خبر : ما بين عصام السرطاوي واحمد يوسف .. عقلانية الفكرة ومنزلقات التطبيق ..د.ابراهيم ابراش

الخميس 07 مايو 2015 09:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما بين عصام السرطاوي واحمد يوسف .. عقلانية الفكرة ومنزلقات التطبيق ..د.ابراهيم ابراش



وأنا اتابع ردة الفعل القوية لبعض قيادات حركة حماسعلى القيادي الحمساوي الدكتور أحمد يوسف بسببتصريحاته المتكررة والجريئة سواء عندما قال بوجود"دردشات" بين حماس وإسرائيل وقبل ذلك فتحه قنوات اتصال لحركة حماس مع اوروبيين وأمريكيين وإسرائيليينب الإضافة إلى كثير من مواقفه العقلانية والمعتدلة ،استحضرت في ذهني قضية الدكتور عصام السرطاوي ،وإن كنت أتمنى ألا يكون مصير الدكتور احمد يوسف مصير السرطاوي الذي اغتالته جماعة أبو نضال التي قيل لاحقا أنها كانت على صلة بالمخابرات الامريكية ومختَرَقةإسرائيليا ، إلا أن قواسم مشتركة كثيرة بين الشخصيتينودورهما ، كل في حركته وتنظيمه ، فكل منهما تمتكليفه من قيادته بمهمة صعبة وغير محبَبَة عند الجمهور وتتعارض مع المنطلقات والمبادئ الأولى للحركة ،وبالتالي أسيء فهم الشخص والتصرف عند الجمهور .

بدأت قصة دكتور عصام السرطاوي في بداية السبعينياتحيث تبنى المجلس الوطني الفلسطيني هدف/شعارفلسطين الديمقراطية التي يتعايش فيها اليهودوالمسيحيين والمسلمين في دولة واحدة ، وهذا يتطلب كسر تابو الاتصال باليهود والإسرائيليين غير الصهاينة،وهدف كهذا يحتاج إلى اختراق المجتمع الإسرائيليللبحث عن مريدين لهذا الهدف من اليهود ، واختراق الفكر الاوروبي والأمريكي لتوصيل الفكرة إليهم ودفعهم لتبنيها ، وكان الاعتقاد آنذاك أن هذا الهدف والتواصل مع اليهود سيجعل الغرب واليهود المعتدلين أكثر تفهما وقبولا لمنظمة التحرير ونهجها السياسي .

ولكن ، ولأن الزمن كان زمن الشعارات الثورية الكبيرة وزمن المطلقات المقدسة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا –تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، والكفاح المسلحالطريق الوحيد لتحرير فلسطين ، واليهود والغرب أعداءللشعب الفلسطيني والعربي لا يجوز التواصل أو التعامل معهم – لذا كان من المحرم على القيادة الفلسطينية أنتقوم بنفسها بالتواصل مع هؤلاء الأعداء حتى لا تسيءإلى طهريتها وصورتها عند الجماهير التي تم تعبئتها علىغير هذا الهدف.

ومن هنا سعت المنظمة للبحث عن شخصيات وطنيةجريئة تستطيع من خلالها تمرير هذه الرؤية وكسرالحصار عن منظمة التحرير وتحريرها من شعاراتهاوالتزاماتها الأولى بعد انكشاف محدودية العملالعسكري الفلسطيني لوحده على تحرير فلسطين،ومحدودية القدرة العربية على مساعدة الفلسطينيينوهو ما تكشف بعد أحداث أيلول في الاردن وبعدها حربأكتوبر 1973 ، وكذلك لقطع الطريق على المملكةالأردنية التي كانت متمنعة في التنازل عن تمثيل الشعبالفلسطيني .

كان الدكتور عصام السرطاوي أحد من وقع عليهم الاختيارليقوم بهذه "المهمة القذرة " كما وصفها السرطاوي نفسه في اجتماع للقيادة ردا على مَن كانوا يتهمونه بالخيانة وتخلوا عنه عندما انكشفت الاتصالات ، ففي ذلك الزمان والوقت كان الاتصال باليهود والغربيين وخصوصا الأمريكيين نوعا من الانتحار والخيانة الوطنية حسبالمفاهيم والقيم السياسية الشعبية . وبالفعل بدأ السرطاوي عمل اتصالاته وهو في موقع المسؤولية فيحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ،التي كانت سريةثم اصبحت علنية منذ عام 1976 .

