خبر : وصلنا الى الحرب المكشوفة مع الولايات المتحدة \ بقلم: أمنون لورد \ معاريف

السبت 10 مايو 2014 02:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT



هذا هو اليوم التالي. الفترة التي تنتج فيها رواية فشل المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية. وفي اليوم التالي يدور تسريبان صاخبان يتعلقان باثنين من ثلاثي القيادة الامريكية. زلة اللسان التي سربت عن جون كيري، على الخطر لاسرائيل من أن تصبح دولة أبرتهايد، وعمليا التلميح بان اسرائيل في الطريق الى الابرتهايد بدت غير ذي صلة منذ البداية. والان يبدو أنها ترتبط بالتسجيل الجديد، او الاصح القديم. وفي الحالتين ترتبط الامور بالانتخابات للكونغرس التي ستعقد في الولايات المتحدة بعد نصف سنة.

التسجيل الثاني هو خطاب جو بايدن، نائب الرئيس، قبل قرابة ثلاثين سنة. وكانت السنة هي 1985 او 1986، في عهد الرئيس ريغان. بايدن، في كلمة له أمام منتدى زعماء يهود في لوس آنجلوس هاجم ادارة ريغان ولكنه هاجم ايضا سلفه جيمي كارتر على الضغوط التي مارسها في المسيرة السياسية ضد اسرائيل.

السؤال المشوق هو لماذا برزت هذه التسجيلات فجأة. يبدو ان اسرائيل تريد أن تساهم بنصيبها في سقوط الديمقراطيين. "عندما ندفع اسرائيل الى موقف كهذا لا يكون لها مفر غير أن تقول لا، فاننا نحيق ظلما كبيرا باسرائيل"، كما قال بايدن، السناتور من دي لاور عندما كان شابا نسبيا ولكنه قديم في تل الكابيتول.

"سهل علينا جدا، عندما نجلس آمنين في بلادنا، مسيحيين أو يهود، الوصول الى الاستنتاج بان اسرائيل – وهي الان جوليات عسكري في الثنائي داود وجوليات – توجد في موقف يسمح لها بعمل أكثر مما تريد أن تعمله. غير أن اسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بارتكاب الاخطاء. لديها مجال ضيق جدا لارتكاب الاخطاء – وعمليا ليس لها أي مجال للخطأ"، قال بايدن في التسجيل الذي وصل الى مركز بيغن.

بايدن قبل 29 سنة، لم يكن مختلفا جدا عن بايدن في القرن الـ 21. في حينه ايضا تميز بتصريحات محرجة حتى وان كان يقصد الخير: "هذه كالنقطة القديمة المنتشرة في جنوب دولتنا. نكتة عن الدجاجة والخنزير اللذين يتجولان في ساحة المزرعة ويقولان: هذا يوم ميلاد السيد براون اليوم، يجد أن نعد له شيئا لطيفا. عندي فكرة، تقول الدجاجة. ما رأيك بوجبة فطور من البيض وشرائح من لحم الخنزير؟ ينظر الخنزير الى الدجاجة: هذا بالنسبة لكِ تنازل ما، اما بالنسبة لي فهو التضحية بكل شيء ...

"سيداتي سادتي، التنازل الذي طلبته ادارتنا من اسرائيل معناه التضحية بكل شيء من جانب اسرائيل. وهي تضحية ترفض تقديمها. سياسة الادارة الحالية والادارة السابقة ليست متساوية".

وواصل بايدن فقال: "لو لم تكن اسرائيل موجودة لا سمح الله – أو كانت تقع في اسبانيا – فهل كان أحد ما يؤمن بانه سيسود السلام في الشرق الاوسط؟ لماذا نسمح لانفسنا كأمة ان نقول عن العائق الوحيد الاكبر للسلام في المنطقة – وكأن هذه هي المشكلة الفلسطينية؟".

