خبر : صاحبة «طابق 99» و«أنا هي والأخريات» تنبش في الذاكرة وتكتب كي تواجه الخوف

الجمعة 30 يناير 2015 02:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
صاحبة «طابق 99» و«أنا هي والأخريات» تنبش في الذاكرة وتكتب كي تواجه الخوف



"ولكن فلسطين تشعرني بالعجز يا حبيبتي تماماً كما لو أنّها كمطرقة ما تدقّني إلى الأسفل، كأنّ أمّي فعلاً هناك وأنا غير قادر على الوصول إليها. ربما تهدم الحرب والمآسي فكرة الوطن ولكن الاحتلال يغذّي حبّه. نصبح وإيّاه في الظلم واحدا، وتنشأ بيننا وبين أرضنا لحمة وودّ موجع من الصعب تخطّيهما، لأنّهما موجودان في داخلنا، وليس على أرض الواقع، خصوصاً بالنسبة لنا نحن المهجّرين والبعيدين عن الأرض..ربما يختلف الأمر لمنيع يشفي الداخل. ربما يتمنّى الهرب أحياناً، ولكن الهارب يبقى هارباً. فكرة الهروب وحدها تذكّره بما فرّ منه فيما أصبح الأمر أشبه بلعنة" .. بهذا المقطع اختارت الروائية اللبنانية جنى الفواز الحسن، التعريف بشكل أو بآخر على روايتها الجديدة "طابق 99"، والتي وقع الاختيار عليها لتكون ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، مؤخراً.
وجنى التي كشفت لـ"أيام الثقافة"، أنها اختارت هذا المقطع "لأنّه استفزني لاحقاً من خلال تعليق لأحد الأصدقاء حين قال إنه كان بإمكان مجد أن يزور أرضه بجواز سفره الأميركي مثلاً. لا أعرف إن كان توانى عن فعل ذلك لأنّه أراد أن يدخلها فلسطينياً فحسب وليس بهويّة أخرى"، قبل أن تضيف الحسن: "اخترت هذا المقطع بالتحديد من الرواية الآن لأنّه محفّز للنقاش".
وتسرد رواية "طابق 99" حكاية مجد، وهو شاب فلسطيني يحمل ندبة المجزرة في جسده ويقع إجباراً دونما اختيار في حب هيلدا ذات الديانة المسيحية وابنة أحد القادة في الكتائب اللبنانية وابنة شقيق أحد مقاتلي الكتائب؛ ليبدأ الصراع حين تقرر الفتاة التي تتعلم وتمتهن الرقص في نيويورك، العودة إلى قريتها في جبل لبنان لإعادة اكتشاف تفاصيل ماضيها ومجموعة الذكريات المتكونة هناك، وليجد مجد أيضاً نفسه مضطراً إلى استعادة أحداث مؤلمة أودت بحياة والدته وجنينها الذي لم يخرج بعد للحياة.
وتضع أحداث الرواية جيل ما بعد الحرب في مواجهة مع أسلافه لطرح الأسئلة حول جدوى المعارك القديمة، وتأملات حول قدرة الحب على تطهير الأحقاد والعداوات؛ لتخبرنا الرواية أن المعارك الدموية تطلب أكثر من وقف إطلاق النار، وبأن مآسي الحروب لا تنتهي بعد حدوثها على الإطلاق، حيث تبدأ مع كل بارقة أمل ولتصبح الأشلاء المطمورة حكايات تُقرأ.
