خبر : هذه هي مصر الجديدة، مصر المستقبل الواعد ...بقلم: طلال عوكل

الإثنين 09 يونيو 2014 10:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هذه هي مصر الجديدة، مصر المستقبل الواعد ...بقلم: طلال عوكل



بعد فوزه الساحق، الذي أخذ طابع التفويض الشعبي الواسع للرئيس المشير عبد الفتاح السيسي، كان مشهد التنصيب، يوم أمس، مهيباً، مهابة أهرامات مصر، وتاريخها العريق، ويعكس في الوقت ذاته مهابة بيت القضاء المصري.
الأحداث كثيرة التي يمكن الكتابة فيها وعنها بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، ومنها ما يتصل بمجريات المصالحة، والأوضاع الداخلية، ورواتب الموظفين كأول مشكلة على طريق المصالحة، ومنها ما يتصل بإسرائيل ومخططاتها، والتطورات المرتقبة على تركيبة التحالف الحكومي، ومنها التحركات الفلسطينية على المستوى الدولي.
الأجندة الفلسطينية لا تخلو من حدث مهم يمكن الكتابة فيه وعنه، ولكنْ، حدث تنصيب رئيس مصر، وأداؤه اليمين الدستورية ما يسمح له بمزاولة مهامه، مثل هذا الحدث لا يقع كل يوم، ولا نتمنى أن يقع قبل الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية القادمة في مصر.
ربما كان من المنطقي أن يتسلم الرئيس السيسي مهامه من رئيس آخر قبله منتخب، ولكن دينامية الأحداث التاريخية، وديناميات الثورات الشعبية، تنطوي موضوعياً على مفاجآت، وتطورات استثنائية، وأحكام تاريخية يصدرها الشعب حين يرابط في الميدان من أجل صناعة مستقبل أفضل.
الشعب المصري خرج عن المألوف، حيث الارتهان للموروث الثقافي والقيمي الذي أسس لنشوء أنظمة الاستبداد، لعشرات السنين، فعاد ليشتق أسساً جديدة ومنابع عرفتها الدول المتحضرة والمتقدمة في عالم اليوم، حيث الشعب مصدر السلطات، ونحو بناء شراكة حقيقية بين النخب الحاكمة، وبين الشعب، الذي عاش ردحاً طويلاً في ظلام التهميش، والقبول بأقل الحقوق، والتضحية لصالح شعارات مزيفة ومصطنعة.
السيسي، الرئيس، يجمع بين الإيمانية الشعبية، الدينية، التي لم تلوثها دهاليز وألاعيب السياسة، وبين الإيمانية الوطنية بشعب مصر، والقومية بالأمة العربية، فكان خطابه ولهجته تدعو إلى المصداقية، وتعتمد لغة الشعب البسيطة ولكن الواضحة.
لسنا بصدد التفتيش عن اتجاهات البرنامج الانتخابي الذي خاض على أساسه الانتخابات، وهو لم يكن برنامجا، منمقاً، ومصنوعاً من قبل اللغويين، بقدر ما أنه كان نثراً من أفكار ومشاريع، كبرى ووعود، بأن يقود نهضة مصر نحو مستقبلها الجديد.
حجم ونوع المشاريع والوعود التي تحدثت عنها وسائل الإعلام المصرية وسمتها برنامج الرئيس الانتخابي حين كان مرشحاً، يتحدث فعلياً عن نهضة حقيقية، وعن إخلاص حقيقي للعمال والفلاحين والفقراء، وعن الاستثمار والمستثمرين، وعن دور الطبقة الوسطى، التي عليها أن تربط على نحو حقيقي بين الجماهير العريضة، والنخبة الحاكمة.
بالتفويض الشعبي العارم الذي حصل عليه الرئيس السيسي، وبتوجهاته الحكيمة والمدروسة لدور مصر، على الصعيدين العربي والإقليمي، أسس السيسي لتحالف مع دول الخليج، ليست دوافعه الأساسية مساهمة الخليج في إعمار ونهضة مصر، وإنما أساسه مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية التي تبيت للمنطقة سايكس بيكو جديدة.
مثل هذا التحالف لا يقوم فقط على النفعية المتبادلة، ولا على التوظيف الآني للإمكانيات، سواء إمكانيات دول الخليج الغنية، أو إمكانيات مصر الكبيرة، وإنما ينهض أساساً على وعي جديد لقضايا وحقوق الأمة، وللوطنية العربية في عالم مضطرب يضج بالصراع، وبالتجاذبات، والبحث عن النفوذ والمصالح الخاصة.
وحين يكون هذا هو الأساس، فإن أصحاب القضايا الكبرى، وطنية كانت أم قومية، يستطيعون الاطمئنان إلى مستقبل بلدانهم وقضاياهم، وشعوبهم.
من ذلك الشعب الفلسطيني وقضيته، والتي لا يلخصها معبر، أو أنفاق، أو تجارة، وإنما يلخصها بحث عن الحرية والانعتاق من الاحتلال، وتحقيق الاستقلال.
أحاديث الرئيس السيسي لم تكن كثيرة في الشؤون القومية بما في ذلك القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إسرائيل، وكامب ديفيد، ولكن قلة الحديث لا تعني الإهمال أو التطنيش أو القبول بما هو قائم.
وربما كان الأهم فيما لم يقل أو يفعل حتى الآن، منذ البداية عارضت الإدارة الأميركية مجريات الثورة الشعبية في مصر، وعبرت عن استيائها باتخاذ مواقف وإجراءات عقابية، لكنها اضطرت لابتلاع الموس، والعودة رغماً عنها عن بعض تلك الإجراءات والمواقف.
نلمس عدم الرضى الأميركي عن نتائج الانتخابات المصرية، حيث لم يتصل الرئيس باراك اوباما بالرئيس عبد الفتاح السيسي قبل حفل تنصيبه، ولكنّ في ذلك خيراً ودرساً، فمصالح الشعوب تحققها إرادات الشعوب والأنظمة، وليس من ينظر بفوقية للشعوب الأخرى ويسعى وراء تعميق تبعيتها.
ذهب السيسي وهو في موقع وزير الدفاع، مع وزير الخارجية نبيل فهمي إلى موسكو، بعد أن استقبلا في مصر وزيري خارجية ودفاع الاتحاد الروسي، وكانت تلك إشارة قوية إلى أن مصر ذاهبة باتجاه تنويع وتوسيع دائرة علاقاتها الدولية وخياراتها.
هل يذكرنا ذلك بتطورات سابقة؟ نعم حين تحول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في أواسط خمسينيات القرن الماضي، نحو تنويع مصادر السلاح.
مرة أخرى يذكرنا السيسي الرئيس، بالراحل الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن في زمن آخر، ونضوج أعمق، وظروف مختلفة فهنيئاً لشعب مصر، وهنيئاً للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، وننتظر حكماً مدنياً، ديمقراطياً، يلتزم بالتداول السلمي للسلطة كما يقر ذلك دستور مصر.