريا. 

إحدى الإجابات التي طرحتها الصحيفة، أن روسيا تحاول في هذه اللحظة تعزيز وزنها وحضورها في الأزمة السورية، استعدادا لأي حلّ سياسي قد يفرض نفسه في أي لحظة. 

هذه الأزمة دخلت منذ زمن مرحلة جمود استراتيجي، فرضته توازنات وتفاهمات مؤقتة بطبيعتها. فإما أن ينتهي إلى حلّ، أو قد يخترقه تحوّل في التوازنات على الأرض بين المتحاربين، أو في موقف أحد الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة.

هناك احتمال آخر، وهو أن التصعيد جاء نتيجة ثلاثة عوامل: أولها، إدراك القيادة الروسية أن موقف حليفها الرئيس بشار الأسد يزداد حرجا مع الوقت. الثابت الذي لا يتغير، أن هذا الرئيس يخسر باستمرار. حتى لو حقّق بعض النجاحات، هي في الغالب نجاحات مؤقتة. 

ثانيا، إن مرور الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس الأمريكي قد يغري الرئيس باراك أوباما، بحصاد ثمنه السياسي على الأرض السورية. وهو أمر سيكون على حساب موسكو بقدر ما أنه على حساب طهران. 

تصعيد الكرملين في هذه الحالة خطوة استباقية لتعزيز قدرات الأسد، وتعزيز الموقف الروسي استعدادا لمثل هذا الاحتمال. 

ثالثا، إن خطوة التصعيد جاءت بعد اجتماع الدوحة الثلاثي بين وزراء خارجية السعودية وأمريكا وروسيا، لمناقشة الحل في سوريا تحديدا. وجاء بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لموسكو بعد ذلك. ثم جاء ثالثا بعد وصول الوساطة الروسية بين الرياض ودمشق إلى طريق مسدود، وهي وساطة تحققت ذروتها بزيارة علي المملوك، رجل الأمن الأول في نظام الأسد، إلى جدة في تموز/ يوليو الماضي. وهي زيارة لم تكن واردة في أسوأ كوابيس الأزمة السورية. 

لكن السعودية أرادت بقبولها المقترح الروسي، كما يبدو، تقديم تنازل بهذا الحجم لموسكو للبرهنة عمليا على أنها مع إيجاد حلّ للأزمة. 

ذلك كله يشير إلى أن روسيا لم تغير موقفها من الأسد، ليس بالضرورة تمسكا بالشخص، وإنما تعبيرا عن أن مأزق الموقف الروسي في الأزمة امتداد لمأزق الرئيس السوري ذاته الذي تتحالف معه. 

وعليه، فالتصعيد العسكري جاء بعدما فشلت موسكو في تغيير الموقفين السعودي والأمريكي من بقاء الأسد. أي أنها اختارت ممارسة الضغط على السعوديين والأمريكيين من على الأرض السورية، بدلا من كواليس المفاوضات الديبلوماسية. لماذا؟

إذا كانت موسكو لا تتمسّك بالأشخاص في سوريا، فهذا يعني أن إصرارها على استبعاد تقرير مستقبل الأسد في هذه المرحلة شرطا للحل، هو للإمساك بورقة الرئيس السوري ورقة تفاوضية، بدلا من تركها للإيرانيين، لضمان أن الحل المنشود لن يفضي إلى تغيير كامل للنظام. 

روسيا معنية ببقاء هذا النظام، أو بعض منه رافعة لبقاء دورها وتأثيرها في سوريا، باعتباره آخر ما تبقى لها في المنطقة. لكنْ هناك، كما يقال، أمر آخر لا يقل أهمية بالنسبة الى الروس، وهو أن بقاء النظام أو أجزاء منه تفرضه على الجميع حالة الفوضى التي تسيطر على سوريا الآن، وهو ضمانة لا تستطيع موسكو التخلّي عنها طوعا لمنع الجماعات الإسلامية المتطرفة من السيطرة على سوريا، الأمر الذي ترى روسيا أن تأثيره وتداعياته يمثّلان مصدر تهديد لها في محيطها الجيوستراتيجي المباشر، وهو محيط ذو غالبية إسلامية ليست على وفاق كامل مع موسكو وسياساتها.

من ناحية أخرى، يضمر تمسّك روسيا بالأسد، وتصعيدها العسكري في هذه المرحلة لحمايته، ما هو أكثر تشاؤما وخطورة في تقديراتها، وهو أنها لا تستبعد ما بات يُعرف بـ"الخطة ب"، أو تقسيم سوريا. 