الجدير ذكره أن الحرب الأهلية اللبنانية هي حرب دموية وصراع معقد دامت لأكثر من 16 عاما و7 أشهر في لبنان (13 نيسان 1975 - 13 تشرين الأول 1990)، وتعود جذوره للصراعات والتنازلات السياسية في فترة الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، وعاد ليثور بسبب التغير السكاني (الديمغرافي) في لبنان والنزاع الديني الإسلامي - المسيحي، وكذلك التقارب مع سورية وإسرائيل. وقد حصل توقف قصير للمعارك العام 1976 لانعقاد القمة العربية ثم عاد الصراع الأهلي ليستكمل وعاد ليتركز القتال في جنوب لبنان بشكل أساسي، والذي سيطرت عليه بداية منظمة التحرير الفلسطينية ثم قامت إسرائيل باحتلاله.
مع الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن .. كان لـ"أيام الثقافة"، الحوار التالي الذي هو أشبه ببوح يتأرجح ما بين الشخصي والأدبي والروائي، ولم يغفل فلسطين التي هي جزء من ذاكرة الكاتبة، ولها حضور طاغٍ في "طابق 99"، الرواية المثيرة للجدل:
• فور الإعلان عن وصول رواية "طابق 99" للبوكر صرحتِ بأن هذا الترشيح انتصار لقضية فلسطين .. كيف ولماذا؟
أنا قلت إني أعتبر الترشيح نجاحا للشخصيات الروائية التي أدين لها بالكثير.. وجزء كبير من هذه الشخصيات فلسطينية.. الانتصار هو بمعنى تسليط الضوء على الإشكالية التي طرحتها، وأتمنى لو أن الكتب يمكنها أن تنتصر للقضايا أو أن تنصفها. لكن للأسف، تبقى الكلمة سلاحاً خجولاً وعاجزاً نوعاً ما أمام قوى العالم المحكومة بمصالح فئوية واعتباطية.
سأخبرك شيئاً، السنة الماضية حين كنت لا أزال في صدد كتابة الرواية، توفي شارون، وهو أحد المتورطين في مجزرة صبرا وشاتيلا، في عيد مولدي.. اعتبرتها صدفة جميلة على الرغم أني فكرت في الوقت نفسه أنّ المجرمين قد يموتون هكذا من دون أن يُعاقبوا.
كان الفلسطينيون في المخيمات بلبنان يحتفلون.. بدا يومها الموت، على قدر ما هو حدث طبيعي، انتصاراً. انتهى رمز ما، شعرت معهم بالنصر، لا أعرف لمَ. أتى الترشيح بعد عيد مولدي بيوم، شعرت أيضاً بالنصر لذاكرة ما، في نهاية الأمر، هو نصر نستجديه من القدر، قد لا يكون فعلياً، بل نوعاً من الأمل، ما يمكن للكتابة أن تفعله للقضايا المحقة في نهاية الأمر هو أن تبقى تثيرها، أن تذكر بها وتخبر عنها، هذا ما يشعرنا بجدوى بشكل أو بآخر، بأننا نفعل شيئاً ما لمحاربة السواد واندثار المفاهيم وتحويل الجدل عمّا يهم فعلاً في هذه الحياة: الإنسان.

