خبر : يطالبون الذئب أن يصير نباتياً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

الأحد 23 نوفمبر 2014 03:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
يطالبون الذئب أن يصير نباتياً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية




تنشغل إسرائيل هذه الأيام بسجال قانوني حول إعادة تعريف إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وذلك على وقع الموجات المتصلة للمقاومة المقدسية، ويبدو ان كلمة سجال مبالغاً فيها لأن صوت المعترضين اليهود على مشاريع القوانين التي ترسي العنصرية وتعزز عدم المساواة بين "المواطنين الاسرائيليين" يهوداً وعرباً وآخرين، صوت ضعيف وخجول، وتقريباً لا يكاد يسمع، ولكون جوهر الاعتراض يتركز على الجوانب الشكلية وليس والتسويقية له في العالم، ويحركه الرغبة بالتميز والمناكفة الحزبية على وقع الإحساس بقرب الانتخابات، وليس بدافع رفض الجوهر العنصري لمضمون وأهداف هذه القوانين، من حيث الدوافع والخلفيات والأهداف.
فالمعارضة اليهودية الأبرز لهذه القوانين تتمثل بمعارضة ليفني ولبيد، اللذيْن لا يعارضان جوهرياً من حيث المبدأ سن المزيد من قوانين الأساس التي تعزز الطابع اليهودي للدولة، لكنهم يطالبون بتعديلات بسيطة تخفف من وطأتها العنصرية وتخلق حالة من التوازن بين المركب اليهودي للدولة والمركب الديمقراطي، أي عنصرية بلباس ديمقراطي وديموقراطية تشرعن العنصرية وتبيضها.
القانون الذي يخضع اليوم الأحد لنقاشه من قبل الحكومة في جلستها الأسبوعية تحت اسم مشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي" المقدم من قبل عضو الكنيست زئيف الكين من "الليكود" هو صيغة جديدة ومعدلة بشكل طفيف جداً لمشروع قانون قدمه في دورة الكنيست السابقة الكين سوية مع عضو الكنيست السابق أفي ديختر من حزب "كديما" عندما كانت تتزعمه ليفني، التي تعارض مشروع القانون اليوم.
ويرمي مشروع القانون هذا، الذي يوصف بأنه أحد أبرز القوانين عنصرية ومعاداة للديمقراطية إلى إعادة بلورة المسلمات الأساسية المتعلقة بطبيعة إسرائيل، وتشمل سلسلة من التعريفات المختلف حولها، وستعرّف إسرائيل وفقاً لمشروع القانون بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن يخضع النظام الديمقراطي فيها لتعريف الدولة كـ "دولة القومية اليهودية".
ويلغي مشروع القانون مكانة اللغة العربية كلغة رسمية، وستحصل في المقابل على "مكانة خاصة"، ويؤكد القانون على أولوية الرجوع للتشريعات اليهودية والموروث اليهودي في حال عرضت على المحاكم قضية لا جواب لها في القوانين الاسرائيلية الحالية أو في قرارات المحاكم؛ علاوة على انه سيكون مرجعاً لسن قوانين جديدة ولقرارات المحاكم، وينص مشروع القانون أيضاً على التزام الدولة بتنفيذ أعمال بناء لليهود، ولا تلتزم بأعمال بناء لصالح "قوميات أخرى"، أي العرب.
هذه النصوص العنصرية لتعريف الدولة الاسرائيلية والتشديد على طابعها اليهودي لا تأتي لتعالج إشكاليات قانونية حقيقية تواجه المشرع اليهودي الاسرائيلي فيما يتعلق بالطابع اليهودي للدولة، فقوانين الأساس الإسرائيلية، التي لا زالت تعتبر بديلاً للدستور الذي لم يكتب بعد، تزخر بنصوص شديدة الوضوح تتعلق بالطابع اليهودي للدولة التي هودت الأرض والمؤسسات والثقافة والرموز والمحاكم والقوانين ونظام الحكم وتنظيم العمل والتشريعات المدنية والسكن، وحتى الجوانب الإنسانية، ومن السهولة بمكان الاستدلال على الطابع اليهودي وعلى التمييز العنصري لصالح اليهودية كدين وكمركب قومي في كل مجالات الحياة الرسمية والشعبية، بدءاً من وثيقة بن غوريون "الاستقلال" لسنة 1948 التي أعلن فيها الدولة كدولة يهودية على أرض إسرائيل، وقانون العودة والمواطنة واعتماد الشريعة اليهودية كمرجع للجوانب المدنية، تنظيم الزواج والطلاق، وشروط التهويد، والأعياد والمناسبات، وتنظيم البيع والتجارة استناداً للتحليل والتحريم بما يتوافق والشريعة وعطلة يوم السبت، ووزارة الأديان وقانون الحاخامية الرئيسية، وقوانين الوكالة اليهودية وصندوق أراضي إسرائيل، ورموز العلم الدينية والنشيد الوطني "هتكفا" الذي يقتبس جملاً من التوراة ...الخ.
فإسرائيل على المستوى الصهيوني والتوراتي لا ينقصها تعريف نفسها ومؤسساتها كدولة دينية يهودية الديانة والقومية؛ بل العكس، فهي تبالغ كثيراً وتفيض بالتعريفات العنصرية والممارسات العنصرية، وهي حسب المحاضر في كلية القانون في جامعة تل أبيب البروفيسور ايال غروس فإن ما تحتاجه إسرائيل هو "تعزيز المساواة، وليس قانون أساس يعمق التمييز أكثر، وهو تمييز خطير أصلاً ضد مواطني الدولة الفلسطينيين، وينبغي أن نذكر أنه لم يتم حتى الآن إرساء مبدأ المساواة في أي قانون أساس"، وقد تطرق المحاضر غروس إلى مشروع "قانون القومية" قائلاً فيما يتعلق بالبناء "أنه يصدر عن مشروع القانون هذا، فيما يتعلق بالبناء، صدى التبريرات التي برزت في جنوب إفريقيا إبان نظام الأبرتهايد، فقد تم الادعاء حينئذ أنه يحق لكل مجموعة أن تحظى بتطور منفصل".
وأضاف غروس أن "مشروع القانون سيؤدي إلى تراجع في مجال المساواة، وذلك على الرغم من أن المساواة بين العرب واليهود في إسرائيل ليست موجودة الآن أيضاً"، وأضاف أنه "على الرغم من أن المحكمة العليا قررت أن المس بالمساواة من شأنه إلحاق مس محظور بحق كرامة الإنسان الكامن في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته؛ إلا أن حقيقة أنه بدلاً من البحث في سن قانون أساس: حقوق الإنسان كاملة، ويتم من خلاله إرساء الحق بالمساواة؛ تبحث الحكومة في قانون لإرساء انعدام المساواة بشكل أكبر، تدل على الوضع المحزن للنضال من أجل الديمقراطية في إسرائيل"، وكتب "ان الفصل بين عنصر القومية – اليهودية – وعنصر المواطنة – الإسرائيلية – واقتران الدولة بالقومية، اليهودية فقط، يقصي 20% من مواطني الدولة (العرب)، وتعريف كهذا غير موجود في دول ديمقراطية، تتطابق فيها أسس المواطنة والقومية، مثل فرنسا، كما أنها غير موجودة في الدول التي تعترف دستوريا بوجود عدة مجموعات قومية، لكنها مبنية على المشاركة والمساواة، مثل بلجيكا وكندا".
إسرائيل تريد ان يعترف بها العالم كما ووفق ما تعرف به نفسها لتبرر وتشرعن لاحقاً كل ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين، سواء في الـ 48 أو في الـ 67، ولتبرر قانونياً سن المزيد من القوانين الردعية الارهابية العقابية ضد الفلسطينيين، مثل مشروع قانون يناقش في هذه الأثناء يدعو الى سحب المواطنة من كل يؤيد "الارهاب"، وإذا ما خضع تفسير تأييد الارهاب لتفسير متطرف فإن من سيكتب على صفحته الشخصية في حساب "فيسبوك" انه يترحم على الشهداء سيتهم بتأييد الإرهاب.
إن مسيرة سن القوانين العنصرية الصهيونية لا تنتهي ولن تتوقف، وكلما ازداد تطرف المجتمع الصهيوني سيقضم المزيد من الهامش الديمقراطي الرقيق والهش الذي يمنح العرب نظرياً حقوقا فردية باتت اليوم تنطوي على الكثير من الاشتراطات التعجيزية في بعض جوانبها، فالعنصرية هي المركب العضوي الأصيل في الحركة الصهيونية، ومن يدعو لصهيونية ديمقراطية أو مخففة من العنصرية يشبه من يطالب الذئب ان يصير نباتياً.