خبر : ماذا بعد الإخفاق؟ ...حمادة فراعنة

الأحد 25 يناير 2015 10:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT



بعد فشل الجهود الأميركية، منذ كامب ديفيد 2000 وأنابوليس 2007، وواشنطن خلال ولايتي أوباما الأولى 2009- 2012 مع جورج ميتشل، والثانية منذ 2013 حتى يومنا مع جهود جون كيري وجولاته المكوكية خلال فترة التسعة شهور من تموز 2013 حتى نهاية نيسان 2014، بهدف التوصل إلى تسوية واقعية ومعقولة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واصطدام الجهود الأميركية بالتطرف الإسرائيلي الذي يسعى إلى بلع وطن الفلسطينيين، وتغيير معالمه العربية والإسلامية والمسيحية، وجعل فلسطين وطناً إسرائيلياً لليهود، وبالتالي عدم الاستجابة لحقوق جزأي الشعب الفلسطيني الجزء المقيم منه داخل وطنه والجزء الثاني المشرد خارجه، تلك الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية وجسدتها قرارات الأمم المتحدة بدءاً بقرار التقسيم 181 ومروراً بقرار حق عودة اللاجئين 194، إلى قرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، بوضوح بالغ وصارخ يمكن الاستنتاج والقبول أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية قد وصلت إلى طريق مسدود، ودللت نتائجها على عجز واشنطن المفرط عن تحقيق غرضين أولهما ممارسة دور ضاغط على حليفتها تل أبيب نحو التجاوب مع استحقاقات التسوية، رغم امتلاكها لأوراق مهمة تؤهلها لممارسة هذا الضغط على تل أبيب، وثانيهما عدم قدرتها على اتخاذ موقف متوازن ومعتدل ووسطي غير منحاز لإسرائيل، فدورها كان دائماً وفي كافة محطات التفاوض في عهود كلينتون وبوش وأوباما، يسير باتجاه تلبية المصالح الاستعمارية الإسرائيلية، ودعم توجهات تل أبيب التوسعية، وبرز ذلك جلياً في توقيع الاتفاق بين بوش وشارون يوم 14 نيسان 2004، وبيان الكونغرس على حماية الاتفاق الإستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب. 
فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة، هما الحصيلتان اللتان سمعتهما شخصياً على لسان الرئيس أبو مازن، ومن تقارير رئيس دائرة المفاوضات عضو تنفيذية منظمة التحرير صائب عريقات ما دفعني إلى إصدار كتابي السادس عشر، اعتماداً على التقارير الفلسطينية، تحت عنوان «فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة»، وهاتان الحصيلتان بدأتا مع التوجه الفلسطيني بتقديم طلب العضوية إلى مجلس الأمن يوم 23/9/2011، والطلب ما زال معلقاً، لعدم تمكنه من الحصول على تسعة أصوات كي يمر نحو التصويت، ولكن هذه السياسة نجحت في تقديم طلب العضوية إلى «اليونسكو» يوم 31/10/2011، وتوجت هذه السياسة في تحقيق الانتصار الفلسطيني يوم 29/11/2012، في تقديم طلب العضوية المراقب لدولة فلسطين، وقبولها بـ 138 صوتاً ضد تسعة أصوات فقط حصلت عليها واشنطن وتل أبيب مجتمعة، ما يدلل على حجم التأييد الدولي لشرعية المطالب الفلسطينية وعدالة توجهاتها، ويدلل في نفس الوقت، وبنفس القوة المتعاكسة، وربما أقوى، عن مدى رفض العالم للسياسة الاستعمارية الإسرائيلية، وعدم شرعيتها، وعدم تجاوب العالم مع منطقها التوسعي ودوافعها الأمنية، ومن الجدير التأكيد عليه، اعتماداً على هذا السياق، والتوقف عند مضامينه، أن ثمة تراجعا تدريجيا من قبل المؤيدين للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وان ثمة تقدما تدريجيا للمؤيدين للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، فالاقتراح الفلسطيني الذي قدم إلى مجلس الأمن في اليوم ما قبل الأخير من العام الماضي 2014، وأخفق في الحصول على تسعة أصوات، واصطدم بـ»الفيتو» الأميركي، برزت خلاله دلالات إيجابية رغم الفشل وهو التصويت الفرنسي مع لوكسمبورغ لصالح فلسطين، إلى جانب أصدقاء قضية الشعب الفلسطيني روسيا والصين، والامتناع البريطاني عن التصويت وعدم الامتثال للموقف الأميركي، لصالح فلسطين كموقف سلبي من قبل بريطانيا ضد إسرائيل. 
