خبر : الثابت والمتغير في سياسات ثلاثة رؤساء مصريين تجاه فلسطين ..بقلم: محمد ياغي

الجمعة 16 مايو 2014 07:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



في السنوات الثلاث الأخيرة في مصر، كان هناك رئيس مخلوع وآخر معزول، وفي نهاية الشهر الحالي رئيس جديد هو على الأغلب وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي.
لدى الثلاثة رؤساء قواسم مشتركة في قضايا عديدة - على صعيد السياسات الاقتصادية، جميعهم من دعاة الدفاع عن اقتصاد السوق.. على صعيد السياسات الخارجية جميعهم أراد ويريد علاقات قوية مع الولايات المتحدة ودول الخليج وحافظ وسيحافظ على مسافة واضحة من إيران وحلفائها في المنطقة، لكن تجاه فلسطين يبدو أن هناك فروقات بين الأنظمة الثلاثة.
الرئيس مبارك، اعتبر اتفاقات كامب ديفيد أساساً لعلاقة مصر بإسرائيل، لكنه في المقابل استفاد من بنود المعاهدة ليخلي مسؤوليته عن نشاط الجماعات الجهادية في سيناء وعن مئات الأنفاق التي تربط غزة بمصر. وفي الوقت الذي رفض فيه فتح معبر رفح بشروط غير تلك التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، إلا أنه لم يسع لإحكام الحصار على غزة وترك الأنفاق تقوم في السر ما لا يرغب بالقيام به علناً بسبب علاقات النظام الدولية وانحيازاً لخياراته السياسية التي كانت تفرض عليه من وقت الى آخر تشديد إجراءات الحصار.
مبارك لم يرسل الجيش المصري لمحاربة الجماعات الجهادية في سيناء والسبب لا يعود لعدم قدرة الجيش المصري على ذلك، ولكن يبدو أن حسابات النظام كانت إستراتيجية وقائمة على عدم وجود مصلحة لـ"مصر" في حرب من هذا النوع لأن نشاط هذه الجماعات لا يستهدف الداخل المصري ولكن إسرائيل، بمعنى أن نظام مبارك رأى في هذه الجماعات استنزافاً لإسرائيل وبالتالي إذا أرادات إسرائيل محاربتها فلتفعل هي ذلك. هذا الخيار نابع من إدراك نظام مبارك أن سيادة مصر على سيناء ناقصة بحكم معاهدة كامب ديفيد، وبالتالي لا يوجد ما تستفيده مصر من حرب على أرض سيادتها عليها ليست كاملة.
نظام مبارك لم تكن له التزامات أيدولوجية تجاه قضية فلسطين لكنه اضطر للتعامل مع هذا الملف بسبب العمق العربي للقضية الفلسطينية وبسبب علاقات النظام الخارجية التي كانت تطالبه دائما بالتدخل. في هذا الاتجاه شجع النظام المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبنى سياسته على مبدأ "ما يقبل به الفلسطينيون تقبل به مصر"، كان يتجنب موضوع الصراع مع إسرائيل في الإعلام، وعندما كان مضطراً للحديث عنه، كانت المبادرة العربية للسلام توفر له المخرج المناسب مصحوبة دائماً بتحذير من أن عدم حل القضية الفلسطينية يؤدي الى تفاقم "الإرهاب" في المنطقة، لكن بالمجمل، لم توجد له سياسة أبعد من تشجيع فريقين يتنافسان في مباراة كرة قدم لا تعنيه.
الرئيس مرسي، أيديولوجياً، كان يعتبر القضية الفلسطينية قضية مصرية. سهل حركة العبور بين غزة ومصر على معبر رفح دون أن يقوم بفتح المعبر رسمياً، وبدأ بدراسة مشروع لمنطقة تبادل تجاري حرة على حدود غزة كان يمكنها لو نفذت مساعدة غزة على الصمود وإحداث تنمية في سيناء.
مثل نظام مبارك كان يرى أن معاهدة كامب ديفيد تنتقص من السيادة المصرية على سيناء وبالتالي فإن المعركة مع الجماعات الجهادية فيها ليست معركته، لكن بعكس نظام مبارك، كان يرى أن إحداث تنمية في سيناء يعزز من سلطة الدولة المصرية عليها. في السنة التي حكم فيها كان من الواضح أنه ملتزم باتفاقيات كامب ديفيد وأن لا نية لديه لإلغاء المعاهدة لأسباب لها علاقة بمحاولة الحصول على تأييد دولي لنظامه ولأن الأولوية كانت لحل مشاكل مصر الاقتصادية لا مفاقمتها بإعطاء مبرر لقوى دولية بمقاطعة مصر ولأن النظام كان يرى أن الأولوية يجب أن تكون لتمكين الجماعة من الحكم لا توفير مبررات لإبعادها عن الحكم.
عمل نظام الرئيس مرسي، مثل النظام الذي سبقه، على إطفاء الحرب التي دارت في عهده بين المقاومة في غزة وإسرائيل، لكن بعكس نظام مبارك، أظهر تعاطفا واضحا مع الفلسطينيين عندما أرسل رئيس وزرائه أثناء الحرب الى غزة للتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين. تجاه تطوير العلاقة مع إسرائيل، ألقى الرئيس مرسي الكرة بملعب إسرائيل هروباً من المسألة وتحدث عن ضرورة احترامها للشرعية الدولية وتنفيذ قراراتها من أجل "تعزيز السلام" في المنطقة وبعد ذلك يمكن الحديث عن علاقة مصر بإسرائيل وسبل تطويرها.
الرئيس القادم، عبد الفتاح السيسي، قدم رؤيته بشأن القضية الفلسطينية وإسرائيل في المقابلة التي أجرتها معه زينة يازجي من قناة سكاي نيوز. على عكس مبارك ومرسي، السيسي يرى أن سيادة مصر على سيناء كاملة وغير منقوصة، وبالتالي فإن على الجيش المصري مهمة القضاء على الجماعات الجهادية فيها. مصر بإمكانها أن ترسل ما تشاء من فرق الجيش والمعدات العسكرية لسيناء لمحاربة هذه الجماعات و"الطرف الآخر" لن يعترض على ذلك لأنه يعلم بأن قوة الجيش المصري "ليست غاشمة أو معتدية".
أيديولوجياً، يقف "الرئيس" السيسي في خط واضح ضد حركة "حماس" لأنهم في تقديره جزء من جماعة الإخوان في مصر التي يحاربها الجيش المصري، لهذا تم هدم جميع الأنفاق بين غزة ومصر وإحكام الحصار على غزة بما في ذلك الإبقاء على معبر رفح مغلقاً إلا في أوقات محدودة.
مثل سابقيه، "الرئيس" السيسي ملتزم باتفاقيات كامب ديفيد، لكنه مثل مبارك، لا توجد لديه أيديولوجيا تربطه بالقضية الفلسطينية، هو سيشجع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق سلام بغض النظر عن طبيعته، وسيقبل بما يقبل به الرئيس عباس، وهو يشاهد "فرصة" للسلام بين الطرفين يجب اغتنامها. للأسف المذيعة اليازجي لم تسأل السيسي عن تفاصيل "الفرصة" التي يتحدث عنها لأن المشهد السياسي التفاوضي كما هو واضح لكل متابع مغلق، لكن الحديث عن وجود "فرصة" للسلام يؤكد أن الرجل يتحدث عن عموميات تخص رؤيته لهذا الملف وهي قائمة على تشجيع المفاوضات أياً كانت الظروف والنتائج لأن هذا ينسجم مع استحقاق حاجته للحصول على شرعية دولية لنظامه الجديد.
هذا العرض السريع لسياسات ثلاثة رؤساء يوضح أن المرحلة القادمة ستكون المرحلة التي يحصل فيها الجانب الفلسطيني على أقل دعم من الدولة المصرية. النظام الجديد يعتبر غزة مشكلة لأمنه، وحاجته للشرعية الدولية ستدفعه الى الوقوف الى جانب المفاوضات السياسية مع إسرائيل بغض النظر عن الخسائر التي ترافقها للجانب الفلسطيني، وفوق ذلك انشغال النظام الجديد بحربه على جماعة الإخوان ستبعده أكثر عن الاهتمام بالقضية بالفلسطينية.