خبر : شجاعة الرئيس السيسي د. عبد المجيد سويلم

الأحد 11 يناير 2015 08:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عندما يطلب الرئيس المصري جهاراً نهاراً وأمام ممثلي المؤسسات الدينية المصرية «بثورة دينية» فإن هذا الموقف يعتبر بكل المقاييس ثورة بحد ذاتها.
لوحظ في الآونة الأخيرة تحول كبير ولكنه متدرج في مواقف الأزهر باتجاه الربط ما بين التطرف والإرهاب من جهة وما بين نمط الخطاب الديني «السائد» من جهة اخرى.
كما لوحظ ايضاً أن وزارة الأوقاف المصرية وكذلك دار الافتاء المصرية قد حذت حذو الأزهر بدرجات متفاوتة نحو التأكيد على الاعتدال والوسطية.
اما ما طالب به الرئيس السيسي فهو أعمق واكبر واهم وبما لا يقاس من مواقف المؤسسات الدينية التي اشرنا اليها.
في السياق التاريخي العام، ظل الإصلاح الديني مطلباً ملحاً على مستوى النخب السياسية وبعض القوى والاحزاب ذات السمة الريادية والطليعية وتحمل بعض الرواد مسؤولية تاريخية في اثارة الاصلاح الديني وأهميته التاريخية من اجل التقدم والحرية وحتى العدالة الاجتماعية والتحرر.
لم يكن موقف المؤسسات الدينية إيجابيا في معظم الحالات، بل وعملت هذه المؤسسات على حصار ومعاقبة الرواد احياناً. يكفي في هذا السياق التذكير بما تعرض له العلامة الازهري علي عبد الرازق وكذلك عميد الأدب العربي طه حسين في اوائل القرن الماضي والمثقف المصري المبدع نصر حامد ابو زيد في ثمانينيات القرن الماضي، وغيرهم وغيرهم العشرات وربما المئات في طول بلاد العرب والمسلمين وعرضها.
كان المفكر الإسلامي العظيم محمد عبده هو المصلح الأكبر - كما ارى - في قضايا كبيرة ولكنه كان في الواقع فيلسوف الإصلاح الديني وخصوصاً في حقل العلاقة ما بين الدين والسياسة.
اعتبر محمد عبده ان دخول الدين على حقل السياسة ودخول السياسة على الحقل الديني هو المفسدة الاكبر في احوال المسلمين، ولهذا فقد اكد على ضرورة فك هذا «التداخل» وعبر مقولته الاشهر: ما دخل الدين في السياسة إلا وأفسدها، وما دخلت السياسة في الدين إلا وأفسدته.
لم يتحول الاصلاح الديني الى ضرورة اجتماعية في الواقع العربي والاسلامي على ما يبدو لأن الإصلاح الديني يفتقد الى ركائزه الاجتماعية تحديداً.
اذا عدنا الى الاصلاح الديني في اوروبا فإن السياق التاريخي يؤكد ان حالة الاصلاح بدأت كحالة نخبوية وريادية ولكنه تحول الى ضرورة اجتماعية بعد انتصار العلاقات الرأسمالية او بعد انهيار المنظومة الاقطاعية وصعود البرجوازية. بمعنى آخر كان من مصلحة البرجوازية ان تتم عملية الإصلاح الديني في سياق الثورة البرجوازية نفسها.
هذا التوافق التاريخي هو الذي وفر الركيزة والحاضنة وحيث تحول الاصلاح الديني من الحقل الثقافي الخاص الى الفضاء الاجتماعي الشامل.
لأسباب تاريخية معروفة لم ينجز الوطن العربي اي ثورة برجوازية متكاملة، لأن دخول العلاقات الرأسمالية الى البلدان العربية وكذلك الكثير من البلدان الاسلامية قد جاء «عنوةً» وفي سياق مختلف عما كان عليه الامر في اوروبا.
دخل الوطن العربي في عصر الرأسمالية من مواقع التبعية وليس من مواقع التحرر الاجتماعي القائم على فعل القوانين الوطنية للتطور.
البرجوازية العربية الناشئة في ذلك الوقت لم تتقدم في ضوء انهيار الاقطاع وانما في ضوء «ضرورة» خارجية ولذلك كانت مشوهة وتابعة بل وحالة خاصة من «انصهار» العلاقات ما قبل الرأسمالية مع علاقات رأسمالية هشة وضعيفة وتابعة. وحتى في مرحلة المد القومي لم يكن الاصلاح الديني ضرورة اجتماعية وكان في الواقع ضرورة «سياسية» في الكثير من مظاهره وابعاده واهدافه ايضاً.
في العقود الاربعة او الخمسة الاخيرة «تغوّل» الخطاب الديني في بعض تجلياته وابعاده في التطرف والاقصاء ووصل الى حد الارهاب السافر.
الدولة العربية القطرية كانت دائماً اما حليفة واما متواطئة واحيانا كثيرة كانت الدولة تستخدم الخطاب الديني في نسخته «السائدة» في مواجهة «المعارضة» السياسية، وهكذا تحول الخطاب السائد دينيا الى شأن سياسي مباشر والى حاضنة ومصدر رئيسي للتطرف والإرهاب لاحقاً. وفي السنوات الأخيرة تحديداً وبعد «الربيع العربي» انتقل الصراع الى الحق الاجتماعي المباشر حيث تحول الاسلام السياسي في نسخته المتطرفة مباشرة الى معول لهدم الدولة وتدمير المجتمع واحلال الاقصاء العنيف كأداة مباشرة لسؤال السلطة والدولة وعلاقات المجتمع.
الرئيس السيسي ادرك عمق العلاقة ما بين الخطاب الديني المتطرف وما بين الارهاب والتطرف وهو الامر الذي اوصله الى القناعة بضرورة المطالبة بالإصلاح الديني في سياق رؤيته للتحول نحو الدولة الديمقراطية الحديثة في مصر.
الرئيس المصري بهذه المطالبة الشجاعة يُدشن مرحلة جديدة من الربط الضروري ما بين نجاح التحول الى دولة ديمقراطية حديثة وما بين واقع الخطاب الديني السائد وعمق تأثيره في كل المنظومات الثقافية والتعليمية وفي انتشاره الخطر في الجسد الاجتماعي العربي.
لم يعد ممكناً الانتقال الى الديمقراطية (بغض النظر عن كثير من مظاهر القصور فيها وخصوصاً في مصر) دون اصلاح ديني على كل المستويات وخصوصاً في حقل التعليم.
ولم يعد ممكناً الحديث عن أي دولة حديثة بمعزل عن ثورة دينية حقيقية تفتح دائرة الاجتهاد على كامل المدى الممكن، وبهذا فقط يمكن الحديث عن إمكانية التحول الى تلك الدول المنشودة.
وعندما يتحول الاصلاح الديني الى رديف اجتماعي مباشر للديمقراطية والتحرر والحرية يمكن الحديث وقتها عن نجاح حقيقي وعن تحولات اجتماعية كبيرة.
المشكلة التي ما زالت تلحُّ علينا السؤال، لماذا على الرئيس السيسي ان يبادر هو بنفسه الى معظم القرارات الكبيرة في مصر؟؟
اين هي القوى والأحزاب والمجتمع المدني من المبادرة وعن المؤازرة وعن الدور المفترض فيها؟؟