خبر : إسرائيل وتوظيف ربيع دول الطوق ..اطلس للدراسات

الخميس 09 يوليو 2015 06:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل وتوظيف ربيع دول الطوق ..اطلس للدراسات



غزة أطلس للدراسات

منذ اهتزاز الواقع العربي على إثر ما عرف بالربيع العربي، فقد وجدت الدول العربية نفسها في حالة مواجهة مستمرة وحالة من الثوران البركاني والانفلات، الذي قاد ولا زال الى حالة من تفكك الدولة وانكسار هيبتها وحروب داخلية طاحنه تصل حد الحروب الأهلية وحروب تدمير الذات، حرب الكل ضد الكل، حروب حولت الساحات العربية الى ساحات لعب إقليمية ودولية، وباتت فيها الدول العربية غير قادرة على التقاط الأنفاس أو أخذ زمام المبادرة، وغير قادرة حتى على تفسير وقراءة ما يحدث ومآلاته المستقبلية.

ومن بين كل دول المنطقة، إسرائيل كانت الدولة الوحيدة التي استطاعت بفضل قدراتها ومنظوماتها المعلوماتية والاستخباراتية ان تستثمر أحداث الربيع العربي وتوظفها وتستعد لها، وكانت أشبه بمن يمتطي ظهر النمر، فتجنبت المخاطر وحيدت طاقات الشعوب العربية وأبقت تأثيراتها بعيدًا عنها، وأكثر من ذلك انتقلت من دور المتفرج الى دور المشترك وصانع السياسات والأحداث.

في بداية عام 2011، ساد في إسرائيل قلق كبير من تحول الملايين العربية في الميادين لاحقًا الى طاقة متدحرجة كبيرة ضدها، وقد عزز هذا الخوف مشاعر الغضب العربية في الميادين ضد إسرائيل والحراك الشعبي الكبير على حدودها من قبل الجماهير الفلسطينية والعربية في ذكرى النكبة، عندما التحمت الجماهير الفلسطينية بحدود فلسطين مع لبنان وسوريا وتهديدات بالزحف المليوني عبر سيناء، وللأسف فقد انتهى ذلك الحراك بعشرات الشهداء والمصابين وانتهى كحدث يتيم.

ربما أحداث مايو 2011 على حدود دول الطوق مع إسرائيل، عززت لدى إسرائيل الشعور بالخطر الحقيقي جراء التحولات الديمقراطية وسقوط أنظمة الاستبداد والمؤشرات الكبرى لانتعاش الديمقراطية والتمثيل الحقيقي للأنظمة القادمة لإرادة الجماهير العربية، فعرفت إسرائيل ان خيارها الوحيد يحتم عليها الانتقال من دور المتفرج الى اللعب ودخول المعترك بشكل خفي، وتحويل المخاطر الى فرص سانحة لخلق جيوسياسيا جديدة تخدم مصالح اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يسعى لإفشال أي تسوية تستند الى حل الدولتين، وتسهل له، بل وتشرعن له اقتطاع وضم المزيد من الأراضي.

على المستوى السياسي؛ كان لا بد من استثمار علاقات سياسية مع أنظمة عربية توطدت عبر سنين، وبناء علاقات جديدة تقوم على إخراج إسرائيل من دائرة العداء وتحولها الى شريك وجزء من الحل، وإيجاد عدو أو أعداء آخرين للعرب، هذا من جهة، وتغذية الصراعات العربية الداخلية وإشعال جذوة لهب النيران الداخلية بهدف المزيد من التفتيت والتدير الذاتي لتبقى إسرائيل واحة الاستقرار الوحيدة في المنطقة في ظل الزلزال العميق الذي يضرب العالم العربي؛ الأمر الذي أفاد السياسية الخارجية الإسرائيلية على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وعزز الأيديولوجية اليمينة في الشارع الإسرائيلي، التي تقوم على التخويف من أي تسوية سياسية تنزع من إسرائيل السيادة والسيطرة على المعابر والحدود وعلى الأرض، التي ستتحول سريعًا - حسب الدعاية الإسرائيلية - الى بؤر إرهاب وعدم استقرار مثلها مثل بقية دول الجوار العربي.

