خبر : أزمة الإسلام السياسي الاشتباك مع الهوية الوطنية .. أكرم عطا الله

الثلاثاء 13 مايو 2014 12:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
أزمة الإسلام السياسي الاشتباك مع الهوية الوطنية .. أكرم عطا الله



لدى تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية تفسير واحد لحركة التاريخ ، ليس ذنب الأيدلوجيا أنهم يقفون عند حدودها الضيقة وهم يقومون بقراءة النهر الحضاري المتدفق ، وليس مسئوليتها أن ورثتها يعتمدون النقل دون العقل ، فقد تعرض هذا التيار في السنوات الأخيرة لحركة هائلة من الصعود والهبوط لكن القراءة التي يقدمها مفكروه وقيادته السياسية للهزات التي تعرض لها هذا العام تشي بقدر من السطحية والفهم غير الدقيق للأحداث حيث لا يسمع سوى تفسير واحد وهو الأسهل" تفسير المؤامرة" بل ويذهب التفسير أبعد من ذلك فيعتبر أن الأزمة التي مر بها هذا التيار هي بسبب " المؤامرة على الإسلام " .
تحديدا في غزة والقاهرة حركة الأخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني حركة حماس تعثرتا عند وصولهما للحكم وسجلت التجربة إخفاقا يجب أن يدفع كل منهما للتفكير أبعد مما نقرأه ونسمعه فالمؤامرة والدسائس هي جزء من لعبة السياسة وثقافتها يتعرض لها الإسلاميون مثلهم مثل غيرهم في المنطقة العربية لكن هناك ملاحظتين ربما تدحضان هذا التفسير الذي لا يساعد الإسلاميين على الخروج من تلك الأزمة والبدء من جديد كتيار له حضوره في الواقع العربي الأولى :أن خصوم الحركتين في فلسطين ومصر ليسوا أعداء للإسلام والمسلمين سواء حركة فتح التي استمدت اسمها من القرآن وتضم من العلماء والدعاة وخطباء المساجد والمصلحين ربما ليس أقل من حركة حماس ،وأما في مصر فلا يرى الأخوان المسلمين ندا لهم غير وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي وهو من اختاره الرئيس الأخواني باعتباره أكثر أعضاء المجلس العسكري تدينا... والثانية بأن المؤامرات تقوم بها جهات منظمة سواء أحزاب أو جيوش لكن اللافت هو حجم انحسار التأييد الشعبي للقوتين بعد وقت قصير على انتخاب كل منهما حيث تحدث ردة شعبية بعد وصولهم للحكم .
لدى حركة حماس من الاستطلاعات ما يؤكد هذا الانحسار وتحديدا في قطاع غزة حيث تحققت التجربة ، وتعطى أرقام المشاركة في دستور 2014 الأخير في مصر دلالات هامة من الضروري قراءتها فبينما أيد دستور الإخوان عام 2012 ما يقارب عشرة ملايين مواطن كان تأييد الدستور الجديد حوالي عشرين مليون وكان ميزان القوى الشعبي يميل قبل عام في صالح خصوم حركة حماس في غزة حين أقامت حفل انطلاقتها وهي خارجة من أنياب حرب شرسة وصلت خلالها صواريخها لتل أبيب والقدس وبحضور رئيس مكتبها السياسي اندفعت الناس بأضعاف إلى مهرجان انطلاقة خصمها حركة فتح الذي أقيم بعده بأقل من شهر ولتلك دلالتها أيضا والبعيدة عن تفسير المؤامرة .
ولا يكفي تفسير الحصار للخروج بنتائج أيضا لأن الواضع الفلسطيني لم يشهد ازدهارا على مدى تاريخه وإن بدرجات متفاوتة لكن هناك مسألة ربما تبدو الأبرز في ارتداد الناس عن تيار الإسلام السياسي وتحديدا في هاتين المنطقتين فيما نجحت التجربة في تونس بالرغم من "المؤامرة" تتمثل في عدم احترام الأخوان المسلمين وحماس للتراث الوطني لتلك الشعوب والذي شكل بتراكمه ما يعرف بالهوية الحضارية ،فبعد أن يصل الإسلام السياسي للحكم يبدأ باستهداف تلك الهوية مما يشكل صدمة للشعوب التي ترتد بسرعة كبيرة خوفا على تاريخها وحضارتها وثقافتها وخصوصيتها الوطنية .
يقول الفيلسوف الألماني هيغل " إن خصوصية أي شعب هي بصمة الطبيعة على طبعه " فحضارات الشعوب تكونت من هذا التزاوج العجيب بين التاريخ والجغرافيا والذي امتد لآلاف السنين وأصبح يشكل الهوية الشخصية لكل مواطن وهي سبب التوازن والاستقرار النفسي وكل يعتز ويتمسك بهويته ويشعر باغتراب فاقدا لهذا التوازن إذا ما غادرها وهذا يحدث للمهاجرين للدول الأوروبية .
الإسلام السياسي لا يعترف بثقافات الشعوب وخصوصيتها وما أن يصل للحكم حتى يبدأ ببرنامج معادي للثقافة الوطنية ما يحفز الناس على استعداءه حفاظا على هويتها وخوفا من الطمس وهنا يقع هذا التيار في أزمة محاولة العبث بالهندسة الوراثية للشعوب والتي تنقلب إلى رفضه تماما إلى حد المعاداة والذهاب للنقيض وإلا لماذا أيد دستور إقصاء الإخوان ضعف مؤيدي دستور الإخوان وذهب لاحتفال فتح أضعاف من شاركوا في احتفال حماس ؟ فحركة فتح لم تقدم أفضل كثيرا مما قدمته حماس وإذا ما أطلق على ما حصل في مصر بالانقلاب لماذا تؤيد الناس الانقلاب على إرادتها ؟لكن هاتين القوتين فتح فلسطينيا والجيش مصريا ترى الشعوب أنهم حماة بصمة الطبيعة على طبعها .
يائسة من التيارات الوطنية وسوء أدائها وفسادها تذهب الناس لتغييرهم من خلال الانتخابات كما حصل في فلسطين أو بالثورة الشعبية كما حصل في مصر وتختار الإسلام السياسي كنقيض لذلك التيار لتحصل على خدمات أفضل وفساد أقل وما أن يصل هذا التيار للحكم حتى يعلن عن برنامج مختلف ومضاد لتلك الشعوب وهو ما يطلق عليه ذلك التيار " أسلمة المجتمع " وهذه تسمية لا يصح إطلاقها فلسطينيا أو مصريا لأن الشعبين المصري والفلسطيني هي شعوب مسلمة قبل أن تظهر حركتي الأخوان المسلمين وحماس إلا إذا كان المقصود منها أسلمة المسيحيين في كلتا المنطقتين .
خصوم الحركتين وبهدف النيل منهما يطلقون وصفا مختلفا وهو "أخونة" أو "حمسنة" الدولة والمجتمع وهذا التوصيف يراد منه إظهار تيار الإسلام السياسي كمشروع حزبي صغير يراد للدولة والمجتمع أن تكون في مصلحة الحركة أو الحزب وإن كان في هذا شيء من الصحة وشيء من المبالغة لكنه لا يعطي توصيفا دقيقا للبرنامج الاجتماعي للإسلام السياسي الذي يتم التعبير عنه بين فترة وأخرى بالتصريحات أو بالممارسات ويمكن تسميته ب " سعودة المجتمعات " أي جعلها أقرب للنمط السعودي في حياتها الاجتماعية وأسلوب حياتها ونمط معيشتها ونسق علاقتها وحتى شكلها الخارجي في تجاهل واضح للخصوصية الوطنية وللهوية الحضارية للشعوب ولبصمة الطبيعة التي ارتسمت نتاج تراكم آلاف السنين وبعدم تمييز بين الإسلام كدين وبين المجتمع السعودي البدوي ونمط حياته المنسجمة مع طبيعته وبصمة الطبيعة على طباعه وان احتضن الرسالة السماوية .
هنا نحن أمام عدة أنساق اجتماعية وعادات وتقاليد رسختها خصوصية والجغرافيا والتاريخ وتمايز كل منطقة عن الأخرى وفرادة تجربتها وهنا أزمة الإسلام السياسي الذي يحتاج إلى مبدعين يشتقون من عمومية الأيدلوجيا خصوصية التجربة كما حدث في تونس ولكنه فشل في مصر وفلسطين والفرق هائل بين السعودية والقاهرة وفلسطين ، فالسعودية منطقة بدوية صحراوية لها ثقافتها وحضارتها وخصوصيتها بما تحمله من صفات كقسوة الصحراء وثقافة الشك تجاه الآخر وهذا يمكن ملاحظته في علاقات الأخوان وحماس تجاه الآخرين فهي علاقة غير سوية في العمل السياسي حيث التربص والمؤامرة واليد على الزناد .
وتختلف الثقافة السعودية كنتاج للصحراء وقسوتها عن الثقافة المصرية التي تشكلت عبر آلاف السنين كان الوادي هو من يصمم جيناتها وعلاقاتها فهي ابنة النيل بما حمله من تقاليد أصبحت جزء من هوية المواطن المصري الذي تتميز شخصيته بالمرونة إلى أبعد الحدود، وعلى الجانب الآخر هنا فلسطين وريثة الثقافة الزراعية التي أنتجت ثقافة وحضارة المزارع بكل تفاصيلها وأصبحت جزء من الهوية الفلسطينية والشخصية الوطنية غير القابلة للمس فمثلا دبكة الدلعونا هي طقس زراعي قديم كان يمارسه الكنعانيون منذ آلاف السنين في موسم الزراعة حين يزفون الآلهة " عناة " إلهة الخصب لعريسها الإله بعل يغنون لها "على دل عناة " ومع الزمن أصبحت رمز الفرح الفلسطيني وجزء من الجينات الوراثية للشعب الفلسطيني وهذه ترفضها حركة حماس بشدة .
عند فوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 وفي إحدى المرات لاحظ الفلسطينيون رئيس حكومتهم السيد إسماعيل هنية يرتدي الكوفية الحمراء وهي كوفية البدو الصحراويين وليس الكوفية الفلسطينية ذات اللون الأسود والأبيض التي كان يرتديها ياسر عرفات وهي كوفية الشهيد عز الدين القسام ليظهر كامتداد لقائد ثورة 36 عز الدين القسام وللمفارقة فإن حركة حماس التي يحمل جناحها العسكري هذا الاسم لا ترتدي كوفية القسام بل الكوفية البدوية التي تعتبر جزء أصيل من التراث الوطني للبدو شرق الأردن مرورا بالسعودية والخليج.
ولأن فلسطين ومصر هما ورثة ثقافة النيل والزراعة الموسومين بالتسامح والانفتاح كان من الصعب فرض البرنامج الاجتماعي السعودي الصحراوي المتسم بالانغلاق ولكن الحركتين حاولتا ذلك دون النظر لخصوصية الشعوب فحملة الفضيلة التي قامت بها حركة حماس في قطاع غزة هي استنساخ لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية حتى الملابس والأزياء هي نتاج تطور حضاري لها علاقة بالمناخ والبيئة في حين تتطلب بيئة الصحراء الحارة دشداشة تسمح بالتهوية يصعب ارتداءها في المناطق في المناطق الباردة لهذا لا نرى رجالات حركة النهضة بتونس ذات المناخ المعتدل يرتدونها لكن بالنظر إلى الشكل الخارجي لقادة تيار الإسلام السياسي في مناطق أخرى سواء من الرجال أو النساء يمكن الاعتقاد للوهلة الأولى أنهم من السعودية بالرغم من أن الثوب الفلسطيني المطرز والذي يعكس ثقافة القرى الفلسطينية وأثقل من العباءة السعودية السوداء لكن لا نرى نساء حركة حماس يرتدينه وهو قادر على تغطية المرأة بما لا يتعارض مع الإسلام .
هذا الجانب الفكري لم يستوقف الإسلام السياسي في المنطقة وهي قضية على درجة من الأهمية أغلب الظن أنها جزء من أزمة هذا التيار الذي يعتمد النقل لا العقل وغير القادر على التعاطي مع الهويات الوطنية ، وهذه ليست حالة ترف بقدر ما أنها كروموسومات ثقافية وجينات حضارية وراثية أقوى كثيرا من سعودتها وربما جزء من أزمة الإسلام السياسي في المنطقة وهي التنكر للهوية الوطنية للشعوب ومحاولة فرض هويات أخرى ..!

Atallah.akram@hotmail.com