كان الدكتور عصام السرطاوي إبن قرية سرطة في الضفة الغربية طبيبا يعيش في الولايات المتحدةالامريكية وله علاقات وصداقات واسعة مع مثقفين امريكيين وأوروبيين ويهود ، ونتيجة علاقاته الواسعة ومعرفته للعقلية الغربية وكيفية التعامل معها بالإضافةإلى تشكيله وترأسه لجماعة فلسطينية فقد لفت في بداية السبعينيات انتباه قيادة منظمة التحرير وخصوصا محمود عباس الذي كان غير راض عن مخرجات العملالعسكري وقدرته على إنجاز الهدف الوطني ، وكانمهتما بكيفية التواصل مع العالم الغربي واختراق المجتمع الإسرائيلي وخصوصا بعد رؤية الحصاد الهزيل لحرب اكتوبر 1973 . ومن خلال أبو مازن قام الراحلياسر عرفات بتعيين السرطاوي مستشاراً للشؤونالخارجية لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلىعضويته في المجلس الوطني الفلسطيني وفي المجلسالثوري لحركة فتح .

قبول السرطاوي بهذه المهمة ومباشرته الاتصال مع إسرائيليين وغربيين بتكليف رسمي غير معلن من القيادةالفلسطينية ،أثار غضب فلسطينيين وغير فلسطينيينباعتبار ما يقوم به السرطاوي خيانة وطنية ، وكان منضمن هؤلاء الغاضبين صبري البنا " أبو نضال " الذي كلف عناصره باغتيال السرطاوي ، وهذا ما جرى حيث تماغتياله في فندق البوفيرا في لشبونه /البرتغال يومالعاشر من ابريل 1983 أثناء مشاركته في دورهللاشتراكية الأممية ممثلا لمنظمة التحرير.

وكان التاريخ يُعيد نفسه وسبق أن كتبنا وقلنا إن حركةحماس تعيد انتاج تجربة منظمة التحرير وحركة فتح. يبدوأنه وقع الاختيار على الدكتور احمد يوسف ليلعب نفس الدور الذي لعبه الدكتور السرطاوي ، في ظروف تمر بها حماس تشبه الظروف التي مرت بها حركة فتح ومنظمةالتحرير في السبعينيات ،مع اختلاف الصفة التمثيلية وأهداف كل من منظمة التحرير وحركة حماس . جزء منإعادة التاريخ والتجربة هو ما يجري مع الدكتور احمديوسف بخصوص اتصالاته ومواقفه خارج صندوق أقانيمحركة حماس .

الدكتور احمد يوسف حاصل على درجة الدكتوراه وعاش لسنوات في الولايات المتحدة ، وخلال معيشته في الولايات المتحدة وسفرياته لكثير من دول العالم وإطلاعه على كثير من تجارب الشعوب أصبح يتميز بعقلية واقعية وعقلانية مكنته من نسج علاقات كثيرة مع شخصيات امريكية وغربية ويهودية أراد أن يوظفها لصالح جماعةالإخوان المسلمين التي ينتمي إليها أولا قبل انتمائهلحركة حماس .

اما حركة حماس ، وبعد فوزها بالانتخابات التشريعية فييناير 2006 ، وتفسيرها الانتخابات بأنها تفويض لها بقيادة الشعب الفلسطيني ، تحدث السيد خالد مشع لرئيس المكتب السياسي للحركة في ديسمبر 2006 لصحيفة "كوريرا دي لا سيرا " الايطالية قائلا إن حماس هي "العنوان الوحيد للحل" ! ، ولاحقا ، وبعد اكتشاف محدودية المقاومة المسلحة والتي تبدت من خلال ثلاثة حروب مدمرة على قطاع غزة ، كل ذلك عزز دافعية حركة حماس لتحاول التعامل مع العالم الخارجي على أساس أنها ممثلة الشعب الفلسطيني ولتكسر احتكار منظمة التحرير لتمثيل الشعب ،ولتكسر الحصار المفروض عليها وعلى قطاع غزة.

