خبر : تواقون للسلام بقدر حاجتهم الماسة للمساعدات ...بقلم : المفوض العام للأونروا بيير كرينبول

الإثنين 30 مارس 2015 01:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
تواقون للسلام بقدر حاجتهم الماسة للمساعدات ...بقلم : المفوض العام للأونروا بيير كرينبول




مقالة رأي 
لدى تواجدي في مخيم اليرموك للاجئين خلال عملية توزيع للمعونات الإنسانية، اقترب مني رجل وتمتم بثلاث كلمات هي "إنني أشعر بالجوع". لقد كانت عيونه الغائرة في وجهه تتحدث لي بنفس البلاغة، ومظهره الواهن يعبر عن هموم كبيرة. إنه يتحدث باسم مجموعة من السكان تعرضوا للوحشية، أناس سئموا الحرب. إن ذلك الرجل يعد مثالا حيا على فشل العالم في حل الأزمة في سورية.
لقد أصبح اليرموك رمزا قويا للحرب الأوسع وللتجربة الفلسطينية. فلقد كان في يوم من الأيام القلب النابض بالسكان لمجتمع فلسطينيي سورية. وكان عدد سكان اليرموك قبل الحرب يصل إلى مليون نسمة، 150,000 منهم كانوا من الفلسطينيين. واليوم، فهو مسكن لما مجموعه 18,000 مدني فقط. لقد تحولت شوارعه التي كانت يوما ما تعج بالحركة هيكل مدينة مشؤومة تموت فيها الأمهات الحوامل عند الولادة بسبب نقص الأدوية ويعاني فيها الأطفال من الجوع الشديد. إن الحصار شبه الكامل المفروض على المنطقة منذ تموز من عام 2013 ردا على دخول المتطرفين المسلحين إلى المخيم قد أدى إلى تركيعها. ولم تتمكن الأونروا سوى من تقديم أقل المستويات من المساعدة وذلك مع تقييد سبل الوصول بشكل أكبر منذ 6 كانون الأول في أعقاب التصاعد في أعمال العنف.
ومع ذلك فإن مأساة الفلسطينيين في سورية تمتد لما هو أبعد من اليرموك. إن كافة مخيمات لاجئي فلسطين الإثنتي عشرة قد تأثرت جراء النزاع؛ وتعرض 80% من الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا والبالغ عددهم 580,000 شخص إلى التشرد مرة واحدة على الأقل، فيما لجئ 45,000 شخص إلى لبنان وقام 15,000 شخص آخر بالفرار إلى الأردن. وعلاوة على ذلك، فإن 95% من أولئك الذين بقوا في سورية غير قادرين على تلبية أبسط احتياجاتهم الأسرية وهم بالتالي يعتمدون بشكل كبير على المساعدات التي تقدمها الأونروا.
إن حالة الضعف الخاصة للاجئي فلسطين ووضعهم المتقلقل في المنطقة تعملان على تفاقم حالة الدمار الصارخ والعنيف التي يشتركون بها مع السوريين. لقد قامت الأردن بإغلاق حدودها في وجه لاجئي فلسطين من سورية في بداية عام 2013 لتلحق بها لبنان بعد ذلك في أيار من عام 2014. وحيثما وجدوا الملاذ لهم من النزاع، فإنهم في الغالب يعانون من التهميش ومن ضعف حاد. وفي لبنان والأردن ومصر، فإن العديدين يفتقرون إلى وضع قانوني سليم وغير قادرين على الوصول للخدمات الاجتماعية الأساسية. إن حركتهم محدودة ويعيشون في خوف دائم من الاعتقال والإعادة القسرية إلى سورية.
وكانت استجابة الأونروا حازمة وشجاعة على الرغم من أنها أتت بثمن؛ فقد خسرنا أربعة عشر موظفا من موظفينا في هذا النزاع الدائر منذ أربع سنوات. ولقد كانت استجابتنا أيضا فعالة. إن موظفي الأونروا في سورية والبالغ عددهم أربعة آلاف موظف هم جزء من مجتمعات لاجئي فلسطين الذين نقوم على خدمتهم منذ أكثر من ستة عقود، وبدونهم فإنه لم يكن ليتأتى لنا تقديم المساعدات في العديد من الأقاليم. إننا موجودون هنا بالفعل، ونعمل على تقديم الخدمات بصورة مباشرة وليس من خلال شركاء تنفيذيين.