حقل ألغام
• في هذه الرواية وكأنك تدخلين في حقل للألغام، ففي الوقت الذي يحاول الساسة بالتحديد تغييب الحقبة الزمنية والتركيز على موضوع التآخي الفلسطيني اللبناني .. تعود جنى إلى نبش عميق في ذاكرة مؤلمة للجميع؟
الألغام موجودة، كل ما حدث أننا وضعنا فوقها كلاماً معسولاً وخطابات سياسية مزرية، السياسة أساساً هي جرمنا الأكبر، على الأقل في لبنان.
الساسة لهم مصلحة بتغييب الذاكرة، تماماً حين يقولون إنّه يجب عدم البحث عن مصير أكثر من 17 ألف مفقود من أيّام الحرب الأهلية اللّبنانية، لأنّ الأمر يثير نعرات طائفية وما إلى ذلك.
ليست الذاكرة الفلسطينية – اللبنانية فحسب، بل ذاكرة اللبنانيين، إن كان السياسيون فعلاً جدّيين في موضوع التآخي، لن يكون وضع المخيمات على ما هو عليه، ولن نكون منفصلين فعلياً عن أشخاص فلسطينيين بعضهم ولد هنا وعاش هنا وهم لم يخرجوا إلا ندرة من المخيم.
ليس نبش الذاكرة ما يؤلم، بل العبور من فوقها كأنّها لم تكن موجودة. العلاقة اللبنانية – الفلسطينية شائكة وما يقال خلف الكواليس مختلف عما يقال عبر القنوات الدبلوماسية وأنا أفضل الفظاظة في حقيقتها. هناك لبنانيون كثر أيضاً يساندون القضية الفلسطينية، والبعض يستفيد أحيانا من المساندة.
أنا لا اتكلم عن المواقف، بل عن النسيج الاجتماعي والانفصال شبه التام بين المكونين، لنخرج هذا الألم ونحدّثه قليلاً ونستمع إليه، ربما بعدها يزول فعلاً بدل أن يُغيّب.
• ألم تخشي من ردود فعل غاضبة في لبنان بالتحديد وهل حصلت مثل هذه الردود أم لا؟
أخشى من أمرين، الأوّل أن أبدو في موقع تحيّز شخصي وهذا ما يتنافى مع الكتابة، لذا، حاولت أن أكون الطرفين بتناقضاتهما، أخشى من أن أبدو في موقع إدانة لمكوّن واحد وألومه على الحرب، والواقع أن الحرب من صنع الجميع.
أخذت نموذجاً يمكن أن يطبّق على جهات أخرى، وأعني هنا أحزابا لبنانية وميليشيات كانت طرفاً في الحرب.
في حفل توقيع الرواية، صودف مرور أحد السياسيين وأخذ الكتاب وقرأ المقتطف على الغلاف الخلفي، قال لي بفظاظة: "ليش كاتبة عن الفلسطينيين؟". أجبته أني كتبت عن الحرب، أدركت عندها أن ما قد أخشاه قليل جداً مقارنة بما نعيشه.
كانت هناك ردود فعل متفاوتة، هناك رجل دين مسيحي مثلاً أثنى على الكتاب، ويومها شعرت بمدى انفتاحه، في النهاية، نحن لا نكتب لكي نتجنب الخوف بل لنواجهه، وأنا لم أبحث عن رضا الآخرين على قدر ما بحثت عن بناء عملي الروائي كما يجب.
• هل الرواية كما أشار البعض هي محاولة لمصالحة الذاكرة الجماعية مع ما مرت به لبنان من ويلات وهل هناك تقاطع مع الوضع الحالي في لبنان؟
المصالحة تأتي بعد المواجهة، وهذا ما لم يحصل في لبنان بعد، ولا يبدو أن هناك أي أفق لحصوله قريباً، أنا أحب بلادي ولهذا تؤلمني. لهذا أيضاً أعيد قراءتها بعيداً عن تصورات الآخرين أو ما يخبرونني به عنها، وأعتقد أنّنا كجيل ما بعد الحرب نحتاج إلى أن نفهم ما حدث.
لقد نمنا واستيقظنا ووجدنا الحرب منتهية، لم يخبرنا أحد لم بدأت ولا لم انتهت ولا ماذا حققت من مبتغاها، لكن من الواضح أنّها كانت إمعاناً في ترسيخ الانقسامات بيننا.
هذه الانقسامات لا تزال موجودة والآن صارت تأخذ أسماء وأفرقاء مختلفين.. ما لم يتغير هو لا جدوى الصراع، نحن محكومون بالعيش مع بعضنا، وفي لحظة ما، الحسابات السياسية تتغير والأعداء القدامى يتآخون، ونحن، بكل سذاجة، نستمر في خوض معاركهم الموجهة ضد مصالحنا كمواطنين، أليس المشهد مضحكاً ومبكياً؟