ولكن وبما أن كثيرا من دول العالم الخارجي تعتبر حركة حماس منظمة إرهابية وينتابها الشك حول أهدافها ، ولأن قيادة حركة حماس المُقَيدة نظريا بميثاق الحركة وشعاراتها ومطلقاتها المعلنة - الجهاد حتى تحرير كامل فلسطين وعدم الاعتراف بإسرائيل ،وفلسطين وقف إسلامي الخ – لا تستطيع أن تكسر المحرمات مرة واحدة لأن جمهور حماس معبئ بالمطلقات والمنطلقات ألأولى ، فقد اوعزت القيادة العليا للإخوان ولحركة حماس لبعض القيادات العقلانية والمتفتحة بأن تتواصل مع الغرب وعلى رأسه واشنطن ومع الإسرائيليين . كان هدف وطموح حماس من هذه الاتصالات في المرحلة الأولى التي تلت الانتخابات التشريعية مباشرة هو استقطاب الأطراف الخارجية للتعامل مع حماس كممثلة للشعب الفلسطيني ، وكانت الاتصالات آنذاك سرية ومحدود وحذرة ، وفي مرحلة ثانية أصبح هدف هذه الاتصالات أكثر جرأة وعلنية إلا أن اهدافها باتت تنحصر بكسر الحصار عن غزة والمطالبة بالتعامل مع الحركة مباشرة في كل ما يخص فك الحصار عن القطاع وإعادة الإعمار وربما فتح ميناء مقابل هدنة طويلة.

كان الدكتور احمد يوسف من اولئك الاشخاص من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين قبلوا القيام بهذه المهمة ، دون أن تعرف كثيرا من قيادات حماس وخصوصا من الصف الثاني وكذا عناصر حماس العاديين حقيقة أن الدكتور احمد يوسف لا يتصرف من تلقاء نفسه بل يقوم بمهمة بتكليف رسمي من الحركة حتى وإن مؤمنا بصحة ما يقوم به . وهناك دول كقطر وتركيا ، وشخصيات حمساوية وإخوانية عربية وغير عربية من خارج الاراضي المحتلة يقومون بهذا الدور .

نقطة الافتراق بين التجربتين ،أن سعي حركة حماسللتفاوض مع الإسرائيليين سيكون أمرا خطيرا ، ليس فقطلأن حركة حماس أضفت طابعا دينيا مقدسا على مواقفها الرافضة للاعتراف بإسرائيل أو التفاوض معها ، ولا لأنهتحت هذه الشعارات سقط الآلاف من الشهداء والجرحىوالمعاقين والأسرى ، بل لأن حركة حماس قد تضطر للتفاوض على قطاع غزة فقط دون الضفة والقدس وحقعودة اللاجئين ، ولأن هكذا مفاوضات ستكسر مبدأ وحدانية التمثيل الفلسطيني وستعمق الانقسام وستخدم إسرائيل كثيرا ،حيث لن تمانع إسرائيل بل سترحب بخوض مفاوضات مع طرفين فلسطينيين متصارعين على السلطة ولكل منهما أهداف مختلفة عن الآخر ، وستعمل إسرائيلعلى ابتزاز الطرفين ودفع كل واحد لتقديم مزيد منالتنازلات لها مقابل اعتراف إسرائيل به كممثل للشعبالفلسطيني أو منحه مزيدا من الصلاحيات ، كل في نطاق السلطة الوهمية التي بيده سواء في قطاع غزة او فيالضفة الفلسطينية .

والخلاصة أن فكرة التواصل والانفتاح على العالمالخارجي وعلى إسرائيل بل والتفاوض معهما ليستفكرة خاطئة من حيث المبدأ ،ولكن المنزلقات والتخوفاتتكمن في الهدف من هذه المفاوضات والاتصالات وفيآلية التطبيق وفي الفريق المفاوض وفي غياب استراتيجية وطنية محل توافق وطني حول المفاوضات.وحيث ثبت أن المفاوضات التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الإسرائيليين بدلا من أن تؤدي لاختراقالجبهة الداخلية عندهم أدت لأن تخترقنا إسرائيلبالاستيطان والتهويد وبالانقسام وبإفساد نخبة المجتمع وتفقير الشعب ، فلا نعتقد أن مفاوضات حماس ستكون افضل حالا .