خبر : أردوغان لا يجد من يبايعه! مهند عبد الحميد

الثلاثاء 09 يونيو 2015 07:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT



جالَ في جهات البلاد الأربع مستعرضا ملكته الخطابية، متجاوزا الحيادية المفترضة برئيس لكل البلاد، لعب بروفة سلطان ورعية، مفترضا ان  البيعة في جيبه، ومستندا الى رصيد 13 سنة من الاستفراد في حكم البلد. كان يريد من الانتخابات بيعة شعبية مدوية، ترفعه الى مرتبة سلطان، أهم من كل أسلافه السلاطين، فجاء التفويض الشعبي أقل مما كان عليه. لم يمض طويل ساعات حتى انهارت أحلام السلطان بعد ان قال الشعب التركي لا للسلطان الجديد القديم. 
بلغة أخرى، بذل حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان قصارى جهوده للحصول على 367 مقعدا في البرلمان الجديد (بما يساوي الثلثين)، كي يتسنى له تغيير الدستور التركي، او 330 مقعدا كحد أدنى كي يتسنى له عمل استفتاء شعبي حول تغيير الدستور. والهدف من وراء ذلك هو تحويل نظام الحكم من نظام برلماني، الى نظام رئاسي ذي صلاحيات مطلقة. كانت النتيجة صاعقة، عندما لم يحصل حزب العدالة والتنمية على 267 مقعدا تؤهله لتشكيل حكومة جديدة، وقد حصل على 260 مقعدا فقط اقل 8% من المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2011. الحزب الحاكم المنفرد في الحكم لم يعد قادرا على الانفراد منذ ان خرجت نتائج التصويت لـ 98% من الناخبين.
الحزب الحاكم المنفرد الذي رفض الشركاء على امتداد ثلاثة عشر عاما، ستفرض عليه نتائج الانتخابات الجديدة شركاء بسياسات داخلية وخارجية غير تلك التي اعتاد على اعتمادها وتصديرها. انه التغيير الذي أتى به الشعب التركي مؤخرا، بل التغيير الذي صنعه الشعب الكردي في تركيا بقيادة حزب العمال الذي قدم نموذجا تقدميا لافتا، بتقاسم النساء نصف المقاعد مع الرجال في قوائمه الانتخابية وإشغالهن حوالي 40 مقعدا من اصل 80 مقعدا فاز بها الأكراد في البرلمان الجديد، وهو ما لم تفعله كل الأحزاب الأخرى. وكانت نساء «كوباني» محط الإعجاب في مقاومتهن الشجاعة لتنظيم «داعش» وفي مساهمتهن في تحريرها. كان ابلغ وصف لنتائج الانتخابات هو ما قاله سيري ثريا رئيس الكتلة الكردية: انتصرت الديمقراطية على الاستبداد، والحرية على القمع، والتواضع على العنجهية، والسلام على الحرب.  
شراكة حزب العدالة والتنمية الاضطرارية مع أي كتلة انتخابية، ستجعله يدفع ثمنا كبيرا للكتلة التي تقبل الائتلاف معه في الحكومة الجديدة. وكل شروط الكتل الثلاث صعبه جدا على حزب العدالة. شروط لها صلة بالعلمانية، وشروط لها صلة بموقف حكومة العدالة والتنمية المريب من «داعش»، وأخرى لها صلة بالحريات الديمقراطية، وبحقوق الأكراد، وغير ذلك من قائمة شروط محملة بإرث من تفرد الإسلام السياسي في الحكم يمتد الى 13 سنة مضت. 
لماذا تراجع حزب العدالة والتنمية في تركيا؟ يجوز القول، لأنه أراد أن يستأثر بالحكم ويتمكن أكثر فأكثر، من خلال دستور جديد يضع كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية الذي هو بلون الإسلام السياسي، وعندما استشعر الجمهور الخطر أنزل الحزب من عليائه. هناك من يعزو التراجع الى تباطؤ الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة، وكانت سياسة الحزب الاقتصادية التي استهدفت الطبقات الوسطى هي رافعته الى السلطة. 
