خبر : "داعش".. موروث إسلامي متطرف صنعوه بمقاسهم وواجب مواجهته ..بقلم: نافذ غنيم

الثلاثاء 30 يونيو 2015 01:32 م / بتوقيت القدس +2GMT




ليست هي المرة الأولى التي تسعى أمريكيا ودول الغرب بالتعاون المباشر مع رأس الظلم والعدوان إسرائيل، وبعض الدول الرجعية في المنطقة، خلق تنظيمات وحركات تخدم أهدافها ومصالحها الإستراتيجية، وهي تدرك بان النفاذ إلى أي مجتمع يرتكز إلى قضيتين أساسيتين، أولهما ..ثقافته العامة وفي القلب منها طبيعة الدين السائد في البلاد وموروثه المتراكم، وثانيهما.. أوضاع الجماهير المعيشية وفي مقدمة ذلك حالة البطالة والفقر، لتستغل إفرازاتها من تذمر وإحباط وسخط شعبي تجاه النظام القائم، او تجاه القوى السياسية العاجزة عن خلق البديل للحالة البائسة التي يعانيها الشعب .

"سأجعل منهم سوطا يلهب ظهر الشرق الوسط"، هذا ما انطلق منه "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي في سبعينات القرن المنصرم، في رؤيته تجاه مستقبل منطقة الشرق الأوسط وإستراتيجية التوجه الأمريكي في استغلال قوى الإسلام السياسي في المنطقة، إن تحقيق هذا الهدف اعد له بعناية فائقة، ولا يتخيل احد بان توالي الأحداث القائمة في منطقتنا قد أتي بمحض الصدفة او وفقا لسياسات عفوية، هذا لا يعني أن هناك أوضاع اقتصادية او سياسية بائسة تخلق حالة من التمرد الشعبي الذي قد يصاحبه حالة من التطرف في هذا البلد او ذلك تنتج بصورة تلقائية وغير مخطط لها، لكن في كل الأحوال يتم استغلال ذلك والاستفادة منه قدر الإمكان من قبل القوى والدول المتحكمة في المنطقة لصالح تحقيق أهدافها الإستراتيجية، إما بالتطويع والتدجين، وإما بالحصار والكسر، أو بكلاهما معا .

إن المناخ العام وما راكمته الأحداث والتطورات في المنطقة العربية خلقت حالة من التطرف الديني الغير مسبوق، بل وقد ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب وإسرائيل على إنضاج ذلك، مستغلة نتائجه بما يخدم مصالحها القائمة على تحطيم مقومات الدولة الوطنية، وتمزيق مؤسسات الدولة وتشتيت وحدة أراضيها، وضرب القيم النبيلة التي تشكل صمام امان هذه الشعوب ووحدتها، ليسهل السيطرة عليها وإبقائها لعقود طويلة متصارعة ومتناحرة بعد ان كان يجمعها الانتماء الوطني والقومي والثقافي والمصالح المشتركة، إنها باختصار الفوضى الخلاقة التي نظرت لها وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق " كونداليزا رايس " .

كان من الصعب على تلك الدول المتحكمة في منطقتنا ان تنفذ لتحقيق مشروعها هذا من خلال قوى سياسية تحمل فكرا قوميا او علمانيا او شيوعيا، لان مثل هذه القوى يجمعها قاسم مشترك هو الإيمان بوطنية الدولة، والحفاظ على مؤسساتها ووحدة أراضيها، وكذلك الاعتزاز بالانتماء القومي وبالتراث الوطني، وإن تباينت فيما بينها في بعض الرؤى تجاه ذلك . بينما قوى الإسلام السياسي وبخاصة المتطرف منها لا يؤمن بالدولة الوطنية، ولا بوحدة مؤسسات الدولة القائمة، ولا تقيم أي وزن لوحدة أراضي الدولة وكذلك وحدة الشعب، ولا ايضا بالديمقراطية كثابت من ثوابت النظام السياسي، لان هدفها بالأساس إقامة خلافتها الإسلامية على أي بقعة تستطيع السيطرة والتحكم فيها، لتقيم إمارتها الظلامية وسحق الآخرين ممن يخالفونهم المعتقد الفكري والاجتماعي، كما يجرى الآن في مناطق داخل سوريا والعراق من قبل تنظيم الدولة الإسلامية " داعش "