أما على المستوى الأمني والعملياتي فكان التدخل الإسرائيلي الخفي في سوريا يزداد ويتصاعد ويتعمق يومًا بعد آخر، وكنا قبل وقت طويل تحدثنا عن دولة درعا والسياج البشري والأمني الذي تبنية إسرائيل بمساعدة شركاء إقليميين وبعض جهات المعارضة السورية على الأراضي السورية المحاذية للحدود مع إسرائيل، ورغم النفي الإسرائيلي المتكرر لتقديم أي مساعدات أو تعاون أو تدخل على الأرض السورية؛ فإن وزيريْن إسرائيلييْن كبيريْن قد اعترفا بذلك مؤخرًا، الوزير شتاينتس وزير الطاقة الإسرائيلي أعلن ان إسرائيل كانت تقف خلف الموقف الدولي بنزع أسلحة النظام السوري الكيماوية، كما ان الوزير يعلون وزير الجيش أعلن، بعد حادثة مقتل أحد جرحى جبهة النصرة على أيدي بعض دروز الجولان عندما كانت تقله سيارة إسعاف مع آخرين الى مستشفيات إسرائيل، ان إسرائيل تزود بعض فصائل المعارضة السورية المتمركزة في المنطقة الحدودية بالمساعدات المشروطة بشرطين؛ الأول ألا تكون الحدود الإسرائيلية جزءًا من مرمى نيرانهم، والثاني إبعاد المجموعات التي أسماها بالمتطرفة من المناطق الحدودية، أي بعبارات أخرى فإن الحديث يدور عن حزام أمني داخل الأراضي السورية لحماية الحدود الإسرائيلية، وهو أمر اشتغلت علية إسرائيل منذ سنتين بالتعاون مع أمريكا والأردن ودول عربية وإقليمية أخرى، هذا بالإضافة طبعًا للتعاون الإسرائيلي الكردي العلني والخفي على المستوى السياسي والأمني، والذي أثمر مؤخرًا عن انفتاح سياسي كردي على إسرائيل.

فإسرائيل نتنياهو تريد أن تحرق الحرب السورية كل ما تبقى من الدولة السورية، وصولًا الى التقسيم وخلق دويلات متناحرة ستؤدي حتمًا الى تحالف بعضها مع إسرائيل، بصفتها الدولة الأقوى والأكثر قدرة على المساعدة والتأثير في السياسات الدولية عبر حلفائها في الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض، وفي نفس الوقت حماية نفسها من النيران وضمان بقاء سيطرتها وضمها للجولان المحتل، فهي كمن يلعب بالنار مع احتياطات كافية بعدم اقترابها منه، ولمزيد من الحذر فقد بنت سياجًا الكترونيًا قويًا ومعقدًا على طول حدودها مع سوريا، وأعادت هيكلة وتعزيز وحدات جيشها في الجولان بما يمكنها من التصدي لأي اختراق أو تدهور للحالة الأمنية، وتقوم بين الحين والاخر بالتدخل الميداني عبر طائراتها أو مدفعيتها أو عبر قواتها الخاصة في قصف وعمليات كوماندو سرية.

أما على الساحة الأردنية؛ فلا زال استقرار الأردن أحد أهم ركائز الاستراتيجيات السياسية والأمنية الإسرائيلية على الساحة الأردنية التي لم تتغير منذ عقود طويلة، نظرًا لحساسية الديموغرافيا السكانية الأردنية وارتباط الأردن بالضفة والقدس ولطول الحدود مع الأردن، فاستقرار النظام الأردني لا زال يشكل مصلحة عليا إسرائيلية، وضامنًا للاستقرار الأمني والسياسي على الجبهة الأهم لإسرائيل.

