خبر : الــثــنــائــيــات الــقــاتــلــة ....مهند عبد الحميد

الثلاثاء 14 أبريل 2015 08:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الخطاب الذي تقدمه النخب السياسية والثقافية في الصراع على اليمن يضع الناس أمام خيار واحد هو تأييد حلف (الحوثيين والمؤسسة العسكرية التي يسيطر عليها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والقبائل الموالية له  وإيران). وفي الجهة الاخرى يقدم خطاب آخر يضع الناس أمام خيار واحد  ايضا هو تأييد التحالف الذي تقوده ( السعودية وتشارك به 10 دول عربية). الداعمون للحلف الايراني ينطلقون من انحيازهم للشعب اليمني ومصالحه العليا. والداعمون للحلف السعودي ينطلقون ايضا من انحيازهم للشعب اليمني ومصالحه العليا.
 عنصر القوة في موقف الداعمين للحلف الايراني، هو التأييد  والدعم الاميركي الصريح للحلف السعودي، والتقاطع مع رغبة حكومة نتنياهو في تقديم ايران كخطر مشترك يهدد شعوب المنطقة، وهذا ما يتجاهله خطاب الحلف السعودي وأنصاره.
 وعنصر القوة في موقف الداعمين للحلف السعودي، هو التدخل والسعي الايراني للسيطرة على اليمن وتعميم نموذج الحكم العراقي المذهبي الذي يستند لمليشيا دينية (الحشد الشعبي) الذي مارس جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم داعش.أو دعم ايران  لحكم ديكتاتوري دموي في سورية. وتحالف الحوثيين مع الرئيس المستبد المخلوع علي صالح الذي أذاق المر لليمنيين وقام بتصفية الحزب الاشتراكي واستباحة» اليمن الديمقراطي» سابقا،  وهذا ما يتجاهله  خطاب الحلف الايراني وأنصاره. 
المسالة المركزية والحاسمة التي يرتكز عليها الداعمون لايران ومحور الممانعة – المقاومة،  هي :  الاصطفاف ضد اميركا واسرائيل. فهذا  وحده يبرر التأييد والدعم المطلق للمصطفين في ذلك المحور  ويسمح بتجاهل كل انتهاك لحقوق مواطنيهم، وكل استبداد وكل قمع للحريات وللمطالب المشروعة، وكل مذهبية وطائفية تصبغ النظام بصبغتها. الاصطفاف يسمح  بكل شيء لانه يدغدغ  العاطفة والمشاعر ولا يحرك ساكنا في العقول. الاصطفاف ضد أميركا وإسرائيل يكفي حتى وإن خلا من اي فعل جدي ضدهما،  ولم يرتبط بإنجاز أهداف الشعوب او الاهداف المعلنة.  حتى لو كان الخطاب ضد اميركا  بالاقوال وكانت الافعال تحالفا مع اميركا على الأرض، كما يحدث الان في الحرب ضد داعش» الارهاب»  في العراق وسورية، اميركا وقوى التحالف تقصف من الجو والحرس الثوري  والحشد الشعبي  وحزب الله والجيش العراقي  يتقدمون على الارض.  او كما حدث في الحرب ضد طالبان في افغانستان، وكما حدث عندما تعاونت ايران واميركا في إعادة بناء نظام عراقي تابع لامريكا ولايران في الوقت عينه. هذه الافعال التي تعبر عن التقاء المصالح بين الطرفين لم تشوش المتحمسون لهذا الحلف الممانع. 
