خبر : ابــراهــام بـــورغ ...د. عبد المجيد سويلم

الخميس 15 يناير 2015 10:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT






لو أن دخول أبراهام بورغ إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة قد جاء على أية خلفية قبل أو بعد الانتخابات الإسرائيلية لاعتبرت ـ أنا شخصياً ـ هذا الدخول بمثابة حدث جلل وكبير، بل وعلى أعلى درجات الأهمية من حيث الدلالة والمغزى، ومن حيث درجة الفعل والتأثير والتفاعل.
لا ارى أن القارئ حر في أن يعتبر هذه المقدمة بمثابة تقليل من شأن هذا الدخول أو ان هذا الدخول (الانتخابي) يُفقد الخطوة أهميتها على كل حال.. وأرى على العكس من ذلك أن أبراهام بورغ رجل شجاع وصادق مع نفسه ولديه ضمير حي ومفتوح على الحقيقة والواقع أكثر مما هو مفتوح على الأيديولوجيا والأفكار المسبقة والمعدّة "بعناية" في المطابخ السياسية الإسرائيلية.
أثبت أبراهام بورغ على مدى السنوات الماضية أن قراءة الواقع الإسرائيلي باتت تحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية:
الأول، هو أن إسرائيل الحالية بما تنطوي عليه سياستها الحالية أو القائمة اليوم في الواقع السياسي الإسرائيلي هي حالة انحدارية مرشحة للانزلاق الكبير نحو دولة لا يربطها بدولة إسرائيل التي آمن بها أبراهام بورغ سوى رابط الاسم، وانها (أي إسرائيل) باتت تشكل خطراً على مواطنيها بدلاً من أن تكون لمواطنيها.
الخطر الذي يراه أبراهام بورغ يطال اليهود كما يطال العرب على الرغم من كل محاولات الظهور بمظهر الدولة التي تدافع عن اليهود فيها قبل دفاعها عن غير اليهود أو على حسابهم.
الثاني، هو أن أبراهام بورغ بات يؤمن بأن الخطر الذي أشير إليه أصبح يتطلب الانتقال من دائرة الموقف الثقافي إلى دائرة الفعل السياسي في اطار سياسي قادر على الفعل والتأثير حتى ولو كان هذا الفعل ما زال تبشيرياً في هذه المرحلة، لأنه يمكن أن يتحول إلى فعل مؤثر في مراحل لاحقة ربما تكون قادمة لا محالة من وجهة نظر بورغ ومن زاوية قراءة التحولات المستقبلية في إسرائيل.
أما الثالث، والأكثر أهمية ـ كما أرى ـ فهو اختيار أبراهام بورغ للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وليس أي إطار يهودي يساري مثل "ميرتس" على سبيل المثال.
لا أعرف إذا كان البحث عن مقعد مضمون هو الذي جعل بورغ يفضل الانضمام إلى قائمة الجبهة، ولكن حتى لو أن هذا هو السبب المباشر فإن مثل هذا الأمر هو أمر مشروع ولا يعيب صاحبه.
إذا كان أبراهام بورغ يبحث عن دور للفعل السياسي المباشر وإذا كان الرجل يحاول البحث عن الدائرة المناسبة لهذا الفعل فمن الطبيعي أن يبحث عن المقعد المضمون، خصوصاً وأن أبراهام بورغ لا يبحث عن تسجيل المواقف الثقافية أو أي نوع من أنواع إرضاء الضمير الذي بات يؤمن به أو الضمير الذي يحرك أفعاله.
أبراهام بورغ الذي عودنا (نحن الذين نتابع أفكاره) على أنوع من الصدمات الثقافية قبل الانتخابات الإسرائيلية وهو ـ كما أرى ـ سيتابع شجاعته الأدبية والأخلاقية على كل حال، ولهذا فإن أبراهام بورغ يستحق الاحترام على مواقفه وعلى شجاعته وعلى النموذج والمثل الذي ضربه على مدار سنوات طويلة، ولهذا فإن من حقه علينا هذا الاحترام اليوم كما كان بالأمس ومن واجبنا إظهار كل ما يمكن التعبير عنه من تقدير اليوم كما أظهرنا له من تقدير سابق.
وخلاصة العنصر الثالث هنا هو أن بورغ يرى في الجبهة اطاراً مناسباً للعمل السياسي وهذا بحد ذاته يعتبر موقفاً إضافياً ونوعياً في المعنى وفي المغزى، لما يمثله هذا الرجل الشجاع في الواقع الإسرائيلي، كما أن انضمام الرجل إلى الجبهة هو شرف سياسي كبير للجبهة وما تمثله من قيم ومن دور ومكانة.
وبالعودة إلى الانحدارات الإسرائيلية فإن من المؤكد أن الانزياحات المستمرة نحو اليمين واليمين المتطرف ستولّد بالضرورة انحيازات ريادية أو طليعية من قبل عناصر وشخصيات ثقافية إسرائيلية إلى دوائر ديمقراطية، وذلك دفاعاً عن قيم التعايش والقواسم الديمقراطية المشتركة بين العرب واليهود، وان هذا الاتجاه مهما بدا حنينياً في هذه المرحلة، ومهما اقتصر حالياً على شخصيات ثقافية بعينها، إلاّ أنه بالرغم من ذلك يمثل اتجاهاً هو بدوره أيضاً حتى وإن كان التناسب مختلاً بصورة كبيرة في الواقع الإسرائيلي اليوم.
ويبدو لي أننا نحتاج إلى إدراك أهمية مغادرة الساحة النمطية التي اعتدنا أن نراها في قراءة الواقع الإسرائيلي.
فنحن أيضاً نحتاج أن نغير من نمطيتنا.
علينا على ما يبدو لي أن نفتح أعيننا وعقولنا وأحياناً قلوبنا أيضاً لنرى أن المجتمع الإسرائيلي هو أيضاً ـ وعلى الرغم من كل شيء ـ مرشح لكل مجتمع على إفراز قوى خيّرة كثيرة وعلى إبراز شخصيات كثيرة لديها من قيم العدالة والديمقراطية والحسّ الإنساني ما يجعلنا ويحتّم علينا أن ننظر إليهم بعين الإخاء والمساواة والعمل المشترك.
علينا أن نحتضن كل إسرائيلي يهودي يؤمن بالسلام العادل والحقيقي، ويؤمن بحق شعبنا في تقرير مصيره وفي حقوقه الوطنية وحق أهلنا في الداخل بكل حقوقهم القومية والمدنية.
ومقابل كل ذلك علينا أن نحترم كل إسرائيلي يهودي يدافع عن الديمقراطية ويواجه الاحتلال والتمييز وسياسات التهويد والاستيطان والانغلاق العرقي وضد من يحاول إعادة الصراع إلى مربع الإثنية والدين خدمة للمشروع الاستعماري الصهيوني في نسخته القائمة اليوم في إسرائيل.
أبراهام بورغ رجل شجاع وصاحب ضمير حي وهو جدير بالاحترام والتقدير قبل الانتخابات وسيظل جديراً بعدها.