على الساحة المصرية الأمر مختلف تمامًا، فبرغم اتفاقية "كامب ديفيد" واستقرار العلاقات السياسية بين مصر وإسرائيل، ورغم الحديث الكثير والصحيح عن تعمق العلاقات السياسية والأمنية بينهما في ظل نظام السيسي؛ فإن مصر تبقى بالنسبة لإسرائيل الخطر الكامن الأكبر، نظرًا لأنها الدولة العربية الأكبر، ونظرًا لمكانتها على المستوى العربي والإقليمي والدولي، تلك المكانة التي تكتسب أهمية وعراقة وبعدًا تاريخيًا لا يمكن تجاهله من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وذلك بغض النظر حالة الدولة المصرية، وبغض النظر عن طبيعة نظامها، فبرغم التوجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية العلنية باستثمار حالة انفتاح نظام السيسي على إسرائيل، والنشاط الديبلوماسي الإسرائيلي الذي يقود حملة دولية لدعم نظام السيسي؛ إلا انها لا تغفل حقيقة حتمية الاستعداد لليوم التالي لغياب نظام السيسي، سواء اغتيالًا أو تغييرًا ديموقراطيًا أو تغير توجهات نظام السيسي السياسية، فلدى إسرائيل قناعات راسخة باستحالة دوام املاءات "كامب ديفيد" السياسية، وأن يومًا لا بد سيأتي وتستعيد فيه مصر وشعبها عافيتها السياسية، وتستعيد دورها الريادي والقومي العربي.

مصر المستقبل بالنسبة لإسرائيل تشكل عدوها الأكبر الذي لابدّ من الاستعداد له، والسعي الدائم الخفي والدؤوب لتقويضه واستنزافه، وفي نفس الوقت الاستفادة قدر الإمكان ولأطول وقت ممكن من وجود نظام مستعد للتعاون مع إسرائيل، وعلى الرغم من الاستخدام الإسرائيلي الكبير لفزاعة "داعش" في سيناء؛ فإن إسرائيل حقًا لا تخشى الوجود الداعشي في سيناء، فإسرائيل تثق بقدراتها الاستخباراتية والأمنية والتكنولوجية والعسكرية القادرة على صد أي تهديد قد ينتج عن سيطرة "داعش" على بعض مناطق سيناء، أي ان إسرائيل تعتقد وربما بحق ان لديها من القدرة والامكانيات على احتواء مثل هذا الخطر والتصدي له بنجاح؛ بل ان الحرب التي تشعلها "داعش" في سيناء ضد الجيش المصري تمثل بالنسبة لإسرائيل صيد أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تستنزف الجيش المصري أولًا، الأمر الذي يؤدي الى استنزاف الخزينة المصرية، والى تعثر المشاريع النهضوية المصرية والى المزيد من العنف والمزيد من استبداد الدولة وبطشها وتعميق تبعية الدولة، وتفرض عليه تعميق علاقات التنسيق الأمني مع إسرائيل ثانيًا، وتخلق فرص لسلخ القطاع عن الجسم الوطني الفلسطيني ثالثًا.

صحيحٌ ان إسرائيل تقدم المساعدة والدعم لمصر في حربها ضد العصابات المسلحة في سيناء، سواء عبر موافقاتها السريعة لكل ما يطلبه الجانب المصري من إدخال القوات والأسلحة، وحتى فتح مجال سيناء الجوي أمام طائرات الـ F16 المصرية، والذي يشكل تجاوزًا لملاحق "كامب ديفيد" الأمنية، كما ان إسرائيل تقدم الكثير من المساعدة في المجال الأمني، لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا يتعلق بمدى جدية وعمق هذه المساعدات، وهل هي مساعدات شكلية وسطحية لذر الرماد في العيون؟ وهل تقدم كل ما لديها من معلومات؟