وقال بايدن: "ستكون هذه مأساة للانسانية اذا سمحنا للدولة القومية اسرائيل بان تتآكل وتضعف بشكل تدريجي – بالطبع، اذا ما حصل هذا فانه لن يحصل بين ليلة وضحاها".

نائب الرئيس بايدن لم يعد منذ زمن بعيد يعنى بالموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني. وهو يترك الموضوع لاوباما وكيري. ولكن حديثه في منتصف الثمانينيات، أكثر مما سيحرج بايدن كنائب للرئيس، يكشف ببساطة الميل المناهض لاسرائيل الذي سيطر على الحزب الديمقراطي منذ عهد كلينتون وبشكل متسارع وعلني في عهد رئاسة أوباما. قسم مما يقوله بايدن هناك، في هذا الخطاب القديم، يبدو وكأنه تحدث قبل ذلك مع أحد مندوبي اسرائيل الكبار في ذاك الوقت في امريكا. السفير في الامم المتحدة بنيامين نتنياهو مثلا، الذي كان معروفا كصديق لجو بايدن.

أصحاب السمع المطلق سيلاحظون بانه ينقص شيء ما في الخطاب. بايدن يتحدث عن أن اسرائيل تعتبر كعائق للسلام لانها لا تساهم بتنازلاتها الضرورية لغرض حل المشكلة الفلسطينية. في حينه، في الثمانينيات، لم تكن اسرائيل مطالبة الا بالاعتراف بـ م.ت.ف كشريك للمفاوضات وليس الاردن. من المجدي التفكير للحظة، ما هو المطلوب اليوم من اسرائيل. ما الذي تطلبه الادارة التي يشغل فيها بايدن اليوم نائبا للرئيس.

ولكن الان، بعد ثلاثين سنة، العائق هو المستوطنات. وعدم موافقة اسرائيل على الانسحاب الى خطوط 67، وصعوبة معينة في تحرير سجناء قتلة.

الادارة الحالية لا تختلف كثيرا عن ادارات سابقة من حيث نزع الشرعية التي تفعلها لاسرائيل. فهي ليست الادارة الاولى التي ترفض نقل السفارة الى القدس، او التي تطلب الانسحاب الى خطوط 67 في مثل هذه الجبهة او تلك. لقد كان الامريكيون دوما شركاء في نزع الشرعية إذ بهذه الطريقة تسببوا لاسرائيل بان تحتاج المرة تلو الاخرى الى مظلتهم الدبلوماسية الدولية، وهكذا شددوا تعلقها بهم.

ولكن الادارة الحالية تعنى بنزع الشرعية عن اسرائيل بشكل اكثر فظاظة بكثير؛ فهي تلمح لكل المحافل المناهضة لاسرائيل، من الجهادية الاسلامية وحتى الحكومات الاوروبية ومؤسسات الامم المتحدة بان اسرائيل توجد في منطقة الصيد الحر.

وتكشف عن هذا تصريحات اوباما نفسه في المقابلة مع جيفري غولدبرغ قبل شهرين والصاق اسرائيل ببوابة الابرتهايد على لسان كيري. فهل سيستوعب اليهود الرسالة ويتجندوا لالحاق الهزيمة بالديمقراطيين؟ اسمحوا لي بان أشكك في ذلك. عندما يذهب أوباما الى هوليوود ويخطب أمام نحو مئة من أصحاب المال الكبار جدا، معظمهم يهود، فهو يأتي كمن يبتز من الاصدقاء الخاوة. من لا يتبرع للديمقراطيين سيكتشف فجأة بان التسجيلات الخفية العنصرية خاصته ستنشر في الشبكة، او أن تجارته ستنهار.

مراجعة النكبة

كان في الاسبوع الماضي اشتداد لحرب التسريبات والاعلانات المغفلة. فقد قال مصدر امريكي رسمي كبير انه حتى لو كانت اسرائيل لا تحب هذا، الا ان الفلسطينيين سيحصلون على دولة. وقال هذا المصدر الذي يوصف بانه مشارك مباشر في المفاوضات بين حكومة اسرائيل وقيادة السلطة الفلسطينية ان "الفلسطينيين سيحصلون على دولة – ومهما يكن ذلك سواء عبر المنظمات الدولية أم عبر العنف". معقول أن يكون هذا مارتين اينديك، بالضبط مثلما كان من زل لسانه هو جون كيري، دبلوماسيين كبيرين يبديان هواية في كل موضوع المفاوضات، وفي كل موضوع الشرق الاوسط.