حصيلة السياسة الفلسطينية، الغنية بالخبرات والتجارب، والمصحوبة بالإنجازات المتواضعة منذ مفاوضات أنابوليس، والإخفاقات الكبيرة لجهة عدم تحقيق خطوات عملية ملموسة لصالح انحسار الاحتلال عن الأرض، ولصالح عودة اللاجئين لبلدهم واستعادة ممتلكاتهم، بل وزيادة الاستيطان وتوسيعه في الضفة، وتهويد منظم للقدس، وأسرلة تدريجية للغور، إنما يعود لوقائع حسية ملموسة متعددة تعود لثلاثة عوامل رئيسية هي:
أولاً: العامل الفلسطيني نفسه الذي صنع الإخفاق، ويتحمل مسؤوليته، وهذا يعود إلى حالة الانقسام والانشقاق والانقلاب التي تجسدها حركة حماس الإخوانية، ويليها عدم قدرة التحالف الوطني العريض الذي يقود منظمة التحرير من استعادة زمام المبادرة السياسية والتنظيمية والكفاحية في مواجهة الاحتلال ومشاريعه التوسعية في الاستيطان والتهويد والحصار، وعدم ترسيخ قيم الشراكة والعلاقات الجبهوية المتكافئة بين مختلف الفصائل والأحزاب والشخصيات الفلسطينية، واستفحال قيم التفرد في إدارة المؤسسة الفلسطينية، إضافة إلى فشل التوصل إلى الاستقلال المالي ما يجعل الإدارة الفلسطينية بجناحيها في رام الله وغزة، أسيرة خيارات الدول المانحة والممولة أو على الأقل عدم التصادم معها. 
ثانياً: التطورات العربية، التي فجرتها ثورة الربيع العربي العام 2011، وجعلت الوضع العربي برمته منكفئا على نفسه، غارقاً بتفاصيله المحلية، بعيداً عن أي محتوى قومي، وفي طليعته عدم الاهتمام بالشأن الفلسطيني. 
أما العامل الثالث: فيعود إلى تفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ذاتياً بامتلاكه قدرات متفوقة سياسية واقتصادية وعسكرية واستخبارية وتكنولوجية، إضافة إلى عاملي نفوذ الطوائف اليهودية في العالم، والانحياز والدعم الأميركي لإسرائيل. 
وهذا كله يدعو الكل الفلسطيني، للتوقف، أمام الإخفاق، لمعالجة الاختلالات القائمة، سواء داخل مؤسسة منظمة التحرير، أو مع الشريك الفلسطيني الآخر «حماس» و»الجهاد»، وإيجاد الأرضية المناسبة التي تصنع العناوين الثلاثة المفقودة: 
1 - برنامج وطني فلسطيني، يشكل القاسم المشترك للجميع. 
2 - مؤسسة تمثيلية موحدة في إطار منظمة التحرير وأداتها التنفيذية على الأرض الفلسطينية: السلطة الوطنية وحكومتها الائتلافية. 
3 - أدوات كفاحية متفق عليها، بهذا يمكن منع الإخفاق أولاً ومواجهة الاحتلال وهزيمته ثانياً ونيل العودة والاستقلال ثالثاً. 
h.faraneh@yahoo.com