خبر : مصر وأموال الخليج .. بقلم: د‏.‏بهجت قرني

الثلاثاء 30 يونيو 2015 01:49 م / بتوقيت القدس +2GMT



يقول الخبر »الخليج لن يقدم منحا جديدة لمصر العام المقبل« أى 2016، الخبر منشور فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ 26 يونيو، وهو منسوب صراحة وفى العنوان بالبنط العريض إلى مسئول حكومي» لم تفصح الصحيفة عن ماهية هذا المسئول الحكومى أو مناسبة هذا التصريح أو سياقه، ولكنها أوردت بعض المعلومات المهمة عن تناقص المساعدات من 9،59 مليار جنيه فى 2014/ 2013 إلى 25.7 مليار جنيه فى العام الخالى ثم 2.2 مليار فقط فى العام المقبل، يضيف الخبر أن الحكومة لم تنجح منذ المؤتمر الاقتصادى الذى عقد بشرم الشيخ منتصف مارس الماضى فى الحصول على 6 مليارات دولار التى وعدت بها السعودية والكويت والإمارات فى شكل استثمارات، ضمن 12 مليار دولار وعدت بها الدول الثلاث بسبب عدم الاتفاق على المشروعات الاستثمارية التى تساهم فيها دول الخليج وتأخر الحكومة فى اصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار.

كما قلت فى بداية المقال لم تتضح بالمرة هوية هذا المسئول الحكومى من أى وزارة أو جهة وباسم من يتكلم، كما لا يوضح الخبر بالمرة سبب هذا التصريح الآن، وفى أى سياق بالضبط تم الادلاء به، ولكن التصريح غاية فى الوضوح ويستند إلى أرقام وتواريخ أى أنه موثق ثم وهذا الأهم لم يتم نفيه رسميا أو حتى الاعتراض عليه، سواء من مصر أو من دول الخليج

رأيى أن رب ضارة نافعة، فأى علاقة غير متوازنة فى سياسة مصر العربية أو الخارجية وتعتمد أساسا على المنح والمساعدات هى علاقة غير صحية عندما تكلم بعضنا بهذا المعنى منذ شهور وخاصة فى المؤتمر السنوى للمجلس المصرى للشئون الخارجية اعترضت بعض الأصوات بأننا نحاول »قطع أرزاق المصريين«فى وقت تحتاج فيه الدولة إلى من يساندها فى أزمتها لم يفكر هؤلاء أن صورة مصر التى تطلب دائما المساعدة المالية والمنح هى ليست فقط قيدا على حرية تحرك السياسة الخارجية المصرية ولكنها أيضا صورة غير كريمة وتسيء إلى هذا البلد، كما أنها تجرف اقتصاد مصر وسياستها إلى الاعتماد المفرط على مصدر واحد ـ الخليج ـ خاصة مع وجود عمالة مصرية متزايدة فى هذه البلاد، وبالتالى يصبح الاقتصاد المصرى أراد أم لا رهينة لهذا المصدر، الذى هو نفسه لا يتحكم فى مصادر دخله الأساسية بسبب تقلبات أسعار البترول فى العام.

يحترم قلقنا من الاعتماد المفرط على طرف واحد التحليل القائم على بيانات وأرقام، اقليمية أو عالمية هو فعلا يبتعد عن العواطف، أو كما ذكرتنى احدى الزميلات، وهى دكتورة فى العلوم السياسية، ان مصر لها حق فى أن يرد إليها الآخرون الجميل ومهما كان هذا الجميل، فان قوانين السياسة لا تعترف به كأساس فى السياسة الخارجية وخاصة خارج نطاق الأزمات المؤقتة أو على المدى الطويل.

كان معى على نفس المنصة د.ابتسام الكتبى الباحثة النابهة ومديرة مركز الإمارات لتحليل السياسات ـ التى رأت الا تعلق على مبدأ «السياسة كرد للجميل»، السياسة إذن هى حسابات وتخطيط، أو نظريات حديثة فى علم السياسة، ودراسة جدوي، أى تقييم الفوائد والخسائر وهناك اتفاق عام على أنها يجب ألا تكون أسيرا سياسيا واقتصاديا أو غيره على مصدر واحد ألا نلاحظ ما تفعله السعودية حاليا من الانفتاح على موسكو وباريس، وفى مجالات الدفاع بدلا من الاقتصار على واشنطن التى هى حليفتها التقليدية منذ مقابلة روزفلت والراحل عبدالعزيز آل سعود على بارجة حربية أمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية.

ما هو المطلوب الآن على المستوى المصرى على المدى القصير والطويل:

1 ـ من المفروض أن يشهد الشهر القادم مؤتمرا للشراكة الاستراتيجية بين مصر وأمريكا، واعتقد أن مؤتمرا للشراكة الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج هو أهم وأكثر إلحاحا ان تدور فيه المناقشات بكل الوضوح والصراحة، وأن يقوم على أوراق علمية من جانب الطرفين حتى لا تدخل المناقشات فى مجاملات غير مجدية أو وعود لا يمكن الوفاء بها.

2 ـ أن تخطط النخبة الحاكمة فى مصر لتنويع آليات المساعدة من الخارج وبناء على برنامج واضح يحدد تواريخ وأوجه صرف هذه المساعدات بحيث توجه فعلا لدعم الاقتصاد حتى يقوم من كبوته وليس لأمور مؤقتة مثل مواجهة عجز الموازنة العامة، فالمساعدة الناجحة، حسب البنك الدولى ومعظم المصادر الخارجية الجادة، هى التى تتوج بعدم الاحتياج إليها على المدى القريب أو المتوسط والاستغناء عنها.

3 ـ على المدى الطويل يجب أن تضع النخبة الحاكمة حدا لإدمان مصر المساعدات الخارجية، فى الحقيقة يشعر الكثير منا بالزهقان والإهانة من النظر إلى هذا البلد على أن كل همه هو التسول من أجل المساعدات الخارجية لماذا هذه التركيبة الذهنية عن ديمومة المساعدات فى بلد يتمتع بإمكانات بشرية واقتصادية تثير حسد الكثيرين؟ لماذا استطاعت بلاد مثل كوريا الجنوبية أو ماليزيا أن تعتمد على نفسها، بينما لا تستطيع مصر؟

ألم أقل ان عدم استمرار المساعدات الخليجية قد يؤكد أن رب ضارة نافعة؟ فننتهز هذه الفرصة ونضع مسيرة ومصير مصر على نهج آخر غير الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية.

عن الاهرام