خبر : ماذا لو؟ .... بقلم: طلال عوكل

الخميس 07 أغسطس 2014 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ماذا لو؟ .... بقلم: طلال عوكل



الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل مجدداً على قطاع غزة، بمجرياتها، ومحصلتها وما نشأ من حولها، من ردود فعل إيجابية أو سلبية، لصالح هذا الطرف أو ذاك، هذه الحرب، تنطوي على دروس، بعيدة المدى، شديدة التأثير على الاستراتيجيات الحربية والسياسية.
رقعة صغيرة، مكتظة بالسكان، الصامدون على أرضهم وحقوقهم الوطنية والمتمسكون بحقهم في الحياة، يقارعون دولة إرهابية، ظالمة تصنفها الموسوعات على أنها واحدة من أقوى دول العالم عسكرياً.
لست بصدد المرور على هذه الدروس، كلها، وأحصر المقالة في استخدام كلمة "لو". البعض ينظر إلى ما جرى ويجري، ويقرر الانتصار والهزيمة انطلاقاً من عدد الضحايا، وحجم الدمار الذي تخلفه حروب كالتي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، منذ أسر الجندي شاليت عام 2006.
في هذه الحالة، من الطبيعي أن تكون محصلة ما يدفعه الفلسطينيون أو أكثر بأضعاف مما يدفعه الإسرائيليون، الذين يتفوقون على نحو حاسم، في كل المجالات جوياً، وبحرياً، وبرياً، أي فيما يتعلق بكل الوسائل القتالية التدميرية المستخدمة فوق الأرض.
هذا ليس كل ما تحوز عليه إسرائيل من أسباب القوة التدميرية ولكن هذه القوة شريرة، ظالمة، عدوانية ومعتدية، إرهابية، هذه القوة غير أخلاقية، ولذلك فإنها تستخدم لأغراض ضد الإنسانية وضد الحضارة والتقدم والتحرر.
في الميزان ينبغي أن يدرك الجميع بأن الفلسطينيين مستعدون دائماً لأن يبذلوا ما يستطيعون، وأن يقدموا المزيد من الضحايا من أجل اهداف انسانية، فهم ينشدون الحرية والاستقلال، ينشدون الكرامة والهوية. الفلسطينيون يبحثون عن حياة بشرية، خالية من القهر، والاحتلال، حياة يصيغونها وفق اختياراتهم، ومثل هذه الأهداف النبيلة تستحق أن يدفعوا ثمنها، وإذا كان الثمن غاليا، فلأن الأهداف غالية، ولأن العدو من نوع مختلف، ولأن الصراع من طبيعة مختلفة.
الإسرائيليون يدافعون، عن الظلم، عن استمرار احتلالهم وقهرهم للشعب الفلسطيني، يدافعون عن حقوق وحريات، يسلبونها من غيرهم، ويدافعون عن حروب عدوانية، ولذلك، فإن الخسائر التي تقع في صفوفهم، هي خسائر حقيقية مؤلمة، يدفعونها لأهداف شريرة. العالم يتغير، إزاء الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، ولا نقصد هنا بمقياس مواقف الدول النافذة، فهذه هي التي زرعت المشروع الصهيوني على هذه البقعة من أرض العرب، ولأسباب تتصل بأفكار ومصالح، استعمارية، وبالتالي علينا ألا نراهن على تغيير قريب في مواقف وسياسات هذه الدول الداعمة لإسرائيل، إلاّ في حال تم تقويض هذا المشروع من أساسه.
الحروب العدوانية التي تشنها إسرائيل، تضرب كل المنظومة الأخلاقية، والقيمية التي تدعيها الدول الاستعمارية، الأمر الذي يؤسس لتطورات وتغييرات من الرأي العام، تذهب تدريجياً في اتجاه لا يتوافق مع سياسات الدول.
وعدا عن مواقف دول مثل البرازيل، وفنزويلا، وتشيلي وكولومبيا، فإن حركة المقاطعة ضد إسرائيل تتسع خصوصاً في الدول الاستعمارية وفي هذه الدول، قامت أكبر المظاهرات الاحتجاجية على ما تقوم به إسرائيل وفيها أيضاً مجتمع مدني، يتسع تضامنه وفعله ضد إسرائيل وضد سياسات الدول الاستعمارية المتحالفة معها.
الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، هي جولة ليست الحاسمة في صراع طويل مديد من الاحتلال نجح فيها الفلسطينيون في تهشيم صورة إسرائيل ومكانتها، وأحدثت اختلالاً في بنيتها السياسية الداخلية، وأوقعت في صفوفها خسائر بشرية ومادية ومعنوية كبيرة. التصدي الفلسطيني للعدوان جرح إسرائيل، بل أثخنها بجراح، ستظهر على جسدها عما قريب. الفلسطيني الذي ينظر إليه آخرون كثر على أنه طالب موت وشهادة، متخلف، والبعض يعتبره إرهابياً، لا يعرف إلاّ الحزام الناسف، هذا الفلسطيني أدهش العدو قبل الصديق بما يمكن أن يفعله.
هذا الفلسطيني، نجح في أن يصنع طائرة بدون طيار، وأن يصنع صواريخ بعيدة المدى قياساً بالجغرافيا الخاضعة للصراع، وهذا الفلسطيني نخل الأرض، واشتغل كما يفعل النمل لمواجهة التفوق فوق الأرض الذي يميز قدرات الجيش الإسرائيلي. هذا الفلسطيني جهز ضفادع بشرية، واستخدم التكنولوجيا على نحو جيد، اخترق الشبكات الإلكترونية الإسرائيلية المحصنة، وجهز المقاتل، بأدوات تصوير وتوثيق، واستخدم التكنولوجيا في عمل منصات الصواريخ.
قصة الصواريخ قصة حقيقية وغريبة، فهي تنطلق كل الوقت بالرغم من التصوير الجوي على مدار اللحظة، وبالرغم من القصف الذي لا يتوقف على الأراضي الفارغة، التي تفترض إسرائيل أنها تحتوي مرابض لإطلاق الصواريخ ومنها فعلاً تعود الصواريخ لتنطلق مجدداً.
والآن، يترتب على إسرائيل أن تفكر ملياً في قضية الأنفاق العابرة للحدود وشكل تدميرها هدفاً لاستمرار العدوان لثلاثين يوماً. من حيث المبدأ لا بد أن يكتشف الإسرائيلي أن الحصار الذي يضربه على قطاع غزة طيلة ثماني سنوات، لم يمنع الفلسطيني من أن يفعل كل ما فعله ويفعله فإذاً هو حصار ظالم، ينتمي إلى العقوبات الجماعية، وهو غير مجد.
خلال سنوات قليلة جرى حفر عشرات الأنفاق على طول الحدود الشرقية والشمالية مع أراضي 1948. ماذا لو أن هذه الحرب العدوانية أسفرت عن هدنة أو تهدئة طويلة المدى، ما يعطي الفلسطيني الوقت لحفر مئات الأنفاق التي قد تصل إلى أسفل تل أبيب، وأسفل القواعد العسكرية الإسرائيلية؟ ستبدو الأوضاع طبيعية وهادئة فسكان غزة فوجئوا بما يدور تحت الأرض، وسيسوق نتنياهو لجماعته نصراً وهمياً، ولكنه، وهم سيتفاجؤون مرة ومرات. هل يعتقد أحد بأن هذا الأمر صعب، أو أنه غير قابل للتحقيق؟.