خبر : السعودية والاتفاق النووي مع إيران ...مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي

الأحد 26 يوليو 2015 09:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
السعودية والاتفاق النووي مع إيران ...مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي



غزة أطلس للدراسات

الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع إيران يعتبر خبرًا سيئًا في الرياض، إذ ان تفسير الاتفاق يعني ان إيران بالفعل تلقت اعترافًا دوليًا بأنها دولة "حافة نووية"، تنظر السعودية الى هذا التطور المتعدد المغازي على انه دليل على تقوي إيران (الخصم الأيديولوجي والجيواستراتيجي المركزي) على حسابها.

في رد على توقيع الاتفاق؛ نشرت وكالة الأنباء السعودية خبرًا إيجابيًا، وإن كان حذرًا ومترددًا، وكانت صياغته مشابهة لأقوال الملك السعودي سلمان للرئيس أوباما في المكالمة الهاتفية التي بادر بها الرئيس بعيد التوقيع على الاتفاق "العربية السعودية تؤيد أي اتفاق يضمن ان إيران لن تتسلح بالنووي"، ولكن محرر الصحيفة ذات الطابع السعودي (الشرق الأوسط) كانت أكثر انتقادًا تجاه الاتفاق في المقال الذي نشر تحت عنوان "الاتفاق يفتح بوابات الشر على المنطقة"، أضف الى ذلك انه ورغم ان البيت الملكي اختار ألا ينتقد الاتفاق علانية فإن أعماله في الواقع من شأنها ان تشهد على عدم الرضى من آثاره وانعكاساته.

بالإضافة الى الآثار "التقنية" للاتفاق؛ تخشى المملكة ان تكون الصفقة هي بداية للتقارب الإيراني الأمريكي، والذي سيكون على حساب علاقاتها هي مع الولايات المتحدة، الصفقة - وهذا ما يخشاه السعوديون - ستسمح لإيران بالمحافظة على قدراتها النووية اللازمة وبشكل فوري في حال لم تتخذ خطوات هجومية ضد محاولاتها زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وأكثر من ذلك فهناك خطر من ان انتقاد النظام الإيراني بسبب تصرفاته في إيران الداخل، وسيما على الساحة الإقليمية، حيث تتدخل إيران منذ سنوات بشكل تخريبي، ستتخذه إيران ذريعة لخرق الاتفاق وتخطي العتبة النووية. تزعم بعض الجهات الأمريكية الفصل بين الموضوع النووي والقضايا الإقليمية، غير ان الصرعات الداخلية في العراق وسوريا واليمن من شأنها ان تكون من الآن فصاعدًا رهينة الاتفاق مع إيران، بمعنى ان دولًا - وعلى راسها الولايات المتحدة - سترتدع عن اتخاذ سياسة تتعارض مع المصالح الإيرانية خشية ان تتراجع الأخيرة عن تعهداتها وفق الاتفاق وتجدد نشاطاتها الممنوعة في الجال النووي.

ويجب ان نذكر انه وعلى خلفية الكفاح ضد "الدولة الاسلامية" فقد حظيت إيران بمكانة اللاعب المسؤول (نسبيًا) وكشخص يمكن ان تعقد معه الصفقات، في نظر السعوديين فقد يكافئ الأمريكيون إيران بسبب "التنازلات" التي قدمتها في الاتفاق، فتسمح لها بحرية الحركة أكثر بكثير مما هو قائم حاليًا لتحقق أهدافها السياسية في الشرق الأوسط وتنسف عمليات لا تخدم تلك الأهداف، في المقابل فإن رفع العقوبات سيزود إيران بالمطامح لتقديم نفوذها الإقليمي وتجعلها أقل تضررًا من الناحية الاقتصادية وأكثر عدوانية في التقدم صوب أهدافها.

يخشى السعوديون من أن تنامي أمن إيران الذاتي والناتج عن الاتفاق سيسمح لها بمواصلة التدخل على الساحات المختلفة بسهولة أكثر، وأن تجند الى صفوف المحور الإقليمي الي تقوده لاعبين آخرين بهذا الخصوص، فمنذ زمن بعيد يسعى الإيرانيون الى دق الأوتاد بين عدد من دول الخليج والعربية السعودية، بعد الاتفاق يبدو ان هناك محاولة إيرانية متصاعدة بهذا الاتجاه، وليس مفاجئًا، سيما تجاه قطر وعمان، ويبدو هذا سبب النشاطات السعودية المتنامية والتي مفادها تقوية الجبهة السنية في مواجهة إيران وضم لاعبين آخرين إليها مثل تركيا وحماس.

رغم ان الاتفاق مع إيران من غير المتوقع ان يؤدي الى إطلاق برنامج نووي عسكري في العربية السعودية بشكل فوري، ففي لقاء التقوي التقليدي غير المسبوق في المملكة، فقد أدى الاتفاق بالرياض الى وضع استراتيجية تهدف الى إبقاء جميع الخيارات النووية مفتوحة، ولقد أفصحت المملكة عن توجهاتها النووية المدنية في العام 2006، ومن حينها فهي تدرس استخدام التقنية النووية في عدد من المجالات، من بين أمور كثيرة أعلنت عن برنامج نووي عملاق بتكلفة تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، وكذلك وقعت على قائمة من الاتفاقيات للتعاون النووي مع الكثير من الدول من بينها روسيا والأرجنتين والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا، الشروع في برنامج نووي مدني في المملكة العربية السعودية من شأنه ان يخدم أهدافًا مختلفة؛ فمن ناحية فإن برنامجًا يظهر بالتوازي مع ميثاق منع انتشار الأسلحة النووية الـ NPT قد تدل على انها هي أيضًا يمكنها ان تلعب هذه اللعبة، وأكثر من هذا فإن هذا البرنامج وسيما ان الخطاب السعودي بشأن رفضها التنازل عن تخصيب اليورانيوم تعتبر إشارة للمجتمع الدولي بخصوص الحاجة الى مواصلة ممارسة الضغط على إيران لتقوم بتطبيق شقها في الاتفاق.

