خبر : "حماس" الوطنية والواقعية جداً! بقلم: د.احمد جميل عزم

السبت 08 أغسطس 2015 02:00 م / بتوقيت القدس +2GMT




نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ومقره بيروت، نصاً وصفه على موقعه على الإنترنت بأنه "نص مهم" لأسامة حمدان، العضو القيادي في حركة حماس، ومسؤول العلاقات الدولية للحركة في الفترة 2009-2013، بعنوان "العلاقات الدولية لحركة حماس". والنص إذا حاكمناه بما فيه من أفكار، فيمكن أن نستنتج أنّه جزء من "برنامج وطني" بامتياز. والوطنية هنا ليست مدحاً، وليست ذماً؛ ولكنها وصف، يؤدي إلى إثارة تساؤلات.

يحدد النص أُسسا عامة لعلاقات الحركة الدولية. ثم يقدم عرضاً تاريخياً بانورامياً سريعاً للعلاقات منذ العام 1987. وبقراءة الأفكار حول محددات "حماس" الدولية، نجد أفكارا يعبر عنها قول حمدان إنّ "حماس حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية"، وهذه قضية بالغة الدلالة.

يقول حمدان إنّ "الكيان الصهيوني (هو) العدو الوحيد للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، ومنها حركة حماس. وينطلق العداء له من كونه محتلاً للأراضي الفلسطينية ومغتصباً لحقوق الشعب الفلسطيني. والحركة بناء على ذلك ليس لديها مشكلة في التعاطي مع أيّ طرف إقليمي أو دولي، فالطرف الوحيد الذي لا تتعامل معه هو الذي احتل الأراضي الفلسطينية ودمر الحياة الفلسطينية وشرد اللاجئين". إذن، لا حديث لا عن غرب كافر (بحسب التعابير الإسلامية)، ولا عن إمبريالية أو استعمار (بحسب التعابير اليسارية).

بل ويحدد حمدان أن "قاعدة المصالح في علاقات الحركة السياسية تستند دائماً الى مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته. وبغض النظر عن طبيعة العلاقات السياسية المتاحة، وفرصها التي قد تبدو أحياناً مغرية، فإن علاقات الحركة يجب ألا تتعارض أو تؤثر سلباً على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني وقضيته". وهذه فكرة واقعية جداً (تنتمي للمدرسة الواقعية في علم العلاقات الدولية)، وتوضح إعلاء المصلحة الوطنية على الأيديولوجيا. ومن هنا يتحدث -مثلا- عن حوارات مع دبلوماسيين أميركيين حتى العام 1993 استاءت الحركة لأنها لم تطور لمستويات سياسية أعلى، وأوقفها الأميركيون بعد إدراج "حماس" على قائمة الإرهاب. بل إنّ تسلسل العرض التاريخي لعلاقات "حماس"، يلمح إلى أن تقدم العلاقات مع إيران كان إثر تراجع العلاقات مع الدول العربية، عقب اتفاقيات أوسلو.

لا يغفل حمدان الحديث عن الانتماء الأممي بالقول: "كان لإيمان الحركة بانتماء الشعب الفلسطيني لأمته، مكانة مهمة في إدارة علاقاتها السياسية. إذ آمنت الحركة بأن الشعب الفلسطيني جزء أصيل من الأمة العربية والإسلامية، وهي بهذا المعنى تمثل عمقه الاستراتيجي، والحضن الأساسي لحمايته ودعم قضيته، من دون إغفال للبعد الإنساني الذي يدفع كثيراً من أحرار العالم لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته". لكن الواضح في النص أنّ الحديث عن دعم أممي لفلسطين وقضيتها، وليس اشتراك الفلسطينيين في حركة موحدة، لدرجة أنّ حمدان يقول: "إنّ التباين في المواقف أو الرؤى تجاه قضايا غير قضية فلسطين يجب ألا يكون مانعاً لبناء علاقات تخدم القضية الفلسطينية".

هناك إشارات في نص حمدان أنّ البعد الإسلامي لدى الحركة ذو شق اجتماعي إلى حد كبير؛ فهو يقول إنّه مع دول حول العالم "نلمس احتراماً لالتزام الحركة الإسلامي وتقديراً للحركة التي يحترم أبناؤها قيم المجتمع الذي ينتمون إليه".

للأسف، لم يتوقف حمدان كثيراً عند "الربيع العربي"، وبالتالي توضيح علاقة الحركة بالإخوان المسلمين، وما إذا كان هناك مشروع أممي جامع موحد. وإذ يمكن لحماس أن تزعم أنّها في موضوع سورية مثلا، رفضت التضحية كلياً بإيمانها بحقوق الشعوب، وهو مبدأ عبر عنه نص حمدان بالقول "رفضت الحركة بناء أيّ شكل من العلاقات على قاعدة التوظيف السياسي لها أو لأدائها لصالح أجندات قد تتعارض مع مبادئها، أو مع مصالح الأمة أو مع مصلحة إنسانية عامة"، فإنّ الواضح من طروحات الورقة أنّ المنطلقات الفلسطينية الوطنية هي أساس محددات الحراك السياسي.

تكمن أهمية هذه الأفكار في تأكيدها تغلغل الفكرة الوطنية، وفكرة "الدولة الأمة" (أي الدولة التي تعبر عن شعبها ومواطنيها) في الفكر الإسلامي والعربي؛ وتعزز فرضية أنّ القوى العربية، حتى الأيديولوجية منها، تنطلق من مرجعياتها الوطنية وتدافع عنها، ولم يعد الحديث عن أمة عربية أو إسلامية واحدة، بل عن دول ومنظمات وأحزاب بمرجعيات اجتماعية وثقافية عربية وإسلامية.

عن الغد الاردنية