خبر : مسموح لنتنياهو، ممنوع على عباس \ بقلم: بيتر باينت \ هارتس

السبت 07 يونيو 2014 03:10 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

 

       محمود عباس (ابو مازن) يواصل مهام منصبه كالرئيس الفلسطيني رغم أن ولايته القانونية انتهت منذ زمن بعيد، كما يتفق بينهم وبين أنفسهم اليمينيون الاسرائيليون والامريكيون. فضلا عن ذلك، يقولون، فيما يروجون لخطاب نزع الشرعية عنه – بانه لا يحكم على الاطلاق في قطاع غزة الذي يوجد تحت حكم حماس منذ 2007. وعليه ايها الصقور فانزعوا القلق من قلوبكم. فقد أقام الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية تستهدف اعداد التربة لانتخابات في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. هذا الجهد كفيل بان يفشل، ولكنه يطرح الفرصة الافضل منذ سنوات لتحقيق الامر الذي يدعي اليمين اليهودي بانه إرادته: زعيم فلسطيني له شرعية للوصول الى اتفاق.

 

          وما هو رد بنيامين نتنياهو وحلفائه الامريكيين المحافظين؟ ليس جيدا. حكومة اسرائيل تهدد بوضع حد لعلاقاتها مع السلطة الفلسطينية، وبعد الجمهوريين في الكونغرس يضغطون لوقف المساعدات الامريكية. والسبب؟ الحكومة الجديدة قامت بمباركة حماس.

 

          وهنا تصبح الامور مشوقة. على مدى السنين بررت اسرائيل معارضتها لحكومة تضم اعضاء حماس باقتباس عن اعلان للرباعية في 2008، يطلب من كل حكومة فلسطينية الاعتراف باسرائيل، بالاتفاقات التي وقعت معها والتخلي عن العنف. غير أن الحكومة الفلسطينية الجديدة تنجح في التوافق مع هذه المطالب. ومع أن حماس كحزب لا يقبل هذه المطالب الا أن عباس الذي يواصل تولي منصب الرئيس، فيدعي بان حكومة الوحدة تفعل ذلك. ويشير مساعدوه الى لبنان الذي يجلس في حكومته حزب الله ومثل حماس تعرفه الولايات المتحدة بانه منظمة ارهابية. تقاطع الولايات المتحدة الوزراء من حزب الله، ولكنها تقبل بالحكومة اللبنانية بمجملها. اما عباس فيطلب معاملة مشابهة.

 

          في نظر نتنياهو، هذا السيناريو ليس مقبولا. حسب موقفه، لا يهم اذا كان عباس يقول ان حكومته تقبل الشروط. على العالم أن يقاطع كل حكومة "مدعومة من حماس وتسندها حماس". ويطرح الموقف سؤالا: هل ستنجح حكومة نتنياهو في الاختبار الذي تجريه لعباس؟ ليس معقولا. فالشرط الاول للرباعية هو أن يعترف الفلسطينيون بحق اسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة. ولكن حكومة اسرائيل مدعومة من البيت اليهودي، حزب وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، وتستند اليه. وهذا الحزب يعارض بشدة حق الفلسطينيين في دولة. كما ان بينيت ليس مؤيدا كبيرا لاحترام الاتفاقات الموقعة. فهو يريد ضم 60 في المئة من الضفة، وهكذا يلقي الى القمامة باتفاقات اوسلو في 1993 وخريطة الطريق للسلام في 2002.

 

          ولكن حتى لو تجاهلنا البيت اليهودي فان حكومة نتنياهو تستند الى حزب أكبر لم يعد يقبل شروط الرباعية – الليكود. مثل حماس، لليكود تاريخ معارضة لحل الدولتين. في برنامجه في 1999 كتب أن الحزب "يعارض اقامة دولة فلسطينية عربية غربي نهر الاردن". وفي موقع "الليكود العالمي" يظهر برنامج سياسي من العام 2006 يتعهد بان "تتوقف المحادثات على اقامة دولة فلسطينية" و "ستعلن اسرائيل عن حقها في الوجود في حدودها دون تنازلات عن المناطق".

