خبر : نِكايةٌ في النِكايةِ... بقلم: فراس ياغي

الخميس 04 يونيو 2015 03:47 م / بتوقيت القدس +2GMT



ليست نكايه بأحد...لكنها نكاية بالنكاية نفسها...فصائل متعددة ومجموعات مختلفه تعيش واقع النكاية...تصوروا العقل السلفي في غزة يطلق صواريخ نكاية بِ "حماس"...ويهدد بجر "غزة" لحرب إذا لم تفرج "حماس" عن معتقليه "عفوا داعشيّيه"...طبعا مصطلح "النكاية" ليس جديدا في واقعنا الفلسطيني والعربي عموما بل وحتى الإسلامي...ويبدو أنه من الموروثات التي أورثنا إياها العقل السلفي على إمتداد الماضي السحيق والقريب والحاضر...ومعنى كلمة نكاية في معجم المعاجم الجامع " المصدر نَكَى بمعنى، فَعَلَ ما فَعَل نِكايةً به أي تَشفيّاً فيه وإغضاباً له، ونَكَى الجُرح أي قَشَره ولكن لم يبرأ منه، ونَكَى العدوَّ أي أوقعَ به وهزمه وغلبه"...لكن النكاية عندنا وفي واقعنا هي توريط المسئول عن فِعل الآخرين، أو ضرب الضعيف لعدم القدرة على ضرب حليفه القوي...أو لأسباب شخصيه لهزيمه شخص بفعل شيء غير مباشر ضده.
في السابق كانت مجموعات من "فتح" تقوم بفعل "النكاية" ضد بعض المسئولين في فتح في قيادة السلطه الفلسطينيه، وكانت "حماس" تمارس هذا الفعل "المقاوم" نكاية بالسلطة الفلسطينية في "غزة" ولإثبات عجزها عن السيطره على الأمن هناك وعدم قدرتها على حماية المعاهدات والإتفاقات المبرمه مع الكيان الصهيوني...اليوم يُمارَس ضد حماس ما كانت تُمارسه ضد غيرها في السابق...ويبدو أن المَقاصد "النكاووية" لم تكن يوما إلا تعبير عن ثقافه متأصله في واقعنا العربي...فالسعودية الآن تدمر اليمن الضعيف نكاية في إيران القويه التي لا تجرؤ على مواجهتها، وفي سوريا الدولة ببنيتها تَتَدمّر نكاية بالنظام، وبالنسبة لِ "قطر" و "السعودية" و "تركيا" إسقاط الرئيس الأسد "فّشّروا" أهم من الدولة السورية لأنهم بأموالهم سيعيدون بناؤها "طبعا كذبه كبيره"، بينما سياسة أمريكيا والكيان الصهيوني هي في جوهرها تدمير الدولة والجيش السوري، فيعملون على أن يزيدوا فعل "النكاية" لدى المستعربين العرب والمتأسلمين غير العرب، والشيخ الغني المزواج "القرضاوي" نكاية بالمرحوم العقيد الدكتاتور القذافي "لا تجوز إلا الرحمه على الأموات" دعا للتحالف مع "الناتو" ومع الشيطان لإسقاطه وإسقاط الدولة السورية، وإعتبر أن ضرب "ظالم بظالم" قاعدة شرعيه وفقهيه أساسها "النكاية"...بعض القبائل العربية "السنية" في "العراق" تتحالف مع قاتلها وذابحها "الدّاعشي" نكاية ب "الشيعه"...وحركة "فتح" نكاية ببعضها البعض ضمن نخبها أسقطت نفسها في الإنتخابات التشريعية في العام 2006...ولا تزال قاعدة "النكاية" عنوان عريض لدى الدول والمجموعات والحركات السياسيه وحتى التي تسمي نفسها "مقاومه" في فلسطين وبالذات الحركات الإسلامية في غزة.
الشعب العربي والفلسطيني والغزاوي المسكين يعيش ما بين "النكايات"، فمستقبله ومعيشته وحياته كلها مرتبطه بهذا الفعل "نَكَى"، ومرة أخرى بمعنى جلب المصائب وجلب الدمار وليس بمفهوم التشفي فقط ولا بمفهوم هزيمة الأعداء، لأن العدو لديهم أخ وإبن عم لهم أو سلطه لا تعجبهم أو رئيس قاهرهم، مفهوم العاجز الذي يريد أن يختبيء في غطاء الظالم لجلبه لساحته وضرب شقيقه او دولته وحتى نفسه...نُخب سياسيه وإسلاميه قاصره في نظرتها الإستراتيجيه والتكتيكيه وحقدها على بعضها البعض أكبر بكثير من حقدها على أعدائها.
يقول الشاعر مرار بن منقذ التميمي:
ضَعيفُ النّكَايّة أعْدَاءَهُ.............يَخَالُ الفِرَارَ يُرَاخي الأجَلْ
الشاعر يوصف حالتنا، فهذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، أو يقهرهم، أو ينازلهم القتال، فيظن أن الهرب والفرار من الحرب يُبعد عنه الموت، ويُفسح له في العمر، وعندنا في غزة يكون الهروب بتوريط الغزّاويين في حرب ليس فيها لهم دور ولا إرادة، والعرب يدمرون بعضهم البعض للهروب من الحَداثه كأساس للتطور، فيهربون نحو "داعش" و "جبهة النصره" ومفهوم الموروث الإسلامي السلفي بأشكاله المختلفه الذي لا يرى غيرَ الخلافه الراشديه والتاريخ الدموي الأموي والعباسي والمماليكي والإستعمار العثماني كأساس لمستقبل الأمه، وآخرين يرون المستقبل ب "الحور العين" رغم أن هناك معنى آخر لكلمة "حور" وهو العنب الأبيض، و كلمة "العين" بمعنى الحجر البلوري البارد، فالمسلمين الصالحين الذين يدخلون الجنه يأكلون "عنب أبيض بارد" وساكني النار يأكلون من "شجرة الزّقوم" والله أعلم.
ونكايةً في نفسي كتبت نكاية في النكاية لكي أجلب لنفسي المُناكيين ممن مارس فِعلْ "نَكَى". فاللهم ونحن في منتصف شهر "شعبان" وعلى أبواب شهر الفضيله "رمضان" نجينا من كل مُناكي ومن كل نِكايه.