قبل بضعة ايام اضيف بيان امريكي استفزازي: "التجسس الاسرائيلي في الولايات المتحدة تجاوز الخطوط الحمراء. كل هذه التصريحات تطرح السؤال هل نحن ندخل الى مرحلة حرب مكشوفة بين اسرائيل والولايات المتحدة. دون اطلاق النار بالطبع. فادارة اوباما – كيري أخطر في المجال السياسي منها على الارض. نتنياهو وأبو مازن على حد سواء يفهمان هذا، وسيضطران الى ايجاد السبل للدفاع عن النفس في وجه الادارة التي تقف في صفر فعل امام تصفة اوكرانيا وامام استمرار المذبحة في سوريا والتي تتم ايضا بواسطة قصف الغاز.

ولكن من الصعب التصديق بان ادارة اوباما ستؤدي حقا الى المواجهة والى الشرخ بين الولايات المتحدة واسرائيل. فليس لديها مبرر. فهذا خلافا للمصالح الامريكية العميقة – اذا كانت ادارة اوباما تولي أي اهتمام بهذه المصالح. يمكن التقدير بان هذا التبادل للاتهامات، والتي يشارك فيها صحفيون كبار في اسرائيل، هي نتيجة تحول السياسة الاسرائيلية الى شيء ينتج عن السياسة الداخلية الامريكية.

أوباما، كيري، اينديك وباقي محافل البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية يبقون قسما من النخبة الاسرائيلية قريبة من صدورهم. العدو المشترك – نتنياهو، حكومة اليمين، المستوطنات، المستوطنين. وهم يلعبون اللعبة القذرة للصندوق الجديد لاسرائيل ولجماعة جي ستريت: جعل اسرائيل منبوذة في نظر يهود امريكا، وربط بقايا النخبة القديمة في اسرائيل بالادارة.

هذه النخبة لا تزال تنجح في السيطرة على الخطاب الجماهيري، ولكنها عمليا اصبحت شريحة اجتماعية رقيقة جدا. في نظر اليسار الامريكي، على اي حال، والذي يستند الى تقديرات الاعلام الاسرائيلي، فان الائتلاف اليميني هش ومترنح. في داخله توجد تضاربات وتمزقات. ويمكن في وضعية معينة أن يقام مرة اخرى ائتلاف ما يتصرف حسب سيناريو كيري واوباما. وهم يرون مواجهة بين بعض زعماء البيت اليهودي وبين رئيس الوزراء. ويبلغون عن هجمات رجال الاحتجاج على صفقات السجناء في احتفال يوم الذكرى في جبل هرتسل.

النخبة الاسرائيلية التي يعولون عليها ترى الواقع مثل البروفيسوريين عمانويل سيفان وتمار هيرمان في المقدمة التي تتباهى بكتاب جديد عن سائقي السيارات العمومية في مصر: "زاوية النظر الثانية لدينا، كقراء اسرائيليين، هي لجمهور شهد ... موجة احتجاج كبرى، لم تؤدي خلافا لمصر الى تغيير للسلطة.

ومع ذلك فان موجة صيف 2011 شهدت بان هنا ايضا تآكلت هيبة السلطة بل وشرعيتها كانت موضع شك ... فموجة الاحتجاج التي صعدت قبل سنتين تغذت وغذت فهما جد غير مريح – يشبه بقدر كبير فهم سائقي السيارات العمومية في القاهرة الذين يذكرهم الكتاب تجاه حكم السادات ومبارك – عدم قدرة حكومة نتنياهو وسابقاتها على الحكم وعدم نقاء أيدي القيادات السياسية والاقتصادية، وعدم نجاعة اداء جهازي التعليم والصحة، وغيرها هنا وهناك".

هذا المقطع يؤكد بانه كان هناك تطلع ما لهز الدولة لدرجة "الانقلاب السلطوي". فالنخبة المثقفة ترى بحكومة اليمين، حكومة نتنياهو، في ذات المستوى مثل مبارك أو السادات في حينه. حكم غير شرعي، عمليا، مليء بالفساد.

من يتابع كل الخطاب النكبوي يفهم بان هذا أيضا يرتبط بالفكرة التي تشبه نتنياهو بمبارك. خطاب النكبة الذي يتصدره اليسار يجب أن يعيدنا الى المفاهيم القديمة التي قلة فقط تتذكرها: الاصلاحية التاريخية والثأرية. هذه بشكل عام هي من مزايا حركات اليمين المتطرف، الفاشية. فقد بدأت النازية بالاصلاحية التاريخية. وكان الكثير من الديمقراطيين ممن اتفقوا معها. هذا هو المفهوم الذي رأى في الالمان المهزومين بعد الحرب العالمية الاولى الجانب المحق، الذي اهين، استغل، سلب، وبترت اراضيه عن خريطة الامة وما شابه.

والثأرية هي سياسة التوسع التي يحركها الغضب الوطني الانتقامي. وهذا بالضبط هي دوافع الفلسطينيين، غير أن حلفاءهم هم من اليسار المتطرف.

إن اعتبار حرب الاستقلال مثابة نكبة، وليس من قبيل الحرب العادلة لشعب اسرائيل في سبيل وجوده واستقلاله، هو الثأرية في ذروتها: النقيض التام للسبب والمسبب، النقيض للعدالة ونفي الحقائق. والميل هو نحو الموافقة على بند المعاناة والمأساة مع الادعاء بان هذا ذنبهم. هم الذين اجتاحوا، هم الذين لم يقبلوا بقرار التقسيم في 47. وماذا بالنسبة لامكانية أن الفلسطينيين دفعوا بالاجمال ثمنا معقولا، بل وحتى ليس عاليا على نحو خاص، مقارنة بجريمتهم المتمثلة بانضمامهم الى قوات الاجتياح العربية؟

لقد درج بن غوريون على القول ان اسرائيل ستفكر باعادة اللاجئين اذا ما أعاد الفلسطينيون 6.500 يهودي قتلوا في الحرب. هذه هي المأساة في أن العرب حاولوا كتابة التوطئة للحرب العالمية الثانية، واليهود منعوا تحقيق الهدف. فضلا عن ذلك، فقد دفع الفلسطينيون ايضا ثمن الاضطرابات التي جعلوها لليهود منذ القرن التاسع عشر ولا سيما منذ العام 1920، مع مذبحة 1929، وباقي الهجمات الارهابية. في اطار الاصلاحية، فان اعمال القتل البربرية في الخليل تصبح في الادبيات الاكاديمية متوازنة من ناحية اخلاقية بل وربما مبررة او مفهومة على الاقل.

ان حق اسرائيل مثبت في المجتمع وفي الدولة اللذين بناهما مواطنوها. ما يختبىء خلف رؤيا قسم معروف من وسائل الاعلام ورواد الرأي العام فيها هو اقامة طغيان اسلامي في الضفة وغزة. وادخال اسرائيل الى دوامة من الخراب الاجتماعي الداخلي في اعقاب اخلاء جماعي للمستوطنين.

ما يمنع حاليا نجاح الحلف المؤيد للجهاديين بين البيت الابيض واليسار الاسرائيلي والناطقين بلسانه هو الحلف الخفي بين نتنياهو وابو مازن. حكومة اسرائيل تعرف كيف تتوصل الى تفاهمات مع حماس ومع ابو مازن. الخوف من محاولات الامريكيين ضعضعة الاستقرار يقرب محافل متناقضة في الشرق الاوسط.