إن نشأة هذا التنظيم زمانا ومكانا وملابسات، تضع علامات تساؤل كبيرة على من يقف ورائه ويرعاه ويموله، كما يترك سلوكه على الأرض تساؤلات اكبر لا سيما تجاه ما يلجأ إليه من ممارسات فاشية وإرهابية تتناقض وابسط القيم الانسانية، وهي تتناقض تناقضا صارخا مع ابسط المفاهيم القائمة على العدل والقانون والديمقراطية والمواطنة، وتجاه الحق الأساسي للبشر في الحياة بعيدا عن القتل .

إن مخرجات الحالة " الداعشية " في منطقتنا يمكن تلخيصها بالاتي..

اولا: رفع مستوى التطرف والحقد والعنف بين أبناء الشعب الواحد .

ثانيا: تصعيد النزعات الطائفية والمذهبية وصولا للصدام الدموي.

ثالثا: تحطيم قيم الوحدة والمشاركة والتسامح والتآخي والمحبة بين الطوائف والتوجهات والانتماءات المتباينة داخل المجتمع .

رابعا: تفتيت وحدة الأراضي، وتقسيمها إلى كيانات هزيلة متناحرة .

خامسا: تحطيم مؤسسات الدولة، وسحق الرموز الوطنية التي توحد الشعب .

سادسا: نحر القيم الإنسانية مع نحرهم لأول إنسان وصلت إليه سيوفهم السوداء، ومع أول " آمة " باعوها في سوق النخاسة الأسود .

سابعا: من خلال فكرهم التكفيري الاقصائي الإرهابي الطابع، ابرزوا وباسم الإسلام الوجه العنيف والغير محبب للشعوب ، الأمر الذي يحمل تبعات كبيرة حتى تجاه منطق وطريقة تعامل الناس مع الدين ذاته .

ثامنا: سهلوا على القوى والدول الخارجية التدخل في شئون الدول والشعوب الداخلية، بل واستفادت تلك الدول من سياساتهم - ان لم يكن هم من رسموها أصلا – في تحقيق مآربها في السيطرة وإعادة تقسيم الشرق الوسط وفقا لمصالح الاستعمارية .

تاسعا: ما يقومون به من سياسات وممارسات تعتبر أفضل الوصفات لذبح أي تنمية ممكن يحققها المجتمع، لتحقيق هدف الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم .

عاشرا: وفي بلادنا فلسطين يجرى استغلال الحالة لتعزيز الصراعات الداخلية، لترسيخ حالة الانقسام اكثر واكثر، وليسهل على الإسرائيليين تحقيق أهدافهم العدوانية، كما جرى ويجرى الآن في مدينة القدس العربية، وما صدر من بيان مشبوه من اجل إثارة نزعة التناحر الديني بين المسلمين والمسيحيين ليسهل على إسرائيل تهويد القدس وإطباق سيطرتها عليها، بعد تفريغها التام من سكانها العرب، المسلمين منهم والمسيحيين .