وعلى الرغم من النزاع، تواصل الأونروا تشغيل 95 مدرسة. وبالإضافة لذلك، قمنا بتأسيس ثماني نقاط تعليمية في الملاجئ الجماعية التي نقوم بتشغيلها من أجل النازحين. ومقارنة بما مجموعه 67,000 طالب وطالبة كانوا مسجلين في مدارسنا قبل النزاع، هنالك 46,000 طالب وطالبة مسجلون في مدارسنا، إلا أن هذا الرقم يعد ضعف إجمالي العدد الذي تم تسجيله في عام 2012 والذي بلغ 27,000 طالب وطالبة فقط.
ويواصل طلبتنا تحقيق نتائج أعلى من التي يتم تحقيقها على المستوى الوطني. ففي العام الماضي، كانت نسبة النجاح لدينا تصل إلى 84,1% بالنسبة للطلبة الذين أنهوا تعليمهم الأساسي – وهو أمر ملفت للنظر مع الأخذ بعين الاعتبار السياق السائد.
وتقوم الأونروا بإدارة وتشغيل 14 مركزا صحيا إلى جانب 11 نقطة صحية مؤقتة في سائر أرجاء سورية. ونتيجة لذلك فقد استطعنا تقديم ما يقارب من مليون استشارة صحية أساسية في عام 2014، وذلك بزيادة تصل إلى أكثر من 46% عما تم تسجيله في العام الفائت.
وتعد المساعدة النقدية هي البرنامج الرئيس الآخر لدينا. ففي عام 2014، أكملت الأونروا ثلاث جولات من التوزيع تسلم كل لاجئ خلال كل واحدة من الجولات حوالي 64 دولار ليعيش عليها طوال أربعة شهور. وبسبب نقص الأموال، تسلم كل لاجئ 16 دولار بالمعدل لكل شهر طوال العام. ومن الواضح تماما أن هذا المبلغ ليس كافيا. ويمكننا أن نقدم أكثر من هذا إذا ما توفر المال. وقد أظهر تقييم مستقل فعالية الأونروا في توزيع المعونة النقدية ومقدرتنا على الوصول للجان لاجئي فلسطين في سائر أرجاء سورية.
إننا لم نتمكن من مواصلة خدمة كافة أولئك الذين هم بحاجة إلا من خلال القيام بتقليل حجم المساعدة الفردية بشكل كبير. وإذا ما استمرت مستويات التمويل بالتقلص، فإن البرامج الحاسمة للتعليم الطارئ والدعم الاجتماعي النفسي للأطفال الذين تعرضوا للصدمة، علاوة على الرعاية الصحية، ستتعرض للتهديد، وسيتوجب علينا قريبا أن نقوم بتعليق العمل بالمعونة النقدية – وهي الدعامة المركزية لاستجابة الأونروا الإنسانية. إن مناشدتنا للعام المنصرم لم تحشد سوى 50% من التمويل؛ وحتى الآن بالنسبة لهذا العام فإن النسبة تقف عند 4% فقط.
إن الاستثمار الذي قدمه المجتمع الدولي من خلال الأونروا قد كان حاسما في المحافظة على رأس المال البشري وفي خلق الاعتماد على الذات وضمان أن لاجئي فلسطين مستعدون للمساهمة بالكامل عندما يكون هنالك حل سياسي لمحنتهم. إن علينا أن لا نسمح لمكتسبات رأس المال البشري هذه بأن تنعكس للوراء.
وعلاوة على ذلك، ففي الوقت الذي يعمل فيه تنامي التطرف والنزاع بشكل متزايد على تهديد شعوب الشعوب في الشرق الأوسط، فإن إيقاف برامج الأونروا ليس من مصلحة أي أحد. إن ذلك كفيل بخلق فراغ جد خطير.
وإلى جانب مناشدتنا بالحصول على التمويل، فإنني أنهي مقالتي بالدعوة من أجل القيام بعمل سياسي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع وللوقوف في وجه تجاهل الأطراف للقانون الدولي. ويتعين على العالم أن يستيقظ إلى حجم الكارثة في سورية وأن يتصرف بناءا على ذلك. إن مصداقية النظام الدولي نفسه على المحك هنا. وفي الوقت الذي يدخل النزاع فيه عامه الخامس، فقد آن الأوان للمجتمع الدولي لتوفير القيادة الأخلاقية والإنسانية والسياسية من أجل تعزيز العدالة والكرامة التي يرنو إليها بحق كل من الشعب السوري ولاجئو فلسطين والتي تم حرمانهم منها بوحشية.