خبر : التطرف لا دين له ...بقلم : د . وليد القططي

الخميس 29 مايو 2014 09:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
التطرف لا دين له ...بقلم : د . وليد القططي





برزت في الإسلام,لأخيرة في الإعلام ظاهرة ( التطرف الإسلامي ) , لا سيما بعد ثورات ( الربيع العربي ) التي وقعت بين فكي كماشة من أنظمة الاستبداد والجماعات المتطرفة , وساعد على بروز هذه الظاهرة في الإعلام الممارسات الشاذة لهذه الجماعات المنتسبة للإسلام , وبدا الأمر وكأن التطرف والإسلام صنوان لا يفترقان , فإذا ذُكر الإسلام ذُكر التطرف , وبالعكس إذا ذُكر التطرف ذُكر الإسلام , وتم تجاهل حقيقة أن التطرف لا دين له , وأنه منتشر في كل الديانات والأيديولوجيات السياسية والمذاهب الفكرية , وكأن التطرف الصهيوني الدموي , والتطرف المسيحي الصليبي , والتطرف الهندوسي الأعمى , والتطرف الشيوعي الملحد لم تطل ملايين المسلمين قتلاً وتهجيراً وتغييراً قسرياً لدينهم على مر عشرات بل مئات السنين . وهذا لا يعني تبرير ظاهرة التطرف الإسلامي أو التعامل معها كظاهرة طبيعية بل يتطلب محاربتها فكرياً ودعوياً وتربوياً وإعلامياً للعودة إلى الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل والرجوع إلى الصورة السمحة والمشّرقة للإسلام التي أدخلت الناس في دين الله أفواجاً , وأسلم الناس بفضلها بالملايين في كثير من أقطار الأرض دون إراقة نقطة دم واحدة . فالتطرف لا ينحصر في الإسلام , بل ينحصر في أصول فكرية واحدة تجمع بين جميع المتطرفين ومناهجهم في التفكير بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وأيديولوجياتهم واتجاهاتهم الفكرية , وأهم هذه الأصول التي تجمع بين التطرف وأهله تنحصر في النقاط التالية :
تلتقي منهجية التطرف في اُحادية الرؤية, وهي الاعتقاد بأن هناك فلسالأُحادية,وأسلوب حياة – واحدة صحيحة , وحل واحد صحيح لكل مشكلة وقضية , واتجاه فكري أو سياسي واحد صحيح , وجماعة واحدة على الحق ... ويتم رؤية العالم وتفسير الأحداث وتقييم الناس من خلال هذه الرؤية الأُحادية , وما عداها على الخطأ والضلال والانحراف . وتلتقي أيضاً في الثنائية القطعية, وهي التمييز المعرفي المتطرف الذي يقسّم الناس إلى نوعين : مع الحق أو ضد الحق , مخلص أو خائن , صديق أو عدو وذلك بناءً على موقفهم مما يؤمن به الشخص المتطرف من منظومة فكرية أو أيديولوجية سياسية , فإن كان من المؤيدين له فسيُصّنف على أنه مع الحق ومخلص وصديق , ومن يعارضها سيُصّنف على أنه ضد الحق وخائن وعدو . والرؤية الإقصائية, وهي تعني رفض واستبعاد الآخر المختلف وتشمل كافة أشكال العداء والعدوان الموّجه للآخر المختلف في رؤيته عن الإقصائي , والتي تستهدف في النهاية استبعاده من الوجود , وتتضمن رفض واستبعاد وإقصاء المعتقدات والأفكار والآراء ومن يحملونها ويؤمنون بها .
ويجمع بين المتطرفين ورؤيتهم الفكرية مهما كانت مشاربهم واتجاهاتهم رفض الآخر المختلف, أي عدم الإيمان بمبدأ التعايش السلمي المجتمعي , وعدم تقّبل التعددية الدينية والسياسية والثقافية في المجتمع , وذلك نتيجة لرفض الآخر المختلف كفرد أو كجماعة متساوٍ في الحقوق والواجبات , في المجتمع الواحد في إطار فكرة المساواة لجميع المواطنين . وكذلك التعصب الذي يعني انحياز للجماعة التي ينتمي إليها الفرد والمعتقدات التي يؤمن بها , وضد الجماعات الأخرى التي لا ينتمي إليها , والمعتقدات الأخرى التي لا يؤمن بها بطريقة جامدة تؤدي إلى الحزبية المتطرفة التي لا تسمح بالرؤية الموضوعية لحزبه أو جماعته ولا للأحزاب والجماعات الأخرى , فلا يرى الخطأ في حزبه أو الصواب في الأحزاب الأخرى . وهذا يقوده إلى التصلب الفكري, الذي يشير إلى الثبات والجمود في المعتقدات والأفكار والآراء وطرق التفكير , وعدم تغييرها بل ومقاومة التغير حفاظاً على المنظومة الفكرية للمتطرف . والغلو من الصفات المشتركة للمتطرفين والتطرف , وتعني التشبث بأقصى طرف الشيء بتشدد , والقطع بمعتقد الفرد أو فكرته أو رأيه أو موقفه , دون استعداد للتنازل والاقتراب من الوسط المعتدل , ورفض الحلول الوسط التوافقية مع الآخر المختلف والانغلاق على ما لدى الفرد من معتقدات وآراء .
ومن الأصول الفكرية التي تميّز الفكر المتطرف بغض النظر عن دينه ومذهبه وأيديولوجيته الرؤية التسلطية التي تمّجد قيم العظمة والقوة والطاعة , والرغبة في التحكم في الآخرين , أو الخضوع لتحكم الآخرين , نتيجة للاعتقاد بالسلطة المطلقة , والاستعداد لنشر المعتقدات والأفكار بالقوة والعنف والطرق القسرية . والرؤية التسلطية تؤدي إلى الإيمان بحكم النخبة المميزة, وهي الاعتقاد بوجود سلطة خارقة للطبيعة أو سلطة إنسانية مطلقة , أو مجموعة مختارة مميزة واحدة , أو حزب وحيد يمتلك الحق المطلق , أو زعيم أوحد ملهم ... وتأييد سلطتهم المطلقة مهما كان الثمن . ويتفرغ من الإيمان بحكم النخبة المميزة النظرة السلبية للناس, وهي تدل على التقليل من قدرات الجماهير الذين يشكلوّن الغالبية العظمى من الناس على فهم مصلحتهم وإدراك حقيقة الأمور , مقابل تضخيم قدرات النخبة ( الذكية ) مقارنة بالجماهير ( الغبية ) فالنخبة الذكية هي القادرة وحدها على معرفة مصلحة الجماهير أكثر من الجماهير نفسها ! .
والخلاصة أن هذه الصفات وغيرها تشكّل الأرضية الفكرية لكل أيديولوجيات التطرف والمنظومات الفكرية المبنية حولها بغض النظر عن هويتها الدينية أو المذهبية أو الأيديولوجية . فالتطرف لا دين له ولا مذهب , ولا يقتصر على أيديولوجية دون غيرها , فمتى اجتمعت فيه هذه الصفات برز وأطل برأسه وسفك الدماء , ومتى اختفت ظهر الاعتدال والوسطية والتسامح والتعايش السلمي وتقبل الآخر المختلف والإيمان بالتعددية واحترام الرأي الآخر , وحقه في الحياة والحرية والكرامة التي منحها الله تعالى له.