بل قد ترى أنه في مرحلة ما، أنه الحل الأفضل لطمأنة هواجسها وحماية مصالحها. وليس هناك في هذه الحالة أفضل من الأسد. هو الآن زعيم جاهز. رجل معروف، خبرته بالتجربة. يستند إلى طائفته، وله أتباع في منطقته العلوية، ويملك مليشيا منخرطة في الحرب الآن. 

لا تسمح ظروف الأزمة لموسكو باصطناع حليف آخر غير معروف لها، وليس له تاريخ، وقد تتحمّل هي مسؤولية اصطناع أتباع له. هذا يعيدنا إلى ما نقله غسان شربل، رئيس تحرير "الحياة"، يوم الجمعة الماضي عن زعيم عربي ذكر في لحظة تجل بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سأله مرة إن كان يعتقد بأن "الأسد يفكر في الإقامة على جزء من سوريا يضمّ حوالي سبعة إلى ثمانية ملايين شخص". 

يشير بوتين بهذا السؤال إلى احتمال تقسيم سوريا إلى قسمين، أحدهما يضم الأقليات برئاسة الأسد، وآخر يترك، ضمنا، للغالبية السنية الكبيرة التي يتكون منها الشعب السوري. 

ما يدل على إدراك الرئيس الروسي أن اللعبة السياسية للرئيس السوري، وحليفته إيران، تتمحور حول فكرة تحالف الأقليات في الشام. 

من ناحية أخرى، يدلّ السؤال، كما التصعيد، على أن حديث موسكو عن محاربة "داعش" والإرهاب، هو صدى لحديث بشار الأسد والإيرانيين عن الموضوع ذاته، وللدوافع نفسها. حديث عن محاربة الإرهاب غطاء سياسيا إما لخضوع السنة السوريين لحكم الأسد بحماية روسية إيرانية، أو لتقسيم سوريا وإخراج الأقليات عن حكم الأكثرية. 

وهذا ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأسبوع الماضي، أثناء زيارة الرئيس النمساوي، بقوله إن الحديث عن الديموقراطية في سوريا سابق لأوانه، ولا حاجة لأحد به الآن.

مهما تكن دوافع الروس، فإنك عندما تأخذ موقفهم مع الموقف الإيراني يتبيّن لك إلى أي حدّ خرج مستقبل سوريا منذ زمن عن يد الرئيس السوري وطاقمه الأمني والسياسي. 

منذ 1963، لم يكن الرئيس السوري إلا رئيسا بحكم أمر واقع مفروض بقوة السلاح والأجهزة الأمنية. لم يكن يوما رئيسا بحكم الشرعية والدستور. حتى هذا سكت عنه السوريون وقبلوا التعايش معه كأمر واقع. 

آنذاك على الأقل، كان الرئيس السوري رئيسا بحكم أمر واقع سوري. أما الآن، فالرئيس السوري تحوّل إلى ورقة تفاوضية في يد الآخرين. أصبح رئيسا بحكم واقع ليس سوريا على الإطلاق. يشبه الرئيس السوري في دوره وهدفه هذا، وكلاء العلامات التجارية الخارجية في الداخل. هو رئيس بحكم مصلحة إيرانية، ومصلحة روسية، ومصالح مليشيات لبنانية وعراقية. 

هل هو في هذه الحالة حقا رئيس؟ أم زعيم يملك أكبر مليشيا، يتمتع بأكبر دعم خارجي من بين زعماء الحرب الأهلية؟ لم يعد السوريون هم الذين يوفرون الحماية لـ"الرئيس". أصبح في حماية الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الشيعية والمظلّة العسكرية الروسية. 

والمذهل في ذلك كله، أن بشار الأسد هو من وضع نفسه في هذا الموقع، أولا بقراره إعلان الحرب على شعبه منذ اليوم الأول للانتفاضة، وثانيا باللعب مع الإرهابيين وإدخالهم في المشهد حتى يبدو أنه الخيار الأفضل لخارج بات يعتمد عليه إما للبقاء في الحكم، أو ليحتفظ بحصته في حال بات التقسيم هو الخيار الوحيد لسوريا. 

ومعه تحوّل الجيش للمرة الأولى من حامٍ للوطن وحدوده، إلى مدمِّر للوطن، تاركا حدوده مستباحة للحلفاء والأعداء معا. 

هل هناك متّسع بعد ذلك لسؤال عن التصعيد الروسي في ظل فراغ تركه الانسحاب الأمريكي والانقسام العربي حول سوريا؟

(عن صحيفة الحياة اللندنية 13 أيلول/ سبتمبر 2015)