على ضوء إضفاء الطابع الدولي للتخصيب في إيران؛ فليس بالإمكان استبعاد احتمال ان تتجه المملكة الى مسار مشابه، حتى بشكل يعارض السياسة الأمريكية؛ لذلك فإن لجنة تابعة للكونغرس بهذا الخصوص وجدت ان السعودية لن تتردد في المساس بعلاقاتها مع الولايات المتحدة بهدف "الحفاظ على مصالحها الحيوية"، فهم التهديد السعودي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمساعي إيران للتفوق الإقليمي، هذا الفهم لم يتغير مع توقيع الاتفاق؛ بل ربما تفاقم.

على ضوء هذا التطور؛ ستجد العربية السعودية صعوبة في معارضته، وبسبب دوافع التكلفة والتأثير أيضًا ستسعى الى بلورة رد، ولو جزئي، على التهديد الإيراني، فما المتوقع ان يتضمنه هذا الرد؟ الضمانات الأمريكية أولوية، ولكن حتى وإن قدم الأمريكيون هذه الضمانات الأمنية للسعودية - وهو أمر امتنع عنه الأمريكيون واقع الأمر الى وقتنا هذا - فهناك شك في ان تكتفي السعودية بها، الترويج لمنطقة خالية من السلاح النووي هو احتمال تدرسه الرياض أيضًا، بهذا الشأن فالاتفاق مع إيران من شأنه ان يؤدي أيضًا الى طرح الموضوع النووي الإسرائيلي على جدول الأعمال على وزن "إذا كانت إيران كذلك، فلماذا ليس إسرائيل؟"، تخوف المملكة من انه وفي سيناريوهات بعينها قد تجد نفسها تواجه إيران القوية وحدها قد يجعلها في وضع تمتلك فيه خيارات نووية مفتوحة، لديها أكثر من أي لاعب آخر في الشرق الأوسط، دافع استراتيجي، وقدرات اقتصادية تؤهلها للقيام بذلك.

في مركز السياسة السعودية الحالية؛ هناك الزعم انه يجب "الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم"، ذلك ان طهران تلقت تحديدًا هذا الحق، تطوير برنامج نووي مدني وفي صلبه القدرة على تخصيب اليورانيوم هو خيار على المدى البعيد، وبسبب عدم وجود بنية تحتية علمية ومواقع مناسبة لذلك في المملكة، لكن من وجهة نظر الرياض فإن الاتفاق مع إيران يوفر لها حوالي 10 سنوات تحافظ فيها إيران على ضبط النفس النووي، وفي إطار زمني كهذا ستتمكن المملكة من دراسة خيارات عديدة في المجال النووي في الحيز الإسترخائي المعروف بـ NPT.

وفي تقديرنا انه ولكي تطور برنامجًا نوويًا مدنيًا على المدى البعيد؛ فإن المملكة ستسعى الى إنجاز منسوجة من العلاقات مع عدد من الدول، باكستان مثلًا، فإن للمملكة علاقات أمنية وثيقة معها، وفي الفترة الأخيرة اندلعت خلافات بين الرياض وإسلام اباد بشأن الحرب في اليمن، ولكن إذا اقتنعت باكستان بضرورة مساعدة حليفتها - والتي لا توفر لها فقط جزءًا كبيرًا من برنامجها النووي، وإنما تقدم لها مساعدة اقتصادية كبيرة - فإنها ستكون مستعدة لمساعدتها، وإن ليس بطريقة رسمية على إقامة موقع لتخصيب اليورانيوم على أرض المملكة وعلى المدى البعيد.

ولأن عملية بناء قدرات نووية ذاتية تعتبر طويلة الأمد ومتطلبة، فإن على المملكة أن تجد ردًا على المدى القريب والمتوسط، تستطيع من خلاله ان تواجه التحدي الكامن في الحالة النووية الإيرانية، سيناريو محتمل آخر هو ان تضع باكستان في يد السعوديين رؤوسًا حربية نووية تحت سيطرتها في أراضي المملكة في إطار ترتيب الردع الموسع؛ هذا في حال القيام بخطوات مختلفة لها انعكاسات سلبية على الاستقرار الاقليمي عمومًا، وعلى إسرائيل خصوصًا.

ما يدور في شبه جزيرة العرب مغطىً جيدًا من قبل إسرائيل، والتي تؤكد بطبيعة الحال على مبدأ قدرتها على مواجهة إيران، وبناءً عليه؛ على إسرائيل ان تطور قدرة الجمع والتقدير الاستخباراتي خاصتها في مواجهة هذه الساحة أيضًا بهدف تشخيص محاولات دول اخرى ان تنتج في المستقبل توازنًا نوويًا لقاء إيران، يكفي بالأمور المفصلة أعلاه لتبرر على الأقل تقديرات إسرائيلية متجددة للأمر.