خبر : حالنا لا تسر .. ولكن ! مهند عبد الحميد

الثلاثاء 10 فبراير 2015 08:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تراجعت مكانة واهمية القضية الفلسطينية كما لم تتراجع من قبل، ومن مؤشرات ذلك غيابها عن الاعلام العربي والدولي، فكثيرا ما تنتهي نشرات اخبار الفضائيات ومحطات الاذاعة العربية والدولية دون ذكر موضوع فلسطيني واحد، وفي حالة وجود خبر فلسطيني فإنه يأتي في ذيل الاخبار. هل لأن العالم منشغل في قضايا أهم وأكثر إثارة كالحرب ضد داعش في العراق وسورية وانقلاب الحوثيين في اليمن والارهاب في سيناء وخطاب نتنياهو الموعود في الكونغرس الاميركي بمعزل عن موافقة إدارة اوباما وتداعيات العمل الارهابي ضد شارلي إيبدو في باريس. 
منطقي أن تتصدر أحداث مثيره الاهتمام الدولي الذي ينعكس في الاعلام. غير أن تهميش فلسطين وقضيتها الغاصة بالاعمال الاستفزازية الاسرائيلية كان قرارا دوليا بامتياز، أخذ تارة التهميش صيغة مفاوضات شكلية استخدمت كغطاء لمواصلة الاستيطان والتهويد دون رادع دولي، وأخذ تارة أخرى صيغة تقديم خطر ارهاب داعش باعتباره الخطر المركزي الذي يهدد الانظمة والمصالح الاميركية والغربية على حد سواء. 
وكانت النتيجة وضع القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي المزمن للاراضي الفلسطينية على هامش الاهتمام الدولي والعربي والاقليمي، وهذا يلتقي مع جوهر السياسة الكولونيالية الاسرائيلية.  
أغرب ما يواجه الشعب الفلسطيني، أن الموقف الدولي رفض كل المحاولات الفلسطينية للخروج عن صيغة الاستمرار في مفاوضات فاشلة ومهينة تترافق مع اعمال تعميق الاحتلال والتهويد والضم. 
النظام الدولي يطالب باستمرار المفاوضات او العودة الى المفاوضات كما جاء في بيان الرباعية الدولية الاخير دون ان يلزم دولة الاحتلال بالتوقف عن تدمير مقومات الحل الذي بادرت «الرباعية» اليه وقدمته باسم «خارطة الطريق». 
والاكثر غرابة ان النظام الدولي يساهم في فرض العقوبات على شعب تحت الاحتلال وبخاصة غضه النظر عن احتجاز الضرائب، لأن قيادته تطالب بتطبيق القانون الدولي وتطالب بعضوية فلسطين في المؤسسات الدولية ضمن جهد دبلوماسي سلمي ونظامي بديل. 
وفي الوقت نفسه يتقاعس النظام الدولي عن معاقبة ومساءلة الدولة المتمردة على القانون والشرعية بما في ذلك ميثاق الامم المتحدة، وتنتهك يوميا شر انتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين الانسانية والوطنية. 
فعندما تتوعد الولايات المتحدة بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية وكل المنظمات الدولية كما عاقبت منظمة اليونسكو كما يتوعد الوزير ليبرمان بحل المحكمة الجنائية لأنها قبلت فلسطين في عضويتها، فإن هذه المواقف المزرية التي تنتمي لسياسة غطرسة القوة وشريعة الغاب تلخص المشهد برمته. 
مقابل موقف دولي يعاقب شعبا تحت الاحتلال ويحثه على قبول الامر الواقع «الابارتهايد» الفصل العنصري، تقف الدول العربية مجتمعة ومنفردة عاجزة عن فعل شيء، بل تبدو وكأنها متفقة مع الموقف الدولي. 
ومن مظاهر ذلك غيابها السياسي وعدم احتجاجها الجدي على سياسة الاستيطان والضم والتهويد المنفلتة من كل الضوابط. 
الاستثناء الوحيد كان الاحتجاج على محاولة تقسيم المسجد الاقصى وفرض تراجع على حكومة الاحتلال، وما عدا ذلك فإن القرارات التي تتخذ باسم جامعة الدول العربية وقممها تفتقد إلى التطبيق إلا بأقل من الحد الادنى. 
لقد اتخذت الدول العربية قرارا يقضي بتأمين شبكة أمان في حالة تعرض الشعب الفلسطيني للعقوبات الاسرائيلية، لكن دول الجامعة لم تلتزم بقرارها ولم تطبقه. 
هذا الموقف السلبي في لحظة احتدام الصراع الفلسطيني الاسرائيلي دمجها بالموقف الاميركي الذي يعاقب ويمارس الضغط على الشعب الواقع تحت الاحتلال، ولا يحرك ساكنا ضد الانتهاكات المدوية لدولة الاحتلال. 
غياب الدعم السياسي الجدي المترافق مع غياب الدعم المعنوي والاعلامي جلب الاحباط للشعب الفلسطيني. 
تعامل النظام العربي الراهن مع الشعب الفلسطيني يعيدنا إلى تعامل النظام  العربي القديم مع المشروع الصهيوني ومع نكبة الشعب الفلسطيني، ويعيدنا الى مواقفه السلبية من ثورة الشعوب العربية ضد انظمتها المستبدة. 
ويكتمل المشهد المظلم بغياب قوى اسرائيلية تناهض الاحتلال والعنصرية وتؤيد حق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وتقرير مصيره دون وصاية وتدخل. 
فمن يدقق في لوحة الانتخابات الاسرائيلية الراهنة لن يجد ادق من وصف  الكاتب الاسرائيلي يونتان جيفن الذي يقول: فقط نقوم برصف الارض بالمكعبات الاسمنتية، نحتفظ بالمستعمرات ونحيطها بالمكعبات الاسمنتية، أحزاب ليست أكثر من مكعبات اسمنتية وظيفتها تشويش الناخب وايقافه عن التفكير حول من ينتخب، وجيش للدفاع عن المكعبات الاسمنتية ودولة الباطون». 
سباق اسرائيلي محموم في العداء وإلحاق الاذى بالشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، انشغل الرأي العام الاسرائيلي بزجاجات سارة نتنياهو، وبمضاربات الاستيطان، من يستوطن اكثر ومن يعادي الشعب الفلسطيني أكثر، ومن يبحث عن حصة له في الاراضي الفلسطينية اكثر من الآخرين. المستوطنون يزحفون في الاراضي الفلسطينية طولا وعرضا، فقد فاق عددهم 650 الفا، ويشكلون 7% من عدد الاسرائيليين، لكنهم سيحصلون على 40 عضو كنيست موزعين على عدد من الكتل الانتخابية بنسبة 33%، وهي نسبة تساوي خمسة أضعاف حجمهم الفعلي، ما يعني اننا أمام حكومة مستوطنين واستيطان ترفض الوجود الفلسطيني وليس لها مصلحة ابدا في ايجاد حل سياسي يوقف عملية النهب والارباح والهيمنة. 
عناصر المشهد الدولي والعربي والاسرائيلي كما نرى مظلمة وغير سارة ولا تبعث الفلسطيني على التفاؤل في المدى المباشر والراهن، لكن هذه العناصر غير مخيفة لسببين. الأول: لأنها مواقف تعبر عن إفلاس سياسي وأخلاقي لا يتفق بالمعنى الافتراضي مع إرادة الشعوب وتوقها للحرية والعدالة. والافلاس بهذا المعنى يسود في مرحلة هبوط قوى الغطرسة وانهزامها ثقافيا وانسانيا. الآن تملك قوة الغطرسة العارية ولا شيء سواها. الثاني: لأن مقاومة الغطرسة يمكن أن تحرز تقدما قابلا للارتقاء والتطور في حالة كانت المقاومة نابعة من خصائص نقيضة للغطرسة. 
ان الزيت الجديد بحاجة الى جرار جديدة، والمقاومة الجديدة تحتاج الى عقل وخطاب وأفكار وأشكال نضال جديدة وإبداعية. 
غطرسة القوة أنتجت داعش في حضرة ومشاركة الانظمة المستبدة والتابعة وكان ذلك منسجما. بعد ذلك يجوز الافتراض اننا على ابواب انتاج قوى ديمقراطية في حضرة ومشاركة الشعوب في النضال ضد الغطرسة والاستبداد والتبعية والاحتلال. فمن يبادر ومن يعمل ويراكم في إعادة انتاج قوى التغيير والثورة؟ 
Mohanned_t@yahoo.com