تجاهل البيان الذي وقعه مثقفون وإعلاميون وسياسيون ضد العدوان السعودي، أي ذكر لتحالف الممانعين  مع امريكا في العراق وسورية ضد الارهاب الداعشي. وتحدثوا عن «الحراك الثوري اليمني» فقط، وأغفلوا تحالف الحوثيين او (الحراك الثوري) مع المؤسسة العسكرية القبلية التي يسيطر عليها دكتاتور اليمن وزمرته التي ولغت من دماء اليمنيين. هل التحالف  مع صالح مشروع، هل تحول الى ممانع عتيد ودخل نادي الممانعين؟ كان نقد البيان للحلف السعودي مصيبا وصحيحا، لكنه فقد جوهره لانه لم يرتبط بنقد الحلف الايراني ومغامرته البائسة. ولانه وضع المواقف الايرانية المتواطئة  مع قوى رجعية تابعة داخل اليمن، والمتواطئة مع اميركا خارج اليمن سقفا للشعب اليمني. تماما كما كانت مواقف المؤيدين للممانعة مصيبة وصحيحة في رفضها للتدخلات الخارجية في سورية  بكل اشكالها وفي نقدها الشديد للمعارضين التابعين للخارج، غير ان رفضها ونقدها فقد مضمونه وخسر مصداقيته لانه وضع سياسات النظام الديكتاتوري السوري  الحمقاء سقفا للشعب السوري. وكان تأييد حزب الله وهو يقاوم إسرائيل صائبا وصحيحا، لكن عدم نقد تدخل حزب الله في سورية والعراق وعدم نقد سياساته الداخلية،  وطائفية الحزب ومرجعية الولي الفقيه ونموذج الدولة الدينية الايرانية، جعل المؤيدين ملحقين بسياسات الحزب،  وجعل مواقف حزب الله التابعة بالكامل لايران سقفا للشعب اللبناني.
السؤال الذي يطرح نفسه،  لماذا تضع النخب المؤيدة للحلف الايراني معيار المفاضلة مع مواقف المحور السعودي، اقل سوءا او افضل بالمعنى النسبي ولم تضع معيار المفاضلة هي المواقف التي تستجيب لمصلحة الشعوب وحرياتها. معايير من نوع :  مدى التقدم في حل المسألة الوطنية، والديمقراطية وحرية التعبير والحق في الاختلاف والتبادل السلمي للسلطة، والدولة المدنية، وحقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية والتنمية الانسانية والاقتصادية، والتوزيع العادل للثروة، والمساواة بين الجنسين، والاستقلال الخروج من علاقات التبعية.  ثمة فرق جوهري بين وضع هذه المعايير كمقياس  لتأييد أو معارضة اي نظام او حزب بناء على انسجامه في تطبيقها والالتزام بها، وبين تعويم القضية وحصرها في خطاب ضد الامبريالية واسرائيل. او المفاضلة بين نظام تابع مستبد ونظام مستبد ممانع وتابع اقتصاديا. بين نظام رديء ونظام اقل رداءة.
 النظام العربي الذي احتكر القرار في كل شيء وأقصى الشعوب ودجن المعارضين وأخضعهم، لم يكن مؤتمنا على القرار. لان النظام الديكتاتوري الذي قمع الحريات سمح  في الوقت نفسه بنمو بيروقراطية  وقوى رجعية استأثرت بمقدرات الشعب في هذا البلد وذاك. ولم يكن بمقدور الخطاب الراديكالي الذي أطلقه عبد الناصر بكاريزمته الفذه  فاعلا ضد العدو الخارجي ولا ضد العدو الداخلي. كانت الهزيمة المريرة وكان الدرس، لا يجوز إقصاء الشعوب وقوى التغيير الاجتماعي، لا يجوز السكوت على البناء الفاسد للمؤسسات، لا يجوز تكميم الافواه ومنع النقد. بعد 48 سنة جاءوا من يقولوا . البوصلة هي العداء لاميركا وإسرائيل . جاء من يدعو الى تأييد النظام  دون نقد، جاء من يقول  أن سقف الشعوب العربية هو خطاب « السيد نصر الله» وبرنامجها هو برنامجه الملحق بدولة الولي الفقيه.     
 أن تكون مؤيدا «للحلف الايراني» او «للحلف السعودي» فلا يعني  انك  تنتصر للشعوب العربية  وتدعم نضالها من اجل الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة، الاهداف التي رفعتها الثورات الشعبية السلمية في العديد من البلدان. 
الثورات العربية الشعبية السلمية  كانت محاولة تاريخية جادة للخروج من الثنائيات وطرح المخرج  الوطني الديمقراطي . لكن قوى الثورة المضادة  والتدخل الامريكي الغربي الرجعي تصدت بكل امكانياتها لافشالها. وقد ساعدها في ذلك النخب التي تنتمي الى عقل ما قبل هزيمة حزيران وبوصلتها «الخربانة». 

Mohanned_t@yahoo.com