خبر : اليمن بين تطرفين ...بقلم د. وليد القططي

السبت 25 أكتوبر 2014 06:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT
اليمن بين تطرفين ...بقلم د. وليد القططي




قبل أربعين عاماً عندما كنت في الصف السادس الابتدائي سألت معلم المواد الاجتماعية عن اليمن لَمِ أصبحت يمنيين , وكانت إجابته تُلقى اللوم على الاستعمار ضمن سياسة ( فرّق تسد ) . وقد استغرق الأمر بعد ذلك ستة عشر عاماً حتى تم توحيد اليمنيين في دولة واحدة عام 1990 عقب انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين – الغربي والشرقي – وتوقف الدعم السوفيتي لليمن الجنوبي المعروف آنذاك باسم ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) , بينما اليمن الشمالي يعُرف باسم ( الجمهورية العربية اليمنية ) , فأصبح الاسم الجديد لهما هو ( جمهورية اليمن ) .
ولكن بذرة الانفصال الخبيثة لم تكن بسبب الاستعمار فقط – كما أخبرنا معلم المواد الاجتماعية – بل موجودة في عمق الذات العربية منذ عهد الجاهلية , ولذلك ظلت كامنة في الأرض حتى ارتوت بماءٍ ملوّث بالتميز ضد الجنوبيين وإحساسهم بالظلم والتهميش , فأثمرت حرباً أهلية بعد أربع سنوات من الوحدة عام 1994 انتهت بقمع التمرد الجنوبي والقضاء على الحركة الانفصالية وهروب قادتها إلى الخارج , ولكن بذرة الانفصال لم تمت حتى توافرت لها البيئة المناسبة في السنوات الأخيرة بعد عام 2007 خاصة بعد ثورة اليمن 2011 التي أضعفت سلطة الدولة المركزية التي أرهقها الاستبداد والفساد , فنشطت الحركة الانفصالية التي عرُفت باسم ( الحراك الجنوبي ) .
واليمن الذي كان يعُرف قديماً باليمن السعيد من كثرة خيراته , وأشتق اسمه من ( اليُمن ) الذي يعني الرخاء والبركة , أصبح تعيساً ليس بسبب الحركة الانفصالية فقط , بل لأسباب كثيرة تبدأ بالاستبداد والفساد الناتجان عن احتكار السلطة والثروة منذ أن قفز ( علي عبد الله صالح ) على الحكم عام 1978 وعمل تدريجياً على تركيز السلطة بيده وأسرته وحزبه ومقربيه ، وأقام نظاما سياسيا يخدمهم وجيشا يحميهم وأجهزة أمنية تحفظ مصالحهم , هذا إلى جانب عدم نجاحه في أن يرُسى قواعد مجتمع مدني يتمتع بسيادة القانون , فظل نفوذ زعماء القبائل الذين تغلغلوا في كل مفاصل الدولة يفوق نفوذ الدولة إضافة إلى انه استخدم القبلية في تعزيز سلطته أحيانا على حساب هيبة الدولة ... حتى بدأت الأرض تمتد من تحت أقدامه في ثورة 2011 التي انتهت بالمبادرة الخليجية التي أخرجته جزئياً من السلطة مقابل الحصانة القانونية له ولأسرته ومقربيه .
وتعاسة اليمن لن تقتصر على الاستبداد والفساد والفقر والقبلية والحركة الانفصالية , بل امتدت ببروز التطرف والتطرف المضاد على حساب الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي الذي ساد اليمن في عهود مديدة , ومن مساوئ الصدف أن هذين التطرفين المتناقضين قد ظهرا في اليمن في وقت واحد وهو العام 1992 , وذلك عندما ظهرت الحركة الحوثية في شمال اليمن , وتنظيم القاعدة في جنوب اليمن .
فقد بدأ تنظيم القاعدة نشاطه في اليمن عام 1992 بعد عودة ( الأفغان العرب اليمنيين ) من أفغانستان عقب سقوط نظام الحكم الموالي لموسكو في كابول , وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي الذين كانوا وقوداً لها دون أن يدروا . وقد عاد هؤلاء ( المجاهدون ) إلى بلدانهم الأصلية بما فيها اليمن حيث البيئة الجغرافية والسياسية والمذهبية الخصبة مستغلين الاضطراب الأمني والسياسي في جنوب اليمن إضافة للفراغ الذي تركته الدولة الذي تعزز بعد اندلاع الثورة اليمنية عام 2011 , وقد وجدوا في الحركة الحوثية مبرراً لهم بذريعة مقاومة ( المشروع الرافض الفارسي ) في اليمن , وقد اتهمهم خصومهم بأنهم ( داعشيون وإرهابيون وتكفيريون ) , وإنهم يسعون الإبادة وتهجير الشيعة الزيديين من اليمن .
وفي المقابل بدأت الحركة الحوثية في نفس العام 1992 عندما أنشأ ( حسين بدر الدين الحوثي ) ( منتدى الشباب المؤمن ) في صعده شمال اليمن متأثراً بأفكار والده ( بدر الدين الحوثي ) المستوحاة من التراث الزيدي في اليمن , والإحساس بالمظلومية والتهميش بعد انتهاء حكم الأئمة الزيدية وقيام النظام الجمهوري عام 1962 , الذي تعزز من خلال قيام الجيش اليمني بشن ستة حروب متتالية عليهم قُتل في أولها مؤسس الحركة ( حسين بدر الدين الحوثي ) عام 2004 , وقد تغير اسمها فيما بعد إلى حركة ( أنصار الله ) التي يقودها الآن الأخ الأصغر لحسين الحوثي ( عبد الملك الحوثي ) , وقد شاركوا في ثورة 2011 , ورفعوا شعارات تدعو للتخلص من الاستبداد والفساد والتكفيريين وإسرائيل , إلا أنهم رفضوا المبادرة الخليجية التي اعتبروها مجحفة بحقهم وعارضوها سلمياً ثم تطور الأمر إلى احتياجهم عسكريا لشمال اليمن ووسطه في خطوة تغير الخريطة السياسية لليمن وتؤثر على تنوعه وتعدديته السياسية والمذهبية , ويفاقم أزماته المتراكمة ويستدعي الخطاب الطائفي والمذهبي والقبلي المضاد ,مما يهدد وحدة اليمن وتعايشه السلمي . خاصة وان خصومهم يتهمونهم بالتطرف الزيدي وتحولهم إلى المذهب الاثنى عشرى وموالاتهم لإيران وحزب الله .
فأصبح اليمن الذي كان سعيدا يوما ما تعيسا بما صنعه أبناؤه بأنفسهم ,وبما صنعه الآخرون بهم , وآخر حلقات هذه التعاسة غياب دور التيار المركزي الوسطي الوحدوي المعتدل الذي يمثل اليمن الموحد التعددي قبليا وسياسيا ومذهبيا , لصالح التطرف القبلي والسياسي والمذهبي الذي يقود اليمن نحو الهاوية إذا لم يتم إيقافه بعودة اليمنيين إلى ما يجمعهم ويوحدهم وترك ما يفرقهم ويضعفهم , وما يجمعهم ويوحدهم كثير يبدأ بالإسلام والعروبة والوطن ولا ينتهي بالمصلحة المشتركة للشعب اليمني في أن يعيش في وطن آمن مستقر وموحد ومزدهر .