سبب آخر لتراجع حزب العدالة هو قمع الصحافيين والمنتقدين للحكومة والحزب، والمس بالحقوق المدنية وبالديمقراطية من خلال قمع الاحتجاجات السلمية كما جاء في تقارير منظمة العفو الدولية التي قالت: «إن الحكومة التركية انتهكت حقوق الإنسان على نطاق واسع عندما واجهت احتجاجات سلمية في حديقة غيزي وميدان تقسيم وانتهكت حق المواطنين في التجمع السلمي، والحق في الحياة، والحماية من التعذيب وسوء المعاملة، والاعتداءات الجنسية بحق المحتجات. 
موقف حكومة اردوغان – أوغلو المتواطئ مع تنظيم «داعش» ودوره الإجرامي في العراق وسورية، لعب دورا في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية. فحسب تقارير دولية فإن الحكومة التركية سهلت دخول المال والسلاح والمتطوعين لـ»داعش» عبر أراضيها. وتشتري النفط العراقي والسوري الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش» بعشر السعر العالمي، وتشتري الحبوب والبقول (ثلث ما ينتجه العراق) بأسعار قليلة. وهي بهذا المعنى شريكة في الإرهاب. وتحفظت الحكومة التركية في المشاركة في الحلف الدولي ضد الإرهاب، وتواطأت مع احتلال «داعش» لمدينة كوباني المتاخمة لحدودها مع سورية. موقف الحكومة من جهة ثانية لم يتحسس نبض الشارع التركي الذي عبر 53% منه عن قلقه من وجود «داعش» قريبا من الحدود السورية التركية.
تراجع حزب العدالة والتنمية في تركيا، هو الحلقة الثالثة من تراجع الإسلام السياسي وتنظيمه المركزي «الإخوان المسلمون». كانت الحلقة الأولى هزيمة حكم الإخوان في مصر. والحلقة الثانية تراجع حكم الإخوان في تونس. 
أسباب الفشل والتراجع في الحلقات الثلاث واحدة. وهي الاستفراد والاستحواذ على الحكم ومقاومة مبدأ الشراكة مع الآخر صراحة ومواربة. الرفض يعود الى استحالة التوفيق بين مدنية ودينية الدولة. كانوا يتحدثون عن دولة مدنية ويسعون الى دولة دينية، وحاولوا الجمع بينهما في موقف مزدوج، وكانوا ينتظرون اللحظة الملائمة للحسم لمصلحة الدولة الدينية. 
إن من يدقق في المسار الذي اتخذه حزب العدالة والتنمية وهو حالة متقدمة نظرا للتطور الاجتماعي والاقتصادي، سيجد خطا بيانيا صاعدا وإن تعرج قليلا، نحو الدولة الدينية. 
النموذج المصري صعد بسرعة فائقة نحو الدولة الدينية لكنه هوى من شدة الصعود. أما حزب النهضة فقد صعد سريعا لكنه تراجع وحاول التكيف مع الدولة المدنية. الشراكة والاندماج اللذان لا يمكن ان يتحققا إلا في دولة مدنية مستقلة عن استخدام المقدس الديني. إنه التحدي الذي ما يزال يواجه قوى الإسلام السياسي. فهل تستوعب قوى الإسلام السياسي ما جرى في الحلقات الثلاث. 
اعتبر حلفاء أردوغان ان تراجعه في الانتخابات سيحد من قدرته على صياغة سياسة إقليمية معادية لاسرائيل. وتوقعوا ان الحكومة الجديدة لن تسمح بتبني نفس السياسات التي تمثل تهديدا لاسرائيل، وأضافوا، هناك احتمال كبير بأن يجبر أردوغان على تغيير سياسته تجاه حركة حماس وأن يتوقف عن منح الحركة مظلة إقليمية ودولية. وليس من المستبعد أن يحال تراجع حزب العدالة والتنمية الى مؤامرة. قد تخسر «حماس» و»الإخوان المسلمون» بمختلف فروعهم من تراجع حليفهم في تركيا. لكن معاداة وتهديد تركيا الاردوغانية العضو في «الناتو» لاسرائيل كلام بحاجة الى إثبات وتدقيق. 
Mohanned_t@yahoo.com