خبر : الأمم المتحدة : حرب خطابات شرق أوسطية ! ...رجب ابو سرية

الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 02:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
الأمم المتحدة : حرب خطابات شرق أوسطية ! ...رجب ابو سرية



تحول اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، هذا العام، إلى مناسبة للتراشق الخطابي بين زعماء الشرق الأوسط، خاصة بين كل من الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتنياهو، كذلك بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب الطيب أردوغان.
وإذا كان من الطبيعي أن تشهد المنظمة الدولية كعادتها خلال السنوات القليلة الماضية تراشقا خطابيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، نظرا لاستمرار حالة الجمود السياسي بينهما، وحيث أن هذا العام شهد، وحتى قبل أسابيع فقط من اجتماع المنظمة الدولية حربا إسرائيلية على غزة، سبقها انتهاء مدة التفاوض لتسعة أشهر بين الجانبين دون تحقيق اختراق يذكر، بل وان تشهد تراشقا حادا هذه المرة، كما حدث فعلا، حيث أثار خطاب الرئيس عباس حفيظة كل الإسرائيليين، بمن فيهم المعارضة، وكان رد نتنياهو حادا كالسكين، كما قال هو شخصيا، فإن ما هو مفاجئ، وغير مفهوم، ما تضمنه خطاب الرئيس التركي أردوغان بحق مصر وقيادتها الجديدة.
الرئيس السيسي في خطابه لم يشر إلى تركيا لا من قريب ولا من بعيد، حتى انه وهو الباحث عن حلول جدية وحقيقية لمشاكل مصر المتوارثة منذ عقود، تجاهل التدخل التركي في بلاده، وفي أكثر من بلد عربي، بما يوحي بطموح عثماني، لم تبح به تركيا طوال القرن العشرين، وتحديدا منذ انتهاء احتلالها للمنطقة العربية، على أثر الحرب العالمية الأولى، والانقلاب في الحكم الداخلي، وظهور الكمالية الطورانية فيها، وكان السيسي هادئا متفائلا، يتصرف كقائد لدولة مركزية في الشرق الوسط، تسعى لنيل عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، وقد أضفى احتفاء المصريين المقيمين في أميركا به على حضوره بهاء على بهاء.
لكن أردوغان، في كلمته التي جاءت تالية لخطاب السيسي، فاجأ مصر والعالم، ليس بهجوم على إسرائيل، التي كانت لتوها قد شنت حربا مجرمة على غزة، والتي ما زالت تسعى لتهويد القدس، والتي ما زالت تحتل أراضي دولة فلسطين بالكامل، _ كما فعل الرئيس الإيراني مثلا _ ولا على سياسة الولايات المتحدة التي تكيل بأكثر من عشرة مكاييل حتى فيما يخص الجماعات الدينية المتطرفة في المنطقة، ولكن على مصر، لسبب وحيد وبسيط، وهو لأن الشعب المصري انتفض في 30 حزيران العام الماضي على حكم حليفه الأخواني، الذي كان سيتوّجه " سلطانا عثمانيا " جديدا على بلاد العرب والترك، ولأن الجيش المصري أثبت مجددا انه جيش وطني، وأنه ليس أداة قمع في يد الحاكم، وانحاز للشعب ووضع حدا لحكم حجب المصريون عنه الثقة بعد عام من منحهم إياها له.
في الحقيقة، أن مثل هذه الخطب النارية، ومثل هذا التراشق بالمواقف السياسية في أهم تجمع دولي، ومن قبل رؤوس الدول، يثبت أن الشرق الأوسط، بات أكثر مناطق العالم توترا، بل ربما المنطقة الوحيدة الساخنة في العالم، وأن العالم مطالب بالاهتمام بها، وبكل تفاصيلها، وعليه _ أي على العالم بأسره _ أن لا يكتفي بمعالجة أو متابعة الولايات المتحدة، ولا حتى مجلس الأمن، ولا الدول العظمي لملفاته، لأن مثل هذه المتابعة حتى لو لم تكن جزءا من المشكلة فإنها لا تكون دائما كافية للحل.
لابد من القول بأن من يذهب للأمم المتحدة ليلقي خطابا، يطرح فيه قضية ما، فإنما يفعل هذا بهدف دفع المنظمة الدولية لاتخاذ قرار أو حتى عدة قرارات لحلها، وبالتأكيد كان هدف الرئيس عباس، هو التمهيد لاستصدار قرار من مجلس الأمن، ومن ثم من الجمعية العامة، في حال استخدام واشنطن _ كما هو متوقع _ حق النقض / الفيتو، ضد مشروع قرار يفرض سقفا زمنيا على إسرائيل للانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة، منذ عام 67، لذا فان خطاب نتنياهو، حاول أن يجهض هذا المسعى، أو بمعنى أدق فإن الصراع بين الطرفين، أنما هو للتأثير على الرأي العام الدولي، بهدف كسب الأصوات، حين يجري التصويت في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة، لذا فإن حرب الخطب بينهما هي حرب جدية وبالغة الأهمية بالنسبة لهما، وهي في حقيقة الأمر بداية حرب متعددة الجبهات بين الأطراف، لذا فقد بدأت إسرائيل بحملة لاغتيال الرئيس عباس سياسيا، كما فعلت مع ياسر عرفات بعد انتفاضة 2000، وانغلاق الأفق التفاوضي، لذا فإنه يتوجب على الفلسطينيين رص الصفوف استعدادا لمعركة كسر عظم.
أما فيما يخص العلاقة التركية / المصرية، فانه يمكن القول بأن أردوغان افتقر للياقة الدبلوماسية وللحنكة السياسية، وكان يمكنه أن يتجنب " بق الكلام "، فقد كانت العلاقات بين بلاده ومصر في طريقها للتطبيع، لكن خطابه أجهض لقاء وزيري خارجية البلدين، وربما جاء إصلاح الخطأ عبر لقاء تميم / السيسي، بما يمكن أن يذهب بالأمور لأن تنعكس باتجاه تخفيف الضغط على الأخوان في مصر، في أروقة القضاء، بدلا من مواصلة التبجح و" ركب الرأس " ومعاندة الواقع، والتشبث بالوهم، ومن يحيد بالحرب عن الوجهة نحو إسرائيل، لا يخطئ وحسب، لكنه يرتكب جرما أو حتى جريمة بحق شعوب المنطقة التي تجمعها أخوة العروبة والإسلام.
Rajab22@hotmail.com

رجب ابو سرية