خبر : قدر غزة.... لا أحد يريدها ...أشرف العجرمي

الأربعاء 01 أبريل 2015 11:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
قدر غزة.... لا أحد يريدها ...أشرف العجرمي




يكثر الحديث هذه الأيام عن دولة غزة وهو حديث ليس جديداً ولكنه يتجدد في احيان كثيرة بعد كل حدث سياسي يتعلق بالمنطقة خيراً أو شراً، ولكن الفكرة مطروحة بقوة منذ وقت طويل لدى الإسرائيليين منذ ما قبل مشروع غيورا آيلاند الذي تحدث عن دولة غزة الموسعة على حساب مصر مقابل تبادل أراض تجريه إسرائيل مع الدولة المصرية، على أن يتم تقاسم الضفة الغربية وتسيطر إسرائيل على جزء كبير منها وخاصة مناطق المستوطنات والمياه المواقع العسكرية بالإضافة إلى غور الأردن. وهي فكرة تنسجم مع الطرح الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي الذي يرفض فكرة الدولة الفلسطينية التي تقام بين النهر والبحر إلى جانب إسرائيل.
غزة لم تكن أبداً منطقة ترغب إسرائيل فيها ، بل لا يريدها أحد باستثناء حركة "حماس" التي تعتبرها المكان الوحيد الذي يقيم فيه "الإخوان المسلمون" دولة لهم بعدما تبددت أحلامهم وانهار حكمهم في مصر وتونس. وهذه المنطقة المكتظة والأكثر ازدحاماً مليئة بمشكلات وهموم سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية لا أحد يريد تحمل تبعاتها والاهتمام بمشكلاتها. ولهذا يمكن القول أنه من الأفضل تركها لحالها مع مخزون لا ينضب من الأزمات.
بالنسبة لـ"حماس" يمكن التعايش مع هموم غزة لأنها لا تعتبر نفسها مسؤولة عن حل أي مشكلة فهناك منظمة التحرير وهناك السلطة والرئيس، ومن وجهة نظرها هؤلاء أولى بمعالجة أمور غزة. وهذا لا يعني أن "حماس" مستعدة للتنازل عن غزة طالما هي عنوان البؤس الذي يستدر التعاطف والتضامن مع أهلها وفي هذا منفعة لـ"حماس" أولاً على الصعيد المالي طالما هي تجبي ضرائب وتفرض رسوم ولا تسدد أي التزامات، فالسلطة مسؤولة عن التمويل واي تقصير تتحمل هي المسؤولية، وهذا بالضبط ما تكرس بعد اتفاق المصالحة الأخير وتشكيل حكومة التوافق الوطني، فالآن هذه الحكومة التي لا حول لها ولا قوة هي عنوان كل شيء: إعادة الإعمار وحل مشكلة الموظفين والكهرباء والفقر والموازنات المختلفة للصحة والتعليم والأسرى والشؤون الاجتماعية. .الخ. و من مصلحة "حماس" تكريس وضع غزة ككيان مستقل بمينا ومطار واقتصاد قوي له ارتباطات مع العالم الخارجي، وربما ما قاله الشيخ محمود الزهار بهذا الشأن عندما قال: ليس عيباً تسمية غزة دولة ، يعكس عدم ممانعة "حماس" في حصول مثل هذا التطور.
لكن السؤال هو هل تقدر "حماس" على تحمل مسؤولية مثل هذه الخطوة حتى لو أرادت إسرائيل المساعدة بتكريس دولة غزة؟ قد يعتقد البعض أن الأمر بسيط وأن هذه الدولة سترى النور بمجرد بناء مينا أو مطار أو أخذت منافذ على العالم الخارجي. فالشعب الفلسطيني أولاً يرفض الفكرة ولن يسامح أي جهة تنتقص من حقه في دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود العام 1967 وفي القلب منها القدس الشرقية، وليس سهلاً أن يتحمل أي تنظيم وزر هذه الجريمة حتى لو كان بحجم "حماس" وقوتها. كما أن العالم الخارجي سيرد على ذلك بطرق مختلفة قد لا تحول حياة هذا الكيان إلى سهلة وممكنة فهناك دول سترفض الفكرة لمجرد أن دولة غزة تدار من قبل "حماس"، وهناك من سيرفض لأنه يتبنى حقوق الشعب الفلسطيني ولا يريد الانتقاص منها، وهناك من يرفض لأن هذا الحل لا ينهي الصراع بل يفتحه على مصراعيه في الضفة والقدس.
بغض النظر عن النوايا مع أو ضد الفكرة - حسب موقع اللاعبين ومصالحهم- هي مليئة بالمتاعب، ومحملة بمخاطر ليست قليلة أو سهلة، ولهذا يجب التفكير أكثر بموضوع الوحدة كخيار واقعي وعدم الهروب نحو أحلام قد تتحول إلى كوابيس على المشروع الوطني. فغزة ليست محررة ولن تكون مستقلة تماماً ولن تسمح لها إسرائيل بالخروج من قبضتها الأمنية حتى لو وافقت على ميناء ومطار فهما سيبقيان تحت إشرافها الأمني المباشر وستظل غزة محاصرة جواً وبحراً وبراً من إسرائيل والحرية الممنوحة لها مرتبطة أكثر بمصالحها التي لا يمكن أن تصل حد السماح باستقلال حتى لهذا الجزء التعيس من الوطن.
لا تزال فكرة الوحدة الوطنية تخضع لمساومات وحسابات هي أبعد ما تكون عن وعي المصلحة الوطنية أو اعتبارها أولوية في حسابات الحاسبين، ولن تتحقق الوحدة والمصالحة طالما لم يكن الشعور بالواجب الوطني وبالرغبة في تحقيق حلم الحرية والاستقلال وانجاز مشروع الدولة الوطنية يمثل هدفاً سامياً لكل الأطراف. وحتى تتحول هذه المسالة إلى جوهر الاهتمام الوطني ستبقى غزة المتروكة إلى مصيرها تعاني الأمرين، ومهما كانت وجهة نظر اللاعبين في غزة أحبوها أم كرهوها، ستبقى عصية على الكسر والتجاهل والنسيان فطالما هي الصخرة التي تتحطم عليها كل مشاريع التآمر على القضية الوطنية، وكما أفشلت موضوع التوطين ستفشل موضوع العزل والفصل بين شقي الوطن، والموضوع أكبر بكثير من مجرد شعارات او رغبات أو حتى مصالح ضيقة لجهات محلية أو إقليمية أو دولية، وغزة في النهاية ستنتصر للمشروع التي هي في قلبه دائماً وأبداً مهما كانت الصعاب ومهما اشتد الظلم لأن حسابات الفقراء والمظلومين دائماً أقرب إلى الصواب.