خبر : أنت القاتل يا شيخ ... بقلم : د.وليد القططي

الخميس 28 مايو 2015 08:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
أنت القاتل يا شيخ ... بقلم : د.وليد القططي



في رواية ( أنت القاتل يا شيخ ) للكاتب والروائي الفلسطيني سلمان ناطور وهو من أدباء الداخل الفلسطيني ، وردت قصة أحد المجندين الدروز في الجيش الإسرائيلي الذي يقتل أخاه على الجبهة السورية دون أن يعلم ، وكان والدهما قد أنجب ولداً في فلسطين ، و صدف أنه كان في سوريا في حرب 48 ، وتزوج هناك وأنجب ولداً آخراً ، والرواية تناقش قضية التجنيد الإلزامي للعرب الدروز في الجيش الإسرائيلي ، وتحمل المسئولية لمجموعة من مشايخ الطائفة الدرزية وعلى رأسهم أمين طريف حيث أن  هذه المجموعة هي التي وافقت على التجنيد الإجباري للدروز عام 1956 ، وبالتالي فهي تتحمل مسئولية قتل الأخ لأخيه في الرواية حيث عبر عن ذلك بقوله في نهاية الرواية ( أنت القاتل يا شيخ ) في إشارة للشيخ أمين طريف زعيم الطائفة ، الذي أصدر هذه الفتوى الملزمة لجميع الدروز بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي وقتل إخوانهم  في الطرف الآخر ، وبالتالي فإن كل شاب درزي يقتل أو يُقتل أثناء خدمته العسكرية فهذا الشيخ يتحمل وزره قاتلاً أو مقتولاً .
ووفقاً لهذه المنهجية التي تبحث في شركاء عمليات القتل التي تحدث في منطقتنا العربية تحت غطاء كثيف من الفتاوى الدينية التي تكفّر الآخر المختلف ، يمكننا استعارة عنوان رواية سلمان ناطور  (أنت القاتل يا شيخ ) لتوجيه الاتهام لكل عالم دين يصدر فتاوى التكفير التي تقود بالضرورة إلى عمليات القتل الجماعي و آخرها ما حدث في مسجد الإمام علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ في بلدة القديح بمحافظة القطيف شرق المملكة العربية السعودية بتاريخ 22 مايو الحالي ، فمن ينفذ عمليات القتل على الخلفية المذهبية أو الفكرية أو السياسية أو الحزبية .... يُعتبر هو الحلقة الأخيرة في مسلسل  طويل تبدأ أولى حلقاته بهذه الفتاوى التكفيرية التي تبيح دم وعرض ومال من يتم تكفيره ، والمنبثقة بدورها من أرضية عقائدية وخلفية فكرية تًنظّر لهذه العقيدة المتعصبة ولهذا الفكر المتطرف وتعطى الشرعية لعمليات القتل وغيرها من الجرائم بل وتشجعها ، فيصبح الدين دافعاً للقتل والجريمة بدلاً من أن يكون مانعاً للقتل والجريمة .
ولم يعد الأمر مقتصراً على علماء الدين أصحاب الفتاوى التكفيرية المحرّضة على القتل ، بل تعداه ليشمل الكثير من الإعلاميين والكتاب التي انزلقت أقدامهم في جرف هار من الحرب المذهبية الملعونة ، فأصبحوا جزءاً من هذه الحرب المشئومة بدلاً من أن يكونوا جزءاً من عملية إخماد نارها ، وأصبحوا مشاركين في التحريض على الكراهية و التعصب بدلاً من أن يشاركوا في الدعوة للحب والتسامح ، و أصبحوا دعاة شرذمة وتفريق للأمة الواحدة والشعب الواحد والوطن الواحد بدلاً من أن يكونوا دعاة وحدة و توحيد للأمة والشعب والوطن ....وبذلك وضع الإعلاميون والكتاب أنفسهم في نفس دائرة علماء الدين المتعصبين وغيرهم من السياسيين أصحاب المصالح في استمرار الفتن و الحروب الداخلية و الأهلية ، فينطبق عليهم الاتهام الوارد في رواية ( أنت القاتل يا شيخ ) .
وإذا أردنا التوضيح أكثر في حادثة تفجير القديح ، وانطلاقاً من منهجية ( أنت القاتل يا شيخ ) فإن من أعلن مسؤوليته عن هذه العملية الإرهابية ضد المصلين في المسجد هو تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً باسم ( داعش ) ، وهذا التنظيم هو أحد تجليات القاعدة غير أنه تفّوق عليها تطرفاً وعنفاً ودموية ، وتنظيم القاعدة انبثق بدوره من الفكر السلفي الوهابي بعد أن طعّمهُ ببعض أفكار المدرسة الجهادية التكفيرية المصرية ، ولا زال هذا الفكر هو الذي يعتنقه الكثير من علماء الدين في السعودية وخارجها بالرغم من أن الدولة السعودية تحارب القاعدة و داعش ، فإن هذه الحرب لن تؤتى أُكلها بدون محاربة فكر القاعدة وداعش ، وهذا يتطلب إجراء عملية تصحيح للفكر السلفي الوهابي في المملكة لتخليصه من نبتة التكفير و عقيدة الفرقة الناجية ، وإعادة النظر في بعض الاجتهادات الفقهية التي تعتبر بعض المعاصي والبدع شركاً بالله ، أشد من شرك كفار قريش ...  
وخلاصة الأمر فإن عدم تكرار حادثة تفجير مسجد القديح وغيرها من العمليات الإرهابية والحروب الأهلية ذات الطابع المذهبي أو الطائفي أو الحزبي يقتضي محاربة الفكر الذي أدى إلى هذه الجرائم بمختلف أشكالها ومن كل الجهات والأطراف ،و خاصة علماء الدين  كي لا يكونوا مشاركين في الجرائم التي تُرتكب باسم الدين ، وللقضاء على هذه الجرائم يجب التصدي لهذا الفكر الذي لا يقبل الاختلاف ، وهذه الثقافة التي لا تقبل التنوع ، وتلك الرؤية الأحادية التي لا تقبل الأخر ، وذلك الفقه الذي لا يقبل الاجتهاد ، كما يجب وقف مهاجمة الرموز الدينية للأمة التي يعود لها الفضل بعد الله تعالى في وصول الإسلام إلينا ، لأن ذلك من شأنه التحريض المستمر على الكراهية والعنف .