إن اتساع مساحة عمل هذا التنظيم جغرافيا وبشريا، وغيره من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، يشكل خطرا محدقا على مستقبل الأمة العربية والإسلامية جمعاء، وان التصدي لسياساتهم وتأثيرهم أمرا بات واجبا وطنيا وقوميا وأخلاقيا، وهو أمرا ليس سهلا، لا سيما وانه يأتي في سياق حالة أُريد لها ان تكون كذلك، لتُقطف ثمارها من قبل القوى التي تسعى للحفاظ على مصالحها في المنطقة، كما ان الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلادنا وما وصلنا إليه من أزمات يساهم في نمو التطرف والعنف بعناوينه المختلفة، وبخاصة فكر وتنظيم " داعش " الذي يحتضن كل هذه المخرجات ويستفيد منها في مساعيه التوسعية وتأثيره الإقليمي والدولي. كما أن ضعف تأثير القوي السياسية والاجتماعية التي تحمل فكرا تنويريا وبخاصة القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية، يساهم في انتشار أفكار هذا التنظيم بل ويساهم في انتماء الشباب له الذين يندفع الكثير منهم باتجاه التطرف بسبب انسداد الأفق المستقبلي أمامهم .

هناك مشكلة أساس وهي المنابع الفكرية التي يستند إليها الإسلام السياسي المتطرف عندنا وفي مقدمتها تنظيم " داعش "، تلك المنابع التي عبرت عنها الاجتهادات المتلاحقة وفقا لمصالحها وزمانها ومكانها، وهي الآن تعبر عن ذاتها بصورة مكثفة من العنف والإرهاب والقمع واغتيال إنسانية الإنسان .. كل هذا لم يكن غائبا بل حاضرا على طاولة البحث والتوجيه والبناء لما يُراد أن يكون عليه شرق أوسطنا من ضعف وهوان لأجل تحقيق مصالح تلك الدول التي طحنتنا عبر التاريخ بأساليب وأدوات مختلفة.

إن أولى متطلبات التصدي لهذا الفكر الأصولي المتطرف ومواجهة تعبيراته التنظيمية التوسعية يتمثل في معالجة الأساس الاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم مصالح الناس وينعكس على وعيهم ومزاجهم وتوجهاتهم، وبما يحقق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، وان تعالج قضايا الشباب كأولوية وطنية داخل كل مجتمع، كما تتحمل الطليعة السياسية في كل بلد المسئولية تجاه ذلك، لا سيما قوى الديمقراطية والتنوير الفكري ، في أن تعزز في حياتها الداخلية كل ما يناهض هذا الفكر الأسود، ويشجع أعضائها على مواجهته بعيدا عن الجبن او الخوف او التردد، وان تعبر عن قضايا الناس الحياتية في كافة تفاصيلها، وتأخذها للنضال بالاتجاه الصحيح من اجل تحسين أوضاعها وبناء مستقبلها بأفق وطني ديمقراطي جاد، كما تتحمل مفاصل المجتمع الأخرى مسؤولياتها تجاه ذلك، سواء كانت مؤسسات المجتمع المدني والمدرسة والبيت وغيرها، في فضح والتصدي لهذا الفكر المتطرف، ومواجهة السلوكيات الجماعية او الفردية مهما كان صغرها، والتي تؤسس إلى "دعشنة" المجتمع وانحرافة، وبخاصة نهج التسلط والقمع والعنف والتميز بكافة أنواعه، والتعاطف مع أي فعل قمعي او ارهابي مهما كان نوعه وحجمه، والابتعاد عن منهجية التفكير العلمي في رؤية الأشياء وتفاعلاتها، وإتباع سياسة التلقين بدل التفكير والانفتاح، واستبداد الرأي والاستخفاف بالأخر ومعتقدة وأحيانا تكفيره، والتدخل بشئون الآخرين الخاصة وإنكار عليهم حريتهم، وتعزيز مفاهيم رفض الشراكة، وتنمية النزاعات والمفاهيم الطائفية والمذهبية المتخلفة، وعدم التدقيق في الاجتهادات والمسلكيات المتخلفة التي ينسبها البعض للدين لترسيخها كمسلمات، وقد تكون نتاج حزبي وطائفي واجتهادات فردية وجماعية في غير مكانها . باختصار علينا أولا أن نقاوم ما بداخلنا من "دواعش" صغيرة حتى لا يصبح "داعش" في كل بيت وكل غرفة وكل زاوية .