الشخصيات والأجواء
• هل مجد وهيلدا شخصيتان حقيقيتان صادفتهما جنى أم أنهما خليط من عدة شخصيات، أو لا هذا ولا ذاك؟
هما ليسا حقيقيين بالمعنى الملموس للحدث.. لا أعرف أناساً بنفس مواصفات هيلدا ومجد، ولا دمجت شخصيات في كائنين اثنين.. الرواية لم تستند إلى أحداث حقيقية .. واقعية ربما بمعنى أنّه من الممكن أن تكون حدثت أو أنّها تحدث.. لكنها ليست انعكاساً لأي شيء محدد.
الرواية اعتمدت على الخيال، بنفس الوقت، أشعر أنّهما موجودان، أي مجد وهيلدا، وكذلك باقي أشخاص الرواية.
• حوار هيلدا مع عمها جورج الذي شارك في ارتكاب المجرة أعادني إلى فيلم المخرجة الألمانية "مونيكا بورغمان" (مجزرة) والذي يرصع اعترافات حية لمنفذي مجزرة صبرا وشاتيلا؟ هل سبق وان شاهدت الفيلم؟ وهل هناك رابط ما بينهما؟
لا للأسف لم أشاهده لكن لا بد أن أفعل، الحوار وحتى القبو الذي نحت فيه العمّ منحوتاته المشوهة كان للقول إن الحرب تترك تشوهات لدى بعض القتلة أيضاً، وعلى الرغم من أن العم لم يكن يظهر دلالة ندم، لكنه كان أقرب إليه من الأب الذي استمر يعيش حالة الإنكار واستمرّ في حربه حتى النهاية.
• كيف كانت أجواء كتابتك للرواية وهل تعمدت مقابلة فلسطينيين ممن عايشوا المجزة ولبنانيين من الكتائب أو ممن شارك في المجزرة؟
ليس من السهل أن تجدي مشاركاً في المجزرة راغباً بالتحدّث، لقد شاهدت الكثير من الوثائقيات عن الحرب اللبنانية بداية والمجزرة وقرأت ما تيسّر لي.
الأمر كان صعباً بعض الشيء لأنّي في العمق لم أعش الحرب، ما أحمله عنها هو روايات من الجيل السابق وذكريات شاحبة، وأنا آتية من بيئة مختلفة كلياً لا علاقة لها بالطرفين.
لكن هذه العلاقة بين اللبناني والفلسطيني ليست محصورة بمكوّن واحد، أظنّها متشابهة بأطر مختلفة.
زرت المخيمات في إطار عملي الصحافي وفي ظروف مختلفة، لذا كوّنت فكرة عن الحياة هناك، ثم حين بدأت الكتابة، زرت مخيّم شاتيلا عدّة مرات والتقيت بأشخاص هناك، مثلا، حكاية المرأة التي كانت على وشك أن يطلقها زوجها لأنها "فرّطت" بالأغراض التي أتوا بها من فلسطين كانت من ضمن الحكايا الحقيقية التي سمعتها.
التقيت مشاركاً في الحرب وكان شديد الأسف مثلاً لأنّها انتهت ووصفها بـ"أيّام العز"لأنها كان فوضوية، كنت مهتمة أيضاً بغير المباشر، أي ما ليس مقابلات محددة بغرض كتابة "طابق 99" فحسب، بل رصد ردود الفعل حين لا أسأل، بمعنى مراقبة ما يدور حولي.
الشق المسيحي كان أسهل لأني قريبة من هذا المجتمع ولي معارف وأصدقاء.
ان طرحت الأسئلة بوضوح على أشخاص معينين، ستكون إجاباتهم مختلفة عن ردود الفعل، لم أكن أريد أن أعرف ما يقول الناس حين تسألينهم فحسب، هذا سهل.. أردت أن أراهم بوضوح.
• كيف كانت حالتك النفسية خلال فترة الكتابة، وهل ما زال تأثير الاحداث والشخوص مستمرا معك حتى الآن؟
في الشق الحياتي اليومي، أضطر إلى أن أفصل نفسي ككاتبة عن الإنسانة العادية المنهمكة بأمور الحياة الفعلية، أظن أن أية كتابة تخلق لنا هذا الشرخ.
نحن في العالم العادي وبنفس الوقت في عالمنا الآخر، أي الروائي. والكثير من الأصدقاء يلومونني أحياناً بسبب الشرود، خلال الكتابة، كنت أترقب أيضاً: هل يعودان لبعضهما أي مجد وهيلدا؟ والآن أسأل، هل عادا.. ولا ازال متأثرة بالشخصيات، هذا ما أعيشه مع الرواية السابقة، شعرت بالانقطاع عنها فور الانتهاء من كتابتها.
في "طابق 99"، كان علي أن أتخلى عن نفسي كلياً تقريباً، والآن لا أعرف ماذا سأكتب ويخلق الأمر القلق لدي، ثم أعود لأقول لا زال من المبكر التفكير برواية جديدة. لا بد من الوقت.
• لماذا "طابق 99" اسما للرواية؟ ولماذا نيويورك دون غيرها أم انه انبهار ببلاد العم سام؟
"طابق 99"، لأن مجد أصرّ أن يصعد إلى هناك على الرغم من الصعوبات. لقد أراد أن يعرف كيف يبدو العالم من الأعلى.
الرواية تتحدث عن مفاهيم القوة والسلطة وقدرة من هم مضطهدون أو مظلومون على التفلت.
نيويورك لأنّها مدينة الغرباء، لم يكن قد سبق لي زيارة أميركا قبل كتابة الرواية أو خلال مرحلة الكتابة، زرتها لاحقاً، الشهر الفائت، وأردت أن أتأكّد من صحة ما كتبت.
أميركا هي غالباً ما تسمّى أرض الأحلام، لست مأخوذة بهذا التعبير، خصوصاً أن كتاباً أميركيين كسروا الوهم، لكن أميركا هي بلاد الفرصة الثانية، حيث يجتمع كثيرون خذلتهم الظروف، لا ليجدوا هوية أخرى بل ليكونوا غرباء بأقل الأضرار الممكنة.

حضور للعراق
• من خلال ماريان الأميركية صديقة مجد عرجتِ على القضية العراقية واحتلال أميركا لها، هل حاولتِ الربط بين اشتباك علاقة الفلسطيني واللبناني باشتباك علاقة الأميركي بالعراقي؟
لا طبعاً، الصراع مختلف تماماً، لكني أؤمن أن الحروب جميعها تصنعها طبقة معينة وتستفيد منها وهناك الشريحة الأكبر من المدنيين الذين يدفعون الثمن.
والد مجد أدرك أن حربه في لبنان لا معنى لها وأن الحياة لابنه أنفع من الموت، والعلاقة بين اللبناني والفلسطيني تعود إلى بداية مجيء الفلسطينيين إلى هنا، وظنّهم أنّها رحلة مؤقتة وبعدها ما حدث من ممارسات قمعية من قبل المكتب الثاني بحق الفلسطينيين وبعدها استقواء نوعاً ما من قبل الفلسطينيين والحرب، الخ.
العلاقة لها جذور وأبعاد، التدخل الأميركي في العراق له أبعاد سياسية ولكن ليس في صلب النسيج الاجتماعي، لذا الوضع مختلف.
• اثرت تعاطف القارئ مع ماريان وطفليها، أي أسرة الجندي الذي أصر إلا أن يذهب مع القوات الأميركية المحتلة .. هل تجدين أنه من المنطق استدرار عواطفنا باتجاه الأميركي القاتل؟
المقاتل الأميركي لم يرفض الذهاب إلى العراق، اعتبره واجباً، زوجته من اعترضت ورفضت وهي التي بقيت في حالة انتظار لا تعرف إن كان قد مات أو لا.
هي التي عاشت حالة القهر والعذاب، وأدانت زوجها لقبوله بالذهاب. لم يكن الأمر استدرار العواطف مع المقاتل الأميركي، بل للإشارة إلى أن السلطة هي من تصنع الحرب وليس الجنود. هم مجرد أداة وعتاد، سنسأل: لماذا يذهبون إذاً؟ لأنّهم جزء من هذا النظام، ولكل نظام ثمن.

اللهجة المستخدمة
• استخدمتِ لهجة الفلسطيني الذي لا يزال يقيم في الأراضي المحتلة العام 48 والتي حملها معه في بدايات النكبة واللجوء من خلال لفظ "إسا" .. ما أعرفه أن جيل مجد، فقد الكثير من هذه اللهجة، إن لم يكن كلها مع مرور السنوات في لبنان؟
مجد رحل منذ 1982، أي قبل حوالي 32 سنة من زمننا الحالي.. لا أعرف إن كانت اللهجة مفقودة حينها. لكني لا زلت أسمع هذا التعبير، نحن نستخدمه أيضاً، في شمال لبنان بمدينة طرابلس، وحين ألفظ الكلمة في بيروت.. لا تزال تثير التعجّب.

تيار الوعي
• هناك من وصف الرواية بأنها حكايا الأشلاء المطمورة مشيرا إلى استخدامك السرد متعدد الأصوات "أسلوب تيار الوعي" والذي يقترب من السيناريو السينمائي .. هل تجدين من هذا التشخيص ما يمس الرواية؟
أسلوب تيار الوعي موجود في الرواية من جهة تداعي الذاكرة، هذا صحيح، لكن حاولت أن أتجنب الجمل المفككة أو الأفكار غير المترابطة لكي لا يكون النص معقّداً، ومن هنا هناك نوع من الهيكلية في السرد، وكان لا بد من عدة أصوات في الرواية كي لا يبدو مجد الراوي الذي يعرف كل شيء، وإلا لما بدت بذلك أسئلته منطقية، ولا يزعجني أن يكون النص قريباً من السيناريو السينمائي، لكنه في النهاية نص أدبي.

الرواية السابقة
• بعض النقاد وجد في رواية "أنا هي والأخريات" دعوة للحرية بمعناها المطلق واختصاراً لمعاناة المرأة في المنطقة العربية فيما وصفها آخرون بالجريئة .. ما رأيك؟
وأنا أجد في هذا اختصاراً للرواية، أنا حتى لا أعرف ما هي هذه الحرية المطلقة التي من المفترض أني أدعو إليها، وأجد الكثير من السذاجة حين أقابل بردود فعل كأني أشجع على الفجور في الرواية وأختصر المرأة بجسدها.
أجد أيضاً حالة إنكار، البعض يأتي ويقول المرأة بخير، لا حاجة للحقوق، إلخ. في لبنان فحسب، قتل حوالي أربع نساء على أيدي أزواجهن جراء العنف المنزلي، الذي هو أحد مواضيع الرواية.
كان يمكن لسحر، بطلة "أنا، هي والأخريات" أن تكون مثلهن لو لم تسع إلى هوية أخرى.
إن كنت قد جسدت صراع المرأة مع غياب المفاهيم الجسدية والثقافة الجنسية في عالمنا، فلا ضير من ذلك.. الرواية طرحت إشكالية مدينة معنّفة من خلال جسد امرأة معنّفة، وبعد نشرها فعلاً شهدنا أحداثاً دموية في طرابلس.
أنا لا أعرف فعلاً إن كان من المفترض بالروايات أن تراعي، نحن نراعي بما فيه الكفاية في حياتنا اليومية، في المقابل، كان هناك من رأى في العمل أبعد من ذلك بكثير، والجدل يحيي العمل.

فارق كبير
• هناك فرق كبير في موضوع "طابق 99" عن سابقتها مع أن هناك روائيين كبارا يراكمون الروايات لتظهر وكأنها وحدة واحدة بأساليب مختلفة، هل انت مع التنويع في المواضيع وهل ننتظر رواية جديدة بموضوع مختلف؟
أنا أشعر بالملل بسرعة وأبحث دائماً عن تحديات جديدة، هذه طبيعتي، أو بالأحرى لديّ شعور دائم بأن الوقت قليل، ويجب أن نغرف منه ما نستطيع، سيكون من المهين بالنسبة للكاتب وللقارئ أن نعيد إخراج نفس الأفكار والكتب له بصياغات مختلفة، لنكتف بما سبق أن قلنا إن لم يكن هناك من جديد.
هناك دائماً أسلوب يطبعه الكاتب في مؤلفاته أو "نَفس" ما، لكن هذا مختلف عن التكرار، من المبكر الحديث عن رواية جديدة الآن، ربما أحتاج إلى نص طويل أقل زخماً حالياً وفيه وقفة مع الذات إلى أن أجد ما أريد أن أكتبه كنص روائي متماسك.

سينما
• هل تلقيت عروضا بتحويل رواياتك لأفلام أو مسلسلات تلفزيونية وهل لديك شروط معينة لقبول عروض كهذه؟
لقد سبق أن تلقيت عرضاً لتحويل "أنا، هي والأخريات" إلى عمل درامي، ولم أوافق، لأن الشروط بدت بمثابة تخلّ عن العمل بمجرد الموافقة والمضي قدماً بالعرض.
أضع الكثير من الجهد في الرواية كي أرضى عنها ومن العبث أن أراها في عمل سينمائي أو تلفزيوني لا يشبهها.
الشرط هو أن تشبه الصورة المضمون، ولا أقول أن تتطابق معه. هناك خصائص للتلفزيون والسينما مختلفة عن الرواية، أنا مدركة لذلك، لكن أن يجسد العمل السينمائي أو التلفزيوني الرواية بما تستحق، ليس شرطاً مجحفاً.

روايات منافسة
• هل قرأت أيا من الروايات المنافسة في القائمة الطويلة وهل تتوقعين الوصول للقائمة القصيرة؟ وهل يرعبك أحد المنافسين أو اكثر لروعة روايته أو لاسمه المخضرم؟
قرأت عملين قبل إعلان اللائحة ثم قرأت رواية الكاتب المصري هشام الخشن "جرافيت" وأريد أن أبدأ بقراءة "شوق الدراويش" للكاتب السوداني حمّور زيادة.. الروايات التي قرأتها حتى الآن جيّدة ومتنوّعة، ومن الجيّد أن البوكر تعطي فرصة لإلقاء الضوء على الروايات العربية، هذه ليست تجربتي الأولى في الجائزة ولا أشعر بالخوف.
في المرة السابقة، قالت لي إحدى الصديقات: "لا تحزني إن لم تفوزي. الآخرون بذلوا جهوداً في أعمالهم كما فعلتِ أنتِ".
أحاول أن أفكر بنفس الطريقة الآن، وإن كنت قد أتمنى الفوز للبعض أكثر من البعض الآخر.

كتاب وكتابة
• لمن تقرأ جنى الحسن وبمن تأثرت من الكتاب والروائيين؟
أقرأ لكتاب عرب وكتاب عالميين والكثير من الأدب الانكليزي والأميركي لأنّ هذا جزء من دراستي، قد أتأثر بعمل يجعلني أستغرق فيه وأشعر أن شخوصه ترافقني، لكني أحاول أن أصنع صوتي الروائي الخاص.
• أنت من مواليد العام 1985، وهذه الرواية الثالثة لك .. متى بدأت الكتابة وما هو طموحك وأهدافك المستقبلية؟
بدأت الكتابة منذ المراهقة، حتى أن ابنتي عثرت منذ فترة على دفتر مذكرات قديم لي وكنت قد دوّنت عليه بطاقة تعريفية بي وملأت خانة أحلامي بأن أكون كاتبة.
كنت أريد أن أخبر حينها، ولا أزال أريد ذلك، كنت أكتب الخواطر والشعر ورسائل الغرام التي أرسلتها صديقاتي لأحبائهن، وكنت أريد أن أكتب الحكايا ولا أعرف كيفية بنائها.
الآن لا أعرف لم أردت ذلك، طموحي أن أستمر في اقتناص الزمن والوقت للكتابة بالإضافة إلى أعمالي الأخرى في الترجمة أو الصحافة وحياتي العادية.

المشهد اللبناني
• ككاتبة شابة ما رأيك بالمشهد الروائي اللبناني عموما وحضور الأدب الشبابي والنسوي فيه؟
المشهد الروائي اللبناني قوي ومتجدد، لدينا نتاج محفّز: ربيع جابر، إيمان حميدان، انطوان الدويهي، نجوى بركات، حسن داوود، أسماء كثيرة.. لدينا أيضاً كتّاب جدد كمايا الحاج وسليم اللّوزي، وهناك تجربة جديدة وحيّة.. أظنّ أنّنا نرى إنتاجاً وتدفقاً وهذا تفاعل مفيد للأدب.
الكاتبات اللبنانيات حاضرات أيضاً، مثل: لنا عبد الرحمن وهالة كوثراني ونجوى بركات ولينا كريدية، والمواضيع المطروحة متنوعة، وهناك تجارب جديرة بالاهتمام.

كهول وشباب
• الروائي اليمني علي المقري قال لي إن على كهول الرواية أن يتعلموا من الشباب .. ماذا تقول جنى الحسن؟
عليهم أن يتوقفوا عن النظر إلينا كأنّنا بحاجة إلى الرضا والاستحسان، سيكون ذلك كافياً، الرواية في نهاية الأمر تجربة فردية.
كنت أقرأ إحصائية مثيرة للاهتمام منذ فترة عن العمر الذي كتب فيه روائيون عالميون أفضل ما لديهم.
البعض كتب أفضل ما لديه في سن مبكرة، والبعض الآخر في سن متأخرة، والبعض بقي متدفقاً ومتنوعاً على مدى طويل، ليس هناك قاعدة في هذا الأمر.

خصوصية فلسطين
• أخيرا: هل من خصوصية ما لفلسطين وقضيتها لديك ولماذا وكيف تكوّن هذا الشعور؟
على الرغم من العجز الذي أعتقد أننا جميعاً نشعر به، تبقى فلسطين قضية محورية، ولكن ماذا يمكن للكلام أن يفعل مقابل المعاناة الحقيقية، لا أعرف، وأنا بطبيعتي أخجل من أن أتكلم نيابة عن قضية لا أستطيع مثلا أن أقدم لها شيئاً، وأنا لا أؤمن بالمزايدات اللفظية.
أظنني كنت يوماً جزءاً من هذا الوهم المعمّم في لبنان، أن نلوم الغرباء على ما نحن نقصّر به، أو شاهدة على ذلك.
أنا لا آتي من بيت عربي قومي مثلاً أو بيت فيه مناضلون وسياسة. آتي من خلفية تغيب السياسة عنها، وتطغى فيها التجربة الفردية.
لم نكن مثلاً نلعب مع أشخاص من جنسيات مختلفة، بل كنا مجتمعا عائليا صغيرا.
لم اكن أكترث فعلياً للصراعات والحروب، تكوّن وعيي السياسي متأخراً، ولأني كنت أريد أن أستكشف، لم آت وأنا أحمل أفكاراً مسبقة، ما خوّلني أن أرى الأمور بشكل أوضح بعض الشيء.
لا يمكنك إنسانياً أو ضميرياً ألا تكوني مع قضية شعب تكاتف العالم ضده، ولا يمكن زعم الوقوف إلى جانب اللاجئ الفلسطيني في لبنان، بينما هو محروم الحقوق وبلاده على مسافة حجر منه وممنوع عنها.
تكون إنسانياً لأني أعرف معنى أن نكون مجردين من كل شيء وأعرف أن العالم يمكنه أن يكون متوحشاً بشكل فظيع من خلال التجارب الإنسانية، سواء تجربتي أو غيرها.
في نفس الوقت، لا أحب الشعور بالتعاطف، لا أظنكم تحتاجونه كشعب يعلّمنا الكثير، لنقل إننا جميعاً في هذا الشرق بنفس هذه الدوامة الهمجية بدرجات متفاوتة، أقسى عليكم أحياناً لكنها بالتأكيد أيضاً ليست سهلة على الآخرين.