خبر : نميمة البلد: دحلان من جديد ...جهاد حرب

الجمعة 24 أبريل 2015 12:45 م / بتوقيت القدس +2GMT



التقيت صديقي في بهو إحدى الفنادق الفاخرة خارج البلاد، صديقي هذا خبيرٌ ذو اطلاع وفير، وذو حظوة لدى المنتفذين. يفضل صديقي كلام الغرف المغلقة، ويكره الحديث أمام الجماعات أو وسائل الاعلام؛ يتناول المواضيع صغيرها وكبيرها دون وجل أو خجل، ويعلق هنا ويحلل هناك، ويسأل ويجيب، ويضع تصورات وسيناريوهات احيانا صائبة ودقيقة وكأنه يرسم طريق حياتنا، أو يصنع سياسة البلاد ويتحكم بالعباد، وأحيانا أشعر أنه غائب في تصوراته حد الملهاة وتحركه نظرية المؤامرة. وبما ان المكان خارج البلاد كان مرتاح البال هانئ لا يخاف من سماع احد لنميمته.

بادرني صديقي بسؤالٍ، قبل كلامات الترحيب والتحية المعهودة، عن قرار محكمة جرائم الفساد المتعلقة بعضو المجلس التشريعي محمد دحلان. ولأنني أعرف صديقي وأسئلته الاستنكارية وتلك الاسئلة التي لا تخلو من مكرٍ ودهاء، قلت هل ترى غضاضة في نظر المحكمة بالقضايا المرفوعة، ألم تطالب أنت وغيرك الكثير، بإحالة الاتهامات المتعددة للقضاء للفصل فيها بدلا من مشاغلة الناس بها اعلاميا، والتوقف عن سَوّقِ الاتهامات دون تحقيق وأدلة وبيّنات.

دخل صاحبي بكل ثقله في تحليل خلفيات القرار، على الطريقة الفلسطينية في الغرف المغلقة، وكأن انفجارا حدث في البلاد، ماسكا الامر من تلابيبه، فقال أشعر أن أمرا خفيا خلف قرار المحكمة وأن واحدا من السيناريوهين فقط هو الصحيح. قلت هاتِ ما عندك من قبل ما ادلي بدلوي أنا الاخر. قال صاحبي السيناريو الاول: اصدار قرار برفض الدعوى لكي يقوم دحلان وجماعته بكيل المديح للمحكمة والقضاة ونزاهتهم، وبما أن قرار المحكمة "محكمة جرائم الفساد" غير قطعي أو بات أو نهائي، لذا عند استئناف النيابة المختصة الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قد تقضي بالإدانة، حينها لا يستطيع دحلان وغيره القول إن القضاء غير نزيه أو أنه خاضع للسلطة التنفيذية، فمن غير المعقول تصديق مدح اليوم وتكذيب ذم الغد للقضاة. قلت في نفسي اذا كان هذا السنياريو الأول هكذا يا ويلَنا من السيناريو الثاني.

واستطرد صديقي في تحليله "تخيلاته" قائلا إن السيناريو الثاني يتمثل بأن أوامر صدرت "أوعز" للقضاء لاتخاذ قرار هكذا لإيجاد مخرج قانوني لازمة سياسية. قاطعت صديقي قائلا لطالما قال الرئيس محمود عباس أمام شاشات التلفاز وفي مقابلاته مع من يتدخل لحل الازمة أن القضية امام القضاء، وان القضاء مستقل ونزيه، وهو الحكم في هذه القضية، وعندما يفصل بها لكل حادثة حديث. لكن صديقي وكأنه لم يسمع تعليقي أو بالأحرى لا يرغب بسماع هكذا حديث استمر في سرد تخيله، فالاتصالات والوساطات لم تعد مقتصرة على دولتي الامارات ومصر لرأب الصدع بل تدخلت المملكة السعودية قائدة عاصفة الحزم، وأخيرا تدخل الرجل القوي في لبنان اللواء عباس ابراهيم حسب تسريبات الصحفي ناصر اللحام والكاتب سفيان ابو زايدة المصادر عليمة لدى النقيضين، أي وراء الأكمة ما وراءها.

هنا أوقفت صاحبي عن الكلام مستنجدا بذاكرتي، وقلت له لدي سيناريو ثالث قد غاب عن ذهنك أو عقلك التآمري أو على الأقل التشاؤمي، وهو أن القضاء انتصر للقانون والمجلس التشريعي "الغائب"، فبعد أن تخلت المحكمة العليا عند انعقادها بصفتها الدستورية عن اختصاصاتها بالقول إن القرار بقانون الخاص برفع الحصانة عن النائب محمد دحلان لا يرقى إلى قانون، وفي شرحها قالت المحكمة آنذاك "إن ما يميز القانون، أو ما هو في حكمه كالقرار بقانون، إذا ما تضمن قواعد عامة مجردة توجه للكافة وهذه القواعد لا تقتصر على شخص بعينه"، وبعد رد الطعن أمام محكمة العدل العليا في موضوع رفع الحصانة عن دحلان، بات على محكمة الموضوع "محكمة جرائم الفساد" التصدي لمسألة الحصانة وصاحب الاختصاص في رفعها قبل النظر في موضوع القضية.

وهو بالتأكيد اجتهاد للقضاة بل اكثر من ذلك شجاعة. لكن الخوف اليوم ان يحصل معهم ما حصل لقاضي الصلح الذي اجتهد في تطبيق القانون الفلسطيني على من يرتكب جريمة في الاراضي الفلسطينية خلافا لاتفاق اوسلو ولتقادم نصوصه.

وقلت إن هذا الاجتهاد محمود وهذه الشجاعة مطلوبة في سلك القضاة ولدى المستشارين المؤتمنين سواء في الاختلاف أو في الاتفاق مع الحاكم لاستنارة الطريق وبلوغ الحصافة في اتخاذ القرار . واستدركت قائلا علينا ألا ننكر هذا الاجتهاد والشجاعة أيضا على قضاة محكمة الاستئناف أو النقض اذا ما اتخذت قرارا مخالفا لقرار محكمة البداية يرى قضاة المحكمة أنه عين الحقيقة. أدار صاحبي ظهره، ومن ثم استدار بعد برهة من الوقت، وقال أقلقت موازين عقلي بحديثك القانوني البعيد عن السياسية التي أمهر في فهمها لكنك اليوم كنت اكثر دهاءً مني.