 

          ومن أجل النزاهة، تجدر الاشارة الى أن هذه الوثائق سبقت خطاب بار ايلان لنتنياهو في 2009، والذي أيد فيه اقامة دولة فلسطينية. غير أن الليكود لم ينشر بعد برنامجا جديدا يلغي فيه معارضته لحل الدولتين. وليس صدفة. فمثلما تفصل اليشيفع غولدبرغ في "ديلي بست" فان معظم المرشحين المتصدرين في قائمة الليكود للكنيست في 2013 عارضوا علنا اقامة دولة فلسطينية. وضمن المعارضين يوجد ايضا وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون.

 

          ولا يذكر بالايجاب تاريخ الليكود في احترام الاتفاقات في الماضي. ومثل بينيت، فان الكثير من نواب الليكود البارزين يرغبون في الغاء اتفاقات اوسلو من خلال ضم قسم كبير من الضفة. وحسب التفسير الامريكي (وان لم يكن الاسرائيلي)، فان تجميد الاستيطان هو شرط ضروري في خريطة الطريق في 2002 – ويكاد يكون كل اعضاء الليكود يعارضون بالقطع هذه القيود. وقد سجل نتنياهو بنفسه في 2011 وهو يتبجح بانه "اوقف اتفاقات اوسلو" من خلال الثغرات التي سمحت له بالتملص من الانسحابات التي تعهد بها اسلافه.

 

          يحاول نتنياهو ان يطبق مقياسا مزدوجا. فمع أنه مدعوم من أحزاب تعارض حل الدولتين، يريد أن يقاطع العالم عباس لذات السبب. وهذا الموقف ليس فقط غير مستقيم من ناحية فكرية، بل وغير مجد ايضا. عمليا، الوضع الراهن محبوب من نتنياهو. والسلطة الفلسطينية هي في واقع الامر مقاول ثانوي لاسرائيل في الضفة. فهي تساعد الجيش الاسرائيلي على منع أعمال الارهاب، والولايات المتحدة واوروبا تمولان هذا النشاط. ولكن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر على مدى الزمن. الامر الذي يحبه نتنياهو أكثر من أي شيء آخر في السلطة هو رغبتها في التعاون مع اسرائيل في شؤون الامن دون أن تتحداه من ناحية سياسية، وهذا بالضبط الوضع الذي يمقته الفلسطينيون.

 

          عباس ابن 79. وهو يعرف بان عصرا جديدا يقف في الابواب. حكومة الوحدة تمثل مساعيه لان يعيد الى السلطة بعضا من المصداقية والشروع في استراتيجية سياسية جديدة في ضوء موت مبادرة سلام جون كيري. اما نتنياهو فليس قادرا على أن يوقف هذا. وحتى لو كان حلفاؤه في الكونغرس يدعون الى الاعتراض على الحكومة الفلسطينية، فان اوروبا ستدعمها. واذا ما عاقب نتنياهو الحكومة من ناحية اقتصادية، فسيطلب عباس اعترافا دوليا أكبر، مما سيسمح له بان يدعي ضد اسرائيل في المحاكم الدولية. واذا أوقف نتنياهو الاموال الى السلطة فانهارت هذه، ستفقد اسرائيل مقاولها الثانوي.

 

          لا أتهم نتنياهو على قلقه من الاثار المحتملة للوحدة الفلسطينية. فلحماس دم كثير على الايدي. واذا ما اندمجت بالفعل قوات أمن فتح وحماس (ما لا يبدو معقولا)، فسيتضرر التعاون الامني مع اسرائيل. غير أنه آجلا أم عاجلا، سيتضعضع هذا الوضع على أي حال. ففي نهاية المطاف الطريق الوحيد لحمل الفلسطينيين على منع الارهاب هو أن يروا أنه من خلال هذا المنع يحصلون على الحقوق والتقدير. لو كان نتنياهو ذكيا، لجمد توسيع المستوطنات وتعهد باقامة دولة فلسطينية حول حدود 1967، الخطوة التي كانت ستري الفلسطينيين بانه من خلال استمرار التعاون يمكنهم أن يحظوا بدولة قادرة على العيش. ولكن هذا سيتطلب تحدي المحافل في حكومته التي لا توافق على شروط الرباعية، وبالنسبة لنتنياهو فان شروط الرباعية لا تنطبق الا على الطرف الآخر.