خبر : التصهين العربي وتعزيز "الأمر الواقع" الاستعماري ...بقلم: د. خالد الحروب

الإثنين 21 يوليو 2014 05:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
التصهين العربي وتعزيز "الأمر الواقع" الاستعماري ...بقلم: د. خالد الحروب



بعد الحرب العدوانية الاسرائيلية على قطاع غزة سنة 2009، ثم بعد الحرب الثانية العام 2012، كان التزام حماس تحديدا وفصائل المقاومة عموما بالاتفاقات التي كانت تشرف عليها مصر مثار نقد كثير ومماحكات من خصومها.
كانت المماحكة الأكبر تقول إن حماس تقوم بـ "قمع" المقاومة وحظر اطلاق الصواريخ على اسرائيل وهو ما كانت تقوم به السلطة الفلسطينية عندما كانت تسيطر على قطاع غزة، وما تقوم به في الضفة الغربية الآن.
عندما ترد المقاومة على العنجهية الاسرائيلية التي تريد اخضاع الفلسطينيين واذلالهم سياسيا وعسكريا واخلاقيا واقتصاديا وثقافيا فإن تلك المقاومة تصبح صبيانية ولا تقدر موازين القوى.
وعندما تلتزم بالاتفاقات على إجحافها ورغم عدم وجود غطاء عربي لها فإنها ليست سوى نسخة من السلطة الفلسطينية.
يبقى وكأن الخيار الوحيد الذي يقبله تيار التصهين العربي الراهن الذي يكاد يقف في الصف الاسرائيلي لجهة صب جام غضبه على مقاومي غزة وشعبها هو قبول الصفعات الاسرائيلية واحدة تلو الاخرى، وإدارة الخد الفلسطيني واستقبالها وتقديم الشكر للإجرام الاسرائيلي.
والمعنى والترجمة السياسية على الارض لهذا "الخيار" المطلوب هي قبول وتعزيز "الأمر الواقع" الذي خلقته اسرائيل على الارض: احتلال من طراز "ديلوكس" تسيطر فيه على الارض، واتحاد اوروبي يمول الاحتلال، في ما تكون قضايا السكان مسؤولية سلطة مطلوب منها قبل أي شيء آخر ان تحمي امن اسرائيل، ونقطة آخر السطر.
هذا ما يريده عرب التصهين ممن صرنا نخجل كثيرا من كتاباتهم عندما نقارنها بمواقف وكتابات غربية وأميركية ترى الامور كما هي حقيقة، ولا تخلط بين الجلاد المستعمر والغاصب ومالك الآلة العسكرية الجبروتية والشعب الذي يقع تحت الاحتلال ومن حقه ان يدافع عن نفسه، وان يرفض الاحتلال والإذلال بكل الطرق.
حملة المؤازرة العربية المبطنة والمخجلة للعدوان الاسرائيلي الجديد لا تقول للفلسطينيين ما هو البديل.
يدير العرب ظهورهم للقضية الفلسطينية ويتخلون عن ابسط ادوارهم، حتى في تنظيم حملة دبلوماسية تجمع الاصوات في الامم المتحدة كي لا تفوز اسرائيل بنائب الرئيس في اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار، وهي الدولة الاستعمارية الابرز في عالم اليوم. وبعد ذلك يشبعون الفلسطينيين نقدا وشتماً، ما هو البديل بعد أن استنزف الفلسطينيون أنفسهم ورأسمالهم النضالي والحقوقي في عملية سلام بائسة على مدار اكثر من عشرين سنة لم تؤد إلا إلى تكريس الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وتهويد القدس أكثر وأكثر وخنق الفلسطينيين في كانتونات تمارس عليها كل انواع العنصرية.
منذ التوقيع على اتفاق اوسلو سنة 1993 وحتى الآن تضاعف الاستيطان وعدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس إلى ثلاثة اضعاف، تآكل الوجود الفلسطيني والعربي في القدس، وتلاعبت اسرائيل بكل فكرة المفاوضات عبر توليد شروط تعجيزية لم يستطع أكثر القادة الفلسطينيين اعتدالا أن يقبلها.
الشيء الوحيد الذي حرصت عليه اسرائيل وأنجحته مع الفلسطينيين هو التنسيق الامني، وهو الاسم المهذب لوظيفة القيام بالمهمات القذرة للاحتلال وهي قمع الفلسطينيين وبأيديهم لأية مقاومة يمكن ان يبديها اي طرف منهم تجاه اسرائيل.
في اكثر من محفل سياسي وامني يتبجح قادة اسرائيليون بأنه بعد سنوات من التنسيق الامني الفعال مع اجهزة الامن الفلسطينية التي لا تتحرك لم يتبق هناك اي مطلوب امني على القوائم الاسرائيلية بعد ان كانت تلك القوائم تضم المئات ان لم يكن الالوف. خضع الفلسطينيون وسلطتهم للشروط والمطالب الاسرائيلية وطاردوا كل من تسول له نفسه التفكير بالمقاومة، ومع ذلك لم ترض اسرائيل.
انقسموا وانشقوا على انفسهم بسبب الإملاءات الاسرائيلية، وتحقق حلم اسرائيلي كبير بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ومع ذلك لم ترض اسرائيل.
قبلت القيادات الفلسطينية المفاوضة، ضمنيا وعملياً، شطب حق العودة للاجئين، ومع ذلك لم ترض إسرائيل، قبل الفلسطينيون، ضمنيا وعملياً، بأي شكل من اشكال الدولة يكون منزوع السلاح وفاقدا لجزء كبير من السيادة، ومع ذلك لم ترض اسرائيل.
وفي كل تلك المسيرة المريرة كان الظهر الفلسطيني مكشوفاً، ولم يخرج الموقف العربي من دائرة التصريحات الجوفاء التي تعودت عليها اسرائيل.
الآن انتقلنا الى مرحلة جديدة صارت حتى تلك التصريحات الجوفاء شحيحة وخجولة، بل موجهة الى الفلسطينيين ومقاومتهم، وصارت المقالات النارية التي يكتبها عرب ضد المقاومة والفلسطينيين تعج بها المواقع الالكترونية لوزارة الخارجية الاسرائيلية، وبقية مواقع الدعاية الصهيونية.
الخيط المشترك لجحافل الناقدين هو القول إن حماس والمقاومة هي التي استفزت اسرائيل للقيام بحربها الحالية، وهو ترداد للدعاية الاسرائيلية وبعيد عن الواقع. اسرائيل استفزتها المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة فلسطينية توافقية، وهي هددت الرئيس عباس بأنه سوف يدفع ثمنا باهظا بسببها، وبدأت بسلسلة سياسات ضد السلطة. واستفزت اسرائيل اكثر بسبب الاعتراف الضمني من قبل دول العالم بما فيها دول الاتحاد الاوروبي وحتى الولايات المتحدة بتلك الحكومة.
لا يعني ذلك ان الحكومة التوافقية كانت ستنجز الحقوق الفلسطينية وتقوم بالمعجزات، لكنها كانت بداية لإنهاء الانقسام الذي اعتاشت عليه اسرائيل في السنوات السبع الماضية.
ارتاحت اسرائيل على وضعية التشرذم الفلسطيني الذي يعزز "الأمر الواقع" التوسعي والاستيطاني، وكان سياسيوها يرددون أنهم لا يستطيعون الوصول الى سلام مع السلطة في الضفة الغربية لأنها لا تسيطر على قطاع غزة.
فلما ارادت هذه السلطة المصالحة مع قطاع غزة، جن جنون اسرائيل، الانقسام الفلسطيني هو حجر الزاوية في استراتيجية الحفاظ على "الأمر الواقع"، في ما كسر هذا الامر الواقع وتحطيمه هو ما يجب أن يكون حجر الزاوية في أية استراتيجية فلسطينية.
في ذروة السعار الاسرائيلي على حكومة التوافق الفلسطيني وقع حادث اختطاف المستوطنين الثلاثة ثم قتلهم، وهو ما استثمرته اسرائيل إلى اقصى ما تستطيع.
ومن تلك النقطة اشتغلت الاستراتيجية الاسرائيلية لإعادة الانقسام بالقوة ان لزم الامر، وردد نتنياهو مرارا وتكرارا أنه لن يقبل من محمود عباس، عقب عملية الاختطاف، اي اعتذار سوى الغاء المصالحة مع حماس (وهي التي لم تعلن مسؤوليتها عن الاختطاف، وليس هناك من دليل حتى الآن بأنها من قامت به).
لم تنتظر اسرائيل احدا إذ شنت عمليات قصف جوي على قطاع غزة واغتالت قيادات وقتلت مدنيين، ووضعت "حماس" وكل الفصائل هناك في الموقف التالي: إما أن تديروا الخد للصفعات القادمة وتتقبلوها بكل رضى وخنوع، وتقروا بـ "الأمر الواقع" وتخضعوا له، وإما ان تردوا فتتحملوا مسؤولية ردنا الواسع بعد ذلك.
في كلتا الحالتين الصفعات قادمة، واسرائيل، لهؤلاء الشامتين المقاومة لأنها وفرت مسوغا للحرب، سوف تجد مسوغات يومية لشن أي حرب، حتى لو كانت تلك المسوغات في سجلات المواليد الجدد في غزة.
Email; khaled.hroub@yahoo.com