خبر : إذا لم تعد المنظمة للشعب! بقلم: د.أحمد جميل عزم

الأربعاء 09 سبتمبر 2015 09:09 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 

تتجه الأنظار لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، المفترض بعد أيام. ويشكل هذا الانعقاد واحدة من فرص أخيرة لمعرفة مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية، ومستقبل العمل الفلسطيني؛ أي -بكلمات أخرى- هي مناسبة مهمة لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يستمر جزء من حلم أو جزء من توقع أنّ مؤسسة الشعب الفلسطيني الكيانية، إحدى أهم انجازاته وأدواته التاريخية (المنظمة)، قادرة على أن تعود موضوعاً للتفكير والطموح لدى الفلسطينيين في معركة التحرير، أم أنّ الاجتماعات المقبلة ستُثبِّت صورة "المنظمة" نادياً مغلقاً لنخب معينة، وليست إطاراً للتعبئة الشعبية والوطنية، وبما سيعني، ببساطة، المزيد من السعي الفلسطيني الشعبي إلى تطوير أدواته الجديدة، بعيداً عن الفصائل والمؤسسات القديمة. 
إذا ما نظرنا إلى ساحات العمل الفلسطيني، فيمكن التمييز بين ثلاث ساحات رئيسة، على نحو مختلف عن التقسيمات التقليدية. أولى هذه الساحات، مناطق فلسطينية لا "تخضع" لأجهزة السلطة الفلسطينية. ونتحدث هنا تحديداً عن أراضي الاحتلال الأول (الأراضي المحتلة العام 1948، والقدس الشرقية، وقطاع غزة). والمنطقة/ الساحة الثانية هي الفلسطينيون في الشتات. والشتات بحد ذاته أقسام بين الغرب والدول العربية وغيرها. وهذه أيضاً مناطق خارج إطار سيطرة السلطة. اما المنطقة/ الساحة الثالثة، فهي الواقعة تحت سيطرة "السلطة". وهناك مناطق رمادية (أي غير محددة فعلياً)، هي غالبية مناطق الضفة الغربية، ولا يسمح لأجهزة الأمن الفلسطينية بدخولها، أي مناطق "ب" و"ج".
يعني التقسيم السالف أنّه لا يوجد مجال لنشاط فلسطيني رسمي بالأدوات الحكومية التقليدية، إلا على جزء يسير جداً من الشعب الفلسطيني. وبالتالي، فإنّ القبول الطوعي هو الأساس الفعلي لوجود ونشاط منظمة التحرير وفصائلها وإفرازاتها من سلطة وغيرها. وكان القبول والإقبال الطوعيين تاريخياً على "المنظمة" باعتبارها ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين، وعلى الفصائل باعتبارها قنوات ومؤسسات ومنظمات العمل، بل وحتى باعتبارها الجماعات التي تعطي للإنسان الفلسطيني الإشباع العاطفي والشعور بالانتماء، وتقضي على شعوره بالعجز والتهميش؛ فكان يهتف لهذه الفصائل ويدافع عنها، ويصبح لون علمها لونه المفضل، وأغنياتها هي لحنه اليومي، بل ويبحث عن حبيبته وزوجته من داخلها أو من حولها، وتغدو مقراتها وقواعدها ومؤسساتها وركن طاولاتها في مقاصف الجامعات، هي بيته وملاذه. لكن كل هذا لم يعد موجوداً. 
إذا أعدنا النظر في التقسيم الثلاثي السابق الذكر لمناطق التواجد الفلسطيني، فسنجد أنّ المناطق خارج إطار عمل الإطار الرسمي الفلسطيني، الذي يحمل مشروع التحول للدولة، وهو مشروع كان حلم وطموح غالبية الشعب الفلسطيني، هي المناطق الأكثر نشاطا على صعيد المقاومة الفلسطينية ومواجهة الإسرائيليين بالأساليب التي تبنتها الثورة الفلسطينية ومنظمتها وفصائلها؛ أي بالأدوات الشعبية. ففي القدس الشرقية مواجهات شبه يومية، وكذلك هناك حركة وطنية متسعة ومتنامية بمؤسساتها الشعبية الغنائية، والأدبية، والفكرية، والحقوقية، ونشاطاتها الميدانية في الشارع، كل يوم تقريباً. 
وفي الشتات، وخصوصاً في الغرب، فإنّ نشاطات حركة المقاطعة (BDS) وحملات التضامن، تشكل إطار عمل الشبيبة الفلسطينية الجديدة، بعيداً نسبياً عن الفصائل ومنظمة التحرير. أما في الدول العربية، فربما تحد القيود الرسمية العربية من النشاط، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد شيء تحت السطح. 
بطبيعة الحال، فإنّ العمل الشعبي الفلسطيني، في جزء كبير منه على الأقل، يبحث عن إطار دبلوماسي وسياسي رسمي يدعمه ويعبر عنه ويجمعه. ومنظمة التحرير هي، تاريخياً، هذا الإطار. لكن ما يحدث الآن، أنّه مع عدم تجديد "المنظمة" وعدم فاعلية فصائلها، وترك التنظيمات الشعبية المجال لأجهزة حكومية وأمنية بيروقراطية تقليدية، من مهامها، وقيودها، التنسيق الأمني والحفاظ على الهدوء، يجد الناشطون أنفسهم يبحثون عن بديل. 
إذا رأينا أملا بتفعيل وتجديد منظمة التحرير بعد أيام، وعقب انعقاد المجلس الوطني (مع أنه لا مؤشرات تدعو للتفاؤل)، فإننا سنشهد "BDS" تعرف علاقاتها بشكل أفضل مع مؤسسات العمل الفلسطيني، وسنجد الشبيبة الفلسطينية في كل مكان تناقش وتجادل في برامح "المنظمة"، وتبحث عن مكانها فيها؛ وإلا فإنّ الحركة الوطنية الفلسطينية، التي ستستمر نشيطة بفعل الواقع الموضوعي وأجيال من الشبان الرافضين لواقعهم، ستستمر في البحث عن أطر عمل جامعة، تنهي تشظي العمل الفلسطيني، كالتي كانت "المنظمة" توفرها يوماً.

عن الغد الاردنية