خبر : عودة مشعل ... بقلم: عامر أبو شباب

السبت 15 أغسطس 2015 12:34 م / بتوقيت القدس +2GMT



غاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن المشهد منذ التلاسن الحاصل بعد انتخابات المكتب السياسي ومدى الاجماع حوله، وارتفاع أصوات بعض قادة حماس بغزة بعد شعورهم بالقوة في ظل وجود الرئيس المصري السابق محمد مرسي.

تحرك في اقليم متحرك

عودة مشعل بعد صمت طويل كانت في أمسية رمضانية بالدوحة كشف خلالها مشعل وجود وساطات أوربية مع حماس حول جثتين وأسيرين، ثم قفز في زيارة مفاجأة للسعودية برفقة أركان الحركة أبو مرزوق والعاروري ونزال في رسالة مباشرة أن حماس أقرب لحلف السنة بقيادة الملك سلمان، لكن الرسالة غير المباشرة أنها أيضا في حلف الاعتدال بعد اتجاه ايران للاعتدال أيضا.

السعودية وضعت الزيارة الحمساوية في دائرة حق أداء العمرة لكل المسلمين، فيما اعتبرت ايران أنها خطوات حمساوية نحو حلف الرياض، في المقابل ارتبكت تصريحات قادة حماس حول قيمة زيارة السعودية بعد توصيف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لها وما أتبعه سفير الرياض في القاهرة من تأكيد على أن قادة حماس فقط أدوا العمرة.

بعد زيارة الرياض والعودة للدوحة نقطة الارتكاز والانطلاق، تلقت حماس دعوة من وزير الخارجية الروسي لزيارة موسكو التي أصبحت تتحرك بشكل ثنائي مع واشنطن لفكفكة الأزمات ما بعد اتفاق ايران مع الغرب، خصوصا الملف السوري والذي سيليه الملف الفلسطيني حسب أبرز التقديرات.

مشعل في زيارة جديدة لتركيا ولقاء كبار المسؤولين الرئيس ورئيس الحكومة على عكس زيارة السعودية الغامضة كغموض النيات والمخططات، زيارة أعادت التأكيد على محورية تركيا في الملف الفلسطيني خصوا مع تزايد الحديث عن ممر مائي بين غزة وقبرص التركية، ممر مائي دفعت تركيا ثمنه 9 شهداء على سفينة مرمرة قبل خمس أعوام.

اذن.. لماذا عاد مشعل الذي فشل مع الرئيس عباس في تنفيذ أي اتفاقات أبرماها سويا؟

من الوضح أن مشعل جاء على خلفية رؤيته وفهمه لحركة الاقليم باتجاه الاستقرار بعد سيولة شديدة، يجب أن تتحرك معها القضية الفلسطينية المتوقفة بفعل الاستيطان والانقسام، حركة تتشابه -مع اختلاف كبير في الظروف- الحركة النشطة التي تلت حرب الخليج الثانية، وأدت الى توقيع اتفاق أوسلو، فالعراق سقطت بعده دول سوريا وليبيا التي كانت في ثلاثتها ضمن محور الشر رغم محاولات القذافي البائسة، وعدم قدرة دمشق على تلبية الشروط الدولية والاسرائيلية التي بسطتها تركيا على طاولة المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.

حراك مشعل يبقى بعيدا عن القرار ما لم يقترب من مصر والأردن رغم محاولات الدخول من البوابة السعودية، وذلك لأن القاهرة وعمان لا يزالان حلفاء أساسيين للسلطة الفلسطينية، كما أن اختلاف المواقف بين القاهرة والرياض ليس بسيطا وان كان المشترك حاليا يتفوق أكثر، خصوصا حيال الموقف من الاخوان المسلمين، وبالتأكيد مشعل يتمنى دعوة من القاهرة أو عمان كأسمى الأماني، الا أن الثمانيني والمهندس السياسي أبو مازن ما زال يدير أوراقه بذكاء عبر المبادرة الفرنسية في الخارج، وقدرته على احكام قبضته على مفاتيح المؤسسات الفلسطينية والشرعية الوطنية، رغم أن نتنياهو حدد خياراته بشأن حل الدولتين واتجه الى حوار مع غزة التي يعتبرها المنفى الفلسطيني القادم رغم أن أبو مازن يفوت عليه فرصة الاسراع في مخططاته بسلميته الشديدة جدا.

التركة ومدخل القيادة

الموقف الاسرائيلي والظروف الاقليمية كلها تؤكد أن حل الدولتين بدأ يتلاشى عمليا وسياسيا وفق اعلان لأوباما الذي دعا لإعمار غزة فقط، لذلك المشروع الفلسطيني الفاشل في المفاوضات والمقاومة بمفهومها العسكري الدفاعي المحصور في غزة، بدأ يفكر في العودة الى منظمة التحرير كاطار تحرري أوسع من السلطة الوهمية والمديونة، ولهذا يتسرب من أوساط حركة فتح أن أبو مازن يود العودة لرئاسة المنظمة فقط مع رئاسة فخرية لحركة فتح ويترك السلطة لمسير أو رئيس حكومة بمهمة أقرب لدور ادارة مدنية للبلديات والصحة والتعليم.

مشعل وعلى عكس قادة حماس في غزة يدرك أن قيادة المستقبل الفلسطيني ستكون عبر منظمة التحرير فقط التي قد تجد غزة مستقرا لها بعد فتح الميناء بدلا من المطار أو المقاطعة، ويدرك مشعل أن وراثة المنظمة لا يمنعها التقدم العمري لأبو مازن فقط بل احتفاظ مصر بورقة النائب محمد دحلان لخيار غزة والمنظمة كأقوى شخصية في فتح، كما يعوق ذلك بدرجة أقل أفكار بعض قادة حركة حماس التي لا ترى الأمور خارج حدود غزة.

الشرط التعجزي حاليا أمام وراثة مشعل يتمثل في الشرط الاسرائيلي الأمني المطلق والحازم، والمخطط الاسرائيلي المضاد لإدارة الصراع، فإسرائيل تقبل باستلام مشعل وحماس الأمور تحت مسمى هدنة لكن في غزة فقط وبدون سلاح، مع مفاوضات مفتوحة تستطيع اسرائيل ادارتها بكل أشكال المماطلة ليس حول القدس والعودة والمياه، بل حول الكهرباء وعدد الشاحنات ونشاط حماس في الضفة وشكل السفن في حال فتح الميناء.

يتحرك مشعل مظهرا رمزية عالية لنفسه كممثل لفلسطين، مع شعاراتية مكررة تشبه تلك التي استخدمها أبو عمار مع الفارق الشخصي والظرف الموضوعي، وهو يتحرك بين الحسابات العربية والاسلامية لتوحيد من لم يتوحدوا سابقا حول فلسطين.

تبقى مساعي مشعل في اطار المحاولة، امام حواجز كبيرة ووضوح اسرائيلي غير مسبوق. المخرج الوطني هو تجديد ادارة الصراع وتجديد الشرعيات دون اقصاء من خلال صياغة برنامج اجماع فلسطيني تقوده منظمة التحرير بعد دمج الفصائل الاسلامية، للتصدي لهجمة قادمة وقاسية من اسرائيل التي تسعى لالتهام الضفة والجولان في نهاية فوضى الشرق